الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من ثقافة التعليم فى «الكُتّاب» إلى «الزووم»

لم ينتبه كريم طالب الاقتصاد والعلوم السياسية فى إحدى الجامعات الخاصة، إلى أن ميكرفون جهاز اللاب توب مفتوح أثناء محاضرة الاقتصاد، التى كان يشارك فيها من حجرة نومه عبر تطبيق الـ«Zoom» على الإنترنت،  وقال بصوت عالٍ: «أنا مش فاهم حاجة  خالص، الست دى مش عارفه تشرح أى حاجة، ايه القرف ده».. وصل صوت كريم إلى الأستاذة التى كانت تلقى المحاضرة، وإلى  مائة زميل وزميلة كانوا يشاركون فى المحاضرة عبر الـ«Zoom» أيضًا.ز تحول الأمر بعد ذلك إلى دراما حقيقية عندما قررت الأستاذة إلغاء المحاضرة فورًا، لأنها رأت أن كلمات كريم إهانة كبيرة لها، كما قررت بعد ذلك حرمانه من دخول الامتحان عقابًا له.



قصة كريم ليست الوحيدة، فهناك مئات القصص المشابهة. فلقد فرض وباء كورونا على العملية التعليمية  فى مصر بكافة مراحلها تقنيات التعليم  الالكترونية «عن بعد» سواء عن طريق: حضور الدروس والامتحانات أونلاين، أو اعطاء الطلاب المواد الدراسية مسجلة على «التابلت»، أو روابط ومواقع على الإنترنت.. خلقت هذه التقنيات حولها جدلًا اجتماعيًا وثقافيًا كبيرًا: بين من يرون انها سوف تدمر التعليم بالكامل لأنها تُفقد العملية التعليمية جديتها وانتظامها والتواصل البشرى وتقاليد الاحترام بين الطلاب والأساتذة، وبين من يرون أنها ستفتح أبواب التّعلم امام الجميع، وستكون فرصة لإطلاق طاقات الموهوبين والمبتكرين، وستقضى على الفساد والدروس الخصوصية.زاما انتقادات الطلاب فتدور أغلبها حول ضعف قدرة بعض المدرسين فى استخدام هذه التطبيقات الالكترونية للتواصل مع الطلاب بكفاءة. وكذلك ارتباك الإدارات التعليمية المختلفة فى المدارس والجامعات فى تنظيم الأيام الدراسية والامتحانات.زواقع الحال، فأن التحول إلى عالم التعليم الإلكترونى ليس مجرد تغيير تقنى من استخدام السبورة والطباشير إلى «التابلت» و«الكيبورد»، بل تغيير ثقافى سيطال  كافة أطراف العملية التعليمية: الطالب والمدرس والإدارة والأسرة، لأنه سيحمل معه قدرًا من ثقافة الديمقراطية والمساواة والحرية والمرونة. تتمثل في:

 أولا: أن أغلب الطلاب دون النظر إلى خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية،  يمتلكون الأجهزة الذكية التى تسهل عليهم الوصول إلى نفس المصادر والمعلومات. 

وثانيا: غنى المصادر وتنوعها وتواجدها المستمر على الإنترنت، سوف يجعل الطلاب يشعرون بالندية والمساواة مع المدرسين وأولياء الأمور، الذين ما عادوا المصدر الوحيد للعلم والمعرفة.

 وقد لخص لى طالب فى المرحلة الثانوية هذه النقلة الديمقراطية بقوله «فى المدرسة أنا مجبر على الاستماع لمدرس بعينه، أما على الإنترنت فيمكننى أن أختار المدرس الذى يعجبنى«.!!

وتؤكد منظمة اليونيسكو على صفحتها الرسمية أن أزمة التعليم التى تفاقمت جدًا مع ذروة انتشار وباء «الكورونا»، قد أجبرت كافة الدول على إغلاق المدارس والجامعات قد تأثر بها حوالى 1.6 مليار طالب فى 192 دولة حول العالم. وأن الأزمة قد تتحول إلى كارثة حقيقية تهدد التقدم والتنمية المستدامة والسلام فى العالم كله، إذا لم يتم إعادة تصوّر للتعليم فى المستقبل ليكون أكثر قدرة على الصمود ويتسم بقدر أكبر من المرونة. وذلك للحيلولة دون التوقف عن الدراسة، ولا سيما لدى الفئات الأكثر تهميشًا واستضعافًا. وتركز المنظمة على تقديم دعم أفضل لمهنة التعليم، والاستثمار فى التقنيات الرقمية ومسارات التعلم المرنة. زوفى بلدنا أيضًا، فأن ملايين الأطفال والشباب يواجهون خطرًا حقيقيًا، يتمثل فى ترك الدارسة أو الحصول على مستوى متواضع من التعليم، وما يحمله ذلك من آثار سلبية على كل مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية. لذلك فالتحول إلى التعليم الالكترونى وبسرعة وتهيئة البنية التحية الرقيمة أصبح واجبًا وطنيا حتميا وليس رفاهية. زسينمو التعليم الالكترونى  بسرعة أكبر من تصورنا فى المستقبل القريب حتى لو انتهت «الكورونا».  وتبقى أهمية  التهيئة الفنية والثقافية  للمعلمين والأساتذة والإدارة المدرسية والجامعية، لأنه لا يمكن  التعامل مع التعليم الإلكترونى سريع التغيير والتنوع  بثقافة «الكُتّْاَب»؛ الحفظ والتلقين والفلكة.