الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

خطة عاجلة للحد من خطورة الخردة

سارعت السلطات المصرية، إلى وضع ضوابط جديدة وصارمة وتطبيقها بحزم للتعامل مع تداول الخردة والبضائع بعد حادث مرفأ بيروت الكارثى.



ووضعت إدارة الموانئ البحرية اشتراطات صارمة لتداول الخردة بالإضافة لإلزام الشركات بالتخزين الآمن للخردة وإنشاء شبكات ترذيذ ذات كفاءة عالية معتمدة على مصادر المياه من الآبار الارتوازية لضمان وجود مصادر المياه الملائمة لأعمال الترذيذ ومكافحة الحرائق بأماكن تخزين الخردة، كما يشترط التخزين على أرضيات خرسانية سميكة لمنع تسرب المياه الملوثة إلا المياه الجوفية.

أما داخل الموانئ فيجب الالتزام باشتراطات التخزين السابقة بالإضافة إلى وضع ستائر خضراء بارتفاعات مناسبة حول الساحات للحد من انتشـار غبـار الخـردة خـارج المشغل، وكذا الالتــزام بوضــع ســتائر (أغطیــة بلاســتیكیة) بـين الرصــیف والســفینة مــع وضــع مصــدات علــى الرصیف لمنع سقوط الخردة فى المسطح المائى أو تلوث بحرى.

كما يتم الالتزام بوضع ألواح معدنیة على الرصیف فى مكان العمـل للحفـاظ علـى أرصـفة الميناء مـن التلـف بسبب الخردة المتساقطة، والالتزام بفتح الكباشـات داخـل صـنادیق سـیارات النقـل بقـدر الإمكـان ونزولهـا لقـاع السـیارة لعـدم إثـارة الغبار والأتربة حتى لا تتعدى النسبة المسموح بها طبقا لقانون البیئة. وتضمنت التعليمات الجديدة الالتــزام بــالتكبیس خــارج حــرم الطریــق مــع مراعــاة التنظیــف المســتمر لمنطقــة العمــل علــى أن تــتم التغطیة على الرصیف قبل تحرك الشاحنات، وكذا الالتزام بالحمولة المحددة للشاحنات وتجنب التحمیل الزائد الذى ینتج عنه تساقط أجـزاء مـن الشـحنة أثناء السیر على الطریق، والالتــزام بــالإجراءات الوقائیــة وخاصـــة ارتداء كمامات الوجه لتجنب استنشــاق الأتربـــة المســـرطنة الناتجة من أكاسید الحدید. كما أصدرت إدارة الحماية البحرية بالموانئ، أيضا تعليمات صارمة بشأن البضائع الخطرة وتصنيفها وأسلوب التخلص منها، وأحرزت عددا من البضائع كبضائع خطرة لأول مرة، ومن بينها مخلفات نواتج التنظيف وإزالة الزيوت والشحوم وصيانة الماكينات والبنزين وأقمشة التنظيف. وقررت إدارة الحماية البحرية بالموانئ المصرية، وضع ثلاث علامات للمواد الخطرة، وتتضمن المواد المتفجرة، والغازات المضغوطة، والغازات السامة والمواد القابلة للاشتعال والمواد الحمضية، والحمضية والقلوية، والمواد الصلبة القابلة للاشتعال.

الدكتور مجدى علام، الخبير الدولى فى شؤون البيئة، قال إن أى مواد مخزنة فى الموانئ البحرية تمثل كارثة بيئية لأنها عبارة عن مركب كيمائى يمكن أن يؤدى إلى كوارث كبرى كما حدث من قبل فى بعض الدول وآخرها ميناء بيروت، مؤكدا أن الموانئ بها أكثر من 2000 مركب كميائى من الممكن أن يتفاعل ويؤدى إلى ظواهر سلبية. وأكد الخبير البيئى، أن المعادن التى تتواجد فى الموانئ تمثل كارثة تحتاج إجراءات صارمة وحاسمة لتفاجى أى تفاعلات كميائية تؤدى إلى فاجعة بيئية، لأن المعادن التى تستخدم فى الصناعات المختلفة عبارة عن تركيبات كميائية من الممكن أن تتفاعل وتؤدى إلى حوادث ضخمة وكبيرة، حتى الحديد يؤثر على العمال فى مصانع الحديد والصلب خلال عملية التسخين والانصهار. ولفت إلى أن عملية التسخين تؤدى إلى الانفجار، وأيضا عمليات التعبئة الخطرة والتخزين الخاطئ يؤدى إلى كوارث كبرى فى الموانئ البحرية، لأن لها تأثيرات كميائية على الجسم وتحتاج إلى خطة محكمة لتفادى أى أخطاء وإجراءات غير سليمة. 

أما دكتور عبد الحكيم العلوى، مدير الجمارك الخضراء ونقطة الاتصال الوطنية مع منظمة الجمارك العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أكد أن عملية تخزين المواد الخطرة والمواد الصلبة والخردة فى الموانئ ملف شائك وخطير ويحتاج إلى دراسة متكاملة يتفادى فيها الظواهر السلبية.

وأشار «العلوى» إلى حادثة انفجار مرفأ بيروت حدثت واقعة شبيهة لها فى الصين إلا أنه لا يوجد أحد يتعلم من الدرس، لافتا إلى أن أغلب تلك الكوارث وقعت نتيجة الإجراءات الخاطئة وعدم التعامل السريع والسليم مع الحاويات القادمة من الخارج. وأكد أن الحاويات التى وصلت إلى ميناء الأدبية فى عام 1996، وتحتوى على مادة اللاندين الخطرة المسرطنة، ظلت تحت سيطرة النيابة ومخزنة فى الميناء حتى عام 2016، رغم خطورة انتقالها فى الهواء الذى تحمله بمواد شديدة الخطورة والممنوع تداولها عبر الحدود، مشددا على أن التخزين أصابها بالصدأ وبدأ الغبار يحمل المادة وينشرها فى الهواء بما مثل كارثة بيئية واجتماعية بعد تفاعل المبيد الذى يسبب السرطان، بصورة متسارعة جدا. وأوضح أن جزءا من الكارثة هو تنصل كل جهة من مسؤوليتها تجاه المادة المتواجدة فى الميناء وتمسك كل جهة بدورها فقط دون وجود عملية تكاملية لحماية البيئة والمجتمع من خطر تلك الكارثة، لافتا إلى أن دولا كثيرة عرضت على مصر إنشاء مدافن ومقابر للنفايات إلا أن ذلك يمثل كارثة أكبر ولا يمكن حل مشكلة بمشكلة أكبر منها. ولفت إلى أن هناك مكانا فى الميناء يسمى المهمل والذى يخزن فيها البضائع التى تخلى عنها أصحابها وهربوا أو تركوها بسبب الجمارك المرتفعة أو لأنها لم تستوف إجراءات تصديرها، فهذا أيضا ربما يوجد به مواد خطرة وتحتاج إلى إجراءات سلمية فى التخزين أو نقلها خارج الميناء، موضحا أن المواد الخطرة تتحول إلى ضرر كبير حال تخزينها لمدة طويلة. وتذكر زيارة سابقة من خبراء الاتحاد الأوروبى،إلى ميناء الإسكندرية، قائلا إننا وجدنا خلال الزيارة خبيرة تصرخ بسبب 3 جراكن «قزاز» بداخلهم مادة مجهولة، تم وضعها على إطارات سيارات، قائلة: «إزاى المادة دى موجودة هنا وكيف حصلت عليها؟ بعد أن تم حظر إنتاجها وتصديرها منذ عام 1934، مؤكدا أن وجودها يمثل كارثة بيئية كبيرة ورغم ذلك لم يتم التعامل بحسم مع الواقعة».

وعن إجراءات السلامة والحماية، أوضح أن التعامل الصحيح يتم مع السفينة القادمة قبل إفراغ حمولتها للتأكد من سلامتها، متابعا:  «فى حالة أن يتم إيفراغها بأى طريقة تخضع للكشف قبل مغادرة السفينة وإذا ثبت مخالفتها يتم تحميلها مرة أخرى على السفينة، لأنه يجب التجفيف من المنبع». وشدد على ضرورة التخلص من عملية التخزين داخل الميناء أما أن يتم تفريغ وإخراج الحاويات لأصحابها أو تخزينها خارج الميناء، فيتم سحب البضائع إلى إيداعات خارجية بعد إنشاء موانئ جافة ومناطق تخزين جافة، لو اكتشف فيها مخالفة تكون الكارثة بعيدة عن الميناء ويمكن السيطرة عليها.

ومن جانبه، أوضح الدكتور مصطفى حسين وزير البيئة سابقا، أن كلمة خردة «قماشتها واسعة»، ولا بد من تحديد أنواعها بكل المعايير، من مخلفات أو مهمل أو مواد خطرة إلخ. ونوه حسين إلى ضرورة الالتفات إلى الإدارة البيئية السليمة، ولا بد أن نأخذ فى الاعتبار الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها الدول لأنها تضع ملاحق معينة تجيز دخول وخروج البضائع عبر الحدود سواء خردة أو نفايات خطرة أو مخلفات بلاستيك. واستطرد الوزير السابق قائلا: «وكالة البلح مثلا مليئة بالخردة من حديد إلى ألمونيوم إلى بلاستيك إلى آخره، وبالطبع إن لم يكن هناك تعامل مع هذه الخردة لإعادة تدويرها ستشكل أمرا سلبيا، ويجب أن نضع فى الاعتبار وسائل وطرق تخزينها، وقس عليها المواد الخطرة، كالتى تسببت فى كارثة لبنان». وعن أداء المنظومة الحالية قال: «هناك تطور فى الإدارة البيئية ومطلوب المزيد نظرا لأهمية الموضوع والأحداث، ونتنبه للأخطاء، ولا ننتظر ما سيحدث منها، يعنى نراجع المهمل فى الجمارك، ونشدد الرقابة على الموانئ، ولا بد من إعداد دورات تدريبية لتوعية الموظفين فى الجمارك، والالتزام بتطبيق الاتفاقيات الدولية».

وبين الدكتور أحمد سامى خبير النقل البحرى الفرق بين الخردة والمواد الخطرة، حيث قال إن الخردة هى كل ما تم تكهينه من الحديد والبلاستيك، أما المواد الخطرة فهى البويات والزيوت وبعض الأنواع من الأدوية والمواد سريعة الاشتعال»، لافتا إلى أن هناك أكوادا دولية لتصنيف المواد الخطرة وطريقة تحميلها بالمراكب قبل دخولها الموانئ. وأضاف خبير النقل البحرى أن البضاعة أو المواد الخطرة لها إجراءات مشددة فى الموانئ المصرية، ولا يمكن أن تتواجد فى المونئ مدة طويلة، فتنتقل إن كانت فى ميناء الأدبية إلى مخزن مخصص، أو فى الإسكندرية فتتوجه إلى النوبارية، بطريقة تخزين معينة وفق الإجراءات مشددة منذ سنوات. وبين لنا قوله بأن الفحم مادة سريعة الاشتعال والمواد المطاطية، وبالتالى هناك تشديد من قبل الحماية المدنية على مخازنها، مؤكدا أن هناك أكثر من 43 جهة تراقب داخل الموانئ، وفقا لضوابط شديدة جدا. وفى هذا السياق، سرد لنا سامى واقعة تبين تشديد الإجراءات بالموانئ مر عليها 10 سنوات، حين رفضت السعودية شحنة «جمال» وعادت السفينة إلى الميناء، فرفضت إدارة الموانئ البحرية إفراغ الشحنة من السفينة قبل تقرير الطب البيطرى الذى أفاد بمرض الشحنة، أفرغت بطريقة معينة من على السفينة وتم ترحيلها إلى المكان المخصص للإعدام خارج الميناء».

من جانبه قال محمد حنفى مدير غرفة الصناعات المعدنية أن الخردة هى الحديد أو البلاستيك القديم وهما لا يشكلان ذلك خطرا كبيرا، فالصناعات المعدنية لا توجد بينها مواد خطرة تترك فى الموانئ»، لافتا إلى أن المعادن الثقيلة الواردة فى بيان إدارة الحماية البحرية هى عبارة عن «زرنيخ» و«زنك» وغيرها وبعض هذه المواد تعبأ فى زجاجات أحيانا لتدخل إلى مصانع الكيماويات، وليس المقصود بها المعادن التى هى الحديد أو النحاس أو الألمونيوم أو حتى البلاستيك.