الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السد بيتى وصاحبى

كان عمرى ست سنين، لمّا فتحت عينى لقيت نفسى فى السد، أنا وأخويا الأكبر منّى بسنتين- الله يرحمه- مع أبويا، وبعدنا باقى   إخواتى الستة، كنت أغسل العربيات، أنقل رمل، وأسَحّر الناس الشغالة فى السد عشان كده سمونى «مسحراتى بناة السد» من كتر ما أحبوا صوتى، واشتغلت عتال باشيل رمل وكمان فى  تخريم الجرانيت.



 اسمى حسين السيد إبراهيم. إحنا أصلاً من الأقصر، لكن السد هو بيتى، أبويا أخد وسام من الطبقة الأولى موقّع من عبدالناصر، وشهادة على ورق تخين، تشم فيها رائحة عبد الناصر «تشهد جمهورية مصر العربية أن إبراهيم سيد أحمد من بين من ساهموا فى بناء السد.. رئيس الجمهورية.. جمال عبدالناصر»، لسّه محتفظ بالشهادة، وكل ما أحن لعبدالناصر أشمها، من حبى له حاسس إنى بقيت شبهه.

كانت الوردية تسلم الوردية، الواحد مايقدرش يترك الجبل إلا لمّا زميله يستلم منه، عمال من جميع أنحاء مصر، ومن فلسطين، أغلبهم بقى  فى أسوان ولم يعودوا لمحافظاتهم، واشتغلوا فى السد، كانوا مؤمنين بأن العمل واجب، العمل حق، وكانوا بيكتبوا ده على الحيطان، لسّه خط إيدهم على حيطان الجراجات فى السد لغاية دلوقت.

على أيامنا أنشأوا تدريب مهنى داخل السد، يمنح الخريجين دبلوم فنى كهرباء وميكانيكا سيارات خمس سنوات من هيئة السد العالى، عُينت عتالاً مؤقتًا، ثم أخذت الدبلوم أثناء الخدمة، فى وقت من الأوقات سمونى «حسين الشمام» لأنى كنت أشمشم عن الأخبار التى أكتبها فى «جورنال السد العالى».

حضرت تحويل مجرَى النيل فى 64، ولسّه محتفظ بجرايد ومجلات اليوم ده، كنت لابس أنا وأخوى الكبير جلابية كستور مخططة، وحضرنا حفلة شفنا فيها نجوى فؤاد وسهير زكى.

فى إحدى سنوات الثمانينيات، كنت أجلس فى المكتب لوحدى، فجأة وجدت أمامى السيدة تحية عبدالناصر، وابنيها جمال وعبدالحكيم، أرادوا زيارة السد، لم أنتظر تصريحًا أو غيره، أخذتهم فى زيارة للسد.

عمال السد بنوا مستعمرتين ليعيشوا فيها، شرقًا وغربًا، الأسمنت والمقاولون العرب، أنا عايش فى مستعمرة الأسمنت المخصصة لبناة السد العالى، التى يعيش فيها الآن أكثر من 65 ألف نَسَمَة، فى بيوت متينة مبنية من الحجر، لا ترتفع أكثر من طابقين، لكن لا توجد بها مستشفيات ولا صيدليات ولا مخابز، كل بيت فى المستعمرة فيه صورة جمال عبدالناصر.

كل اللى ساكن فى مستعمرات السد العالى، معفيين من دفع ثمَن استهلاك المياه والكهرباء، بحُكم القانون، زمان كانوا بيبعتوا لنا عربيات توصل أولادنا المدارس وترجعهم، وكل أسبوع نروح بيها فسح ونرجع.

عندى مقترح لتحويل كل منطقة السد لمنطقة سياحية، بإنشاء شواطئ رملية ووحدات علاجية، وكوبرى من مَعبد فيلة إلى السد، بالإضافة لزيارة معالم السد نفسه والخزان، وزيارة معالم التاريخ النوبى والفرعونى.

دلوقت أنا رئيس مكتب مناسيب السد، ورئيس اللجنة النقابية للعاملين فى السد، فاضل لى كام يوم وأوصل للمعاش، ولسّه السد العالى صاحبى اللى مخلص لى،  كتبت فيه شعر «أنا السد حقّا.. أمير الجنوب.. رمز النضال.. وقفت هنا أتحدى المحال.. كنت خيالا فصرت حقيقة تفوق الخيال....»، لمّا أغيب شهر فى مأمورية، أرجع أبوس تراب السد، دايمًا بيكلمنى وأكلمه، وبأقول له نفسى أولادى يشتغلوا فى السد زيى أنا وإخواتى.