الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عقلك فى راسك

استقرت الجماعة الشعبية على مفاهيم قائمة على وعى التجربة وخبرة العمر الطويل، فاختارت خلاصة القول لتضمن لأفرادها الإنسجام مع الواقع ومسايرة الظرف المحيط، وتحاشى الفصام والخصام. إنها رغبة العيش بغير أرق والتعايش بغير صدام.



لعل النظرة السطحية لمفردات وموضوعات الثقافة الشعبية، والتى يغيب عنها موضوعية التأمل، وعمق القراءة المتأنية، هو ما يؤدى حتما إلى التسرع فى الحكم عليها وعلى أصحابها، ووصفها ووصفهم بما ليس فيهم  إنها النظرة المتعالية التى تتخذ القرارات بغير فهم أو روية . 

حين تدعو الجماعة أفرادها إلى تفعيل العقل فى اتخاذ المواقف والتحكم فى الانحيازات والتوجهات  فهى تسعى لاتزان الرؤى ورجاحة الفهم والتصرف، بما يضمن سلاسة المعاملات وسلامة العلاقات .

العقل لما يكون فى الراس، بيفكر ويدبر ويقرر، يبقى البنى آدم حر، الحرية فى عرف الناس مرهونة بعقل يقدر يضبط الفعل، وعمره ما يفرط فى قواعد ضبط النفس  العقل الحر رشيد يعرف إزاى يبنى للخير قصراً، ويرسم للكون ألواناً واضحة  ويزرع ورداً فى أرض مفروض أنها بور..عقل البنى آدم طاقة نور.. بوصلة للتايه ومرسى للحيران.. إللى عقله فى راسه عمره ما يبقى خسيس، ولا يبقى جبان..

عندما يدعو المثل الشعبى دعواه المغلفة بصياغة إبداعية مركزة، ومرتكزة على مفاهيم واعية وخبيرة، يضمن قدراً كبيراً من الاستجابه القائمة على القبول والتبنى و الانتشار والاستمرار. وهو بذلك يصل إلى بغيته فى وصول رسالته إلى وجهتها وفكرته إلى مراد التذكير والتأثير.

اعرف خلاصك يعنى صرف أمورك حسب قدرتك على تصريفها، فالأمر الذى هو محل خلاف، بات تحت سيطرتك أنت، فإذا أحسنت تدبيره، وتمكنت منه واستطعت إيجاد الحلول له، فقد نجوت من اللوم، ونجحت فى تسيير الأمور، وتخلصت من أذى ضيق الأفق وعتامة الرؤية وتوتر العلاقات. المتأمل لهذا المثل الذى يدعو الفرد بدعوة يقظة من الجماعة ترددها لأفرادها وتدعوهم إلى الانحياز إليها والعمل بها، فهى بذلك تثبت قواعد هامة وعامة من الإلزام والإلتزام. والمثل فى هذا السياق يعتمد على الإيجاز فى التعبير، ويحذف المعلوم والمفهوم، ليبقى المقصد هو غاية المراد ( إذا كان عقلك فى راسك، ستستطيع تصريف أمور حياتك وعلاج مشكلاتك بصورة صحيحة).

كذلك فإن رغبة الحكمة الشعبية، فى توجيه الجماعة نحو كامل الحرية فى تصريف الأمور، ليست حرية مطلقة للفرد، بل مرتكنة على مفاهيم الناس ورؤيتهم للأحداث.

لما عقل البنى آدم بيغيب، قلبه الطيب ممكن ياخده لسكة بعيدة، ويوديه لبلاد بلا ناس، ويتوه فى الوهم بمشاعر كدابة، القلب لوحده بيبقى ضعيف.. حتى لو هو قلب نضيف.

حين يوجه العقل المبصر والمستنير إرادة المشاعر الصادقة الرقيقة والراقية، نحو الوجهة الصحيحة والمتزنة، تتجلى قدرة الإنسان على اتخاذ المواقف والقرارات الصحيحة فى الأوقات المناسبة، مع الشركاء الصالحين.

العقل لما يكون واعى، والقلب لما يكون عمران.. الخير دايما هيكون حاضر، والإنسان يفضل إنسان.