الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

غضبة المارد

لا يمكن للتفكير أو التصور استيعاب ما حدث لمدن وقرى فى السودان؛ كانت فى مأمن من الدمار، لم تر للنيل غير الوجه المشرق الذى لا يملكون نحوه غير الحب والنجوى، ولم يحرمهم بدوره من الوفاء والخير، وظل الحافظ للجوار والأسرار نظمت فيه أجمل الأشعار وأروع القصص.. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يغشى فيها الأراضى العامرة.. ولكن كان يأتى فياضا بالخير، مخصبا للأرض لتؤتى أُكلها ويأتيها الزراع من كل صوب وحدب..



 

كان يأتى فى أيام معلومات لم نعهد منه الغدر ولا الخراب مثلما الآن لم يتعد على أحد ولم يذهب إلى أحد، نحن من ذهبنا وتعدينا على حرمه وضيقنا خناقه تركنا كل المساحات الخالية وأتينا لبناء واهى التشييد على مرتع مجراه.. هل سيتركه لنا؟ طبعا لا، تلك حقيقة يعلمها ويرددها أى أحد، ثم يأتى فيتعدى على أراضيه التى يغشاها كل سنة مرة لفترة محددة ويذهب فتصبح مزارع ومراعى تحقق لنا وفرة طوال العام من الخضراوات والفاكهة.. ولكن للأسف لم يبق من هذه النعم الكثير فالتمدد السكانى غمر حتى الأماكن الزراعية؛ وهى أصلا هبة النيل ومطرحه، لماذا لم يُمنع هذا التمدد الجائر سواء كان عشوائيا أو مصرحا به؟ لماذا لم تُزل هذه المخالفات وليس أكثر عندنا من الأراضى الخالية التى تنتظر من يحييها ويكاد لا ينقصها شيء؛ تملك كل خواص الصلاح فهى مسطحة وزراعية ولا تحتاج لجهد كبير لتقام فيها المدن السكنية. فالسودان أراضيه تختلف كثيرا عن أى دولة فقد أزاح الله عنه الكثير من الموانع الطبيعية التى تجعل من البناء مهمة عسيرة. هل ألفنا البحث عن المصاعب؟ هل استهوتنا حياة المنح والمساعدات التى تأتى جوا للإغاثة؟ هل السودان بلد فقير خالٍ من الموارد التى تنهض بالأمم؟ هل تنقصنا الأيدى العاملة أو العقول المفكرة؟. من فعل بنا هذا من أوردنا موارد الذل والهوان وجعل منا اليد الدنيا ؟.أتسأل وأنا أملك الأجوبة، ولست وحدى من يملكها.. نعم الجميع يعرف حتى خارج نطاق القطر ولكن الحقيقة مرة نتهرب منها ونفضل أن يسقط منا الضحايا ولا يسقط وجهها، نفضل أن نقضى ونحن نردد (أهل الحارة ديل أهلي) نعشق المواقف الحارة لنختبر سودانيتنا الأصيلة ومواقفنا الشهمة النبيلة فى مساعدة بعض والوقوف مع بعض فى الفرح والكره، ولو عقلناها لمسحنا أغلب الاتراح قبل أن تحدث ولكن لا.. هى ثقافة أن تغيث الملهوف لا أن تساعده قبل وصوله لتلك اللهفة.. طبعا كل ذلك لم يكن الجواب على تساؤلاتى الجواب ببساطة أننا منذ سنوات ليست بالقريبة نعانى من الإدارات ووضع الشخص غير المناسب فى المكان الذى لا يجب مجرد المرور بقربه..لماذا إذاً يحدث ذلك؟ إنها الترضيات يا صاح.. نعم الوظائف ومواقع القيادة توزع حصصا على أحزاب قد لا يكون لديها شخص كفوء جدير بمركزه ولكنها لا تعتذر؛ تقبل فهو (نصيبها) ويلا نبدأ من الصفر ليتعلم ويجرب وأن لم يكن حريفا فى إخفاء إخفاقاته يذهب به الحزب ويولى من يبدأ من جديد وهكذا حتى عند ذهاب الحكومات تأتى التى تليها لاعنة فساد الأخرى وأيضا تبدأ من جديد.. وهكذا وهكذا لا توجد خطط واستراتيجيات طويلة المدى تكمل المشروعات لم نسلم من ذهاب السابقين ولن نسلم طالما بالسودان كم هائل من الأحزاب كل فى انتظار نصيبه من الكيكة.. ولا يهم إذا كانت البلد تحتاج تخطيطا هندسيا يحصنها من الفيضان ومياه الأمطار التى لا تجد لها مصرف سواء بيوت الغلابة فتأخذها فى طريقها. وأذكر ذات مرة والنيل قد جاء لمرقده كما نطلق على المنطقة التى يقام عليها منشأ وهى أصلا مجرى له (مرقد موية) فحضرت قوة من الدفاع المدنى بقيادة ضابط التف المتضررون ممن تحاصر المياه منازلهم حوله بحثا عن حل لمشكلتهم فما كان منه إلا أن قال لهم «يا جماعة ما كل مرة تقولوا البحر جاءنا الحقونا البحر دا ما بمشى لزول انتو الجيتوه، ارحلوا منه» .ياريت الناس تسمع هذه النصيحة وترحل عنه. والمعروف بأن كل تلك الأراضى زراعية تم التعدى عليها من قبل السماسرة وبيعت لهم بأسعار ذهيدة جدا وللأسف تم تسجيلها لهم كسكن دون مراعاة عاقبة الأحداث. وهى ما تعيشه البلاد هذه الأيام.. وأخيرا هل تعلم بأن فى السودان مناطق تبعد عن النيل تعتمد فى شربها على الآبار التى يصل عمقها مسيرة كيلومترات يسيرها الحمار وهو يجر حبل الدلو الذى يأتى بالماء من باطنها . أليس من الممكن شق بعض القنوات للاستفادة من كميات المياه التى تزيد عن حوجة المناطق المتاخمة للنيل وتورده كل مرة مورد التهلكة، فيستفاد بها لإعانة تلك المناطق التى تحتاجها، ونرتاح ويرتاح من يحملون همنا ويهبونا لنجدتنا كل عام، ونأمن غضبة المارد بالبعد عن سكته الطويلة.. 

ودمتم فى أمان الله