السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المستشار الإعلامى «إنذار مبكر» للوزير

 فى عام 1995 اختاره د. مفيد شهاب، مستشار إعلاميا ومتحدثا رسميا باسم جامعة القاهرة، ومن وقتها وحتى الآن، لا يزال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة د. محمود علم الدين، يحتفظ بهذه «الوظيفة»، التى يبقى فيها البعض شهورا، والبعض يغادر مع مغادرة الوزير، والبعض الثالث يبقى رغم مغادرة الوزراء مادام النظام مستمرا، لكن علم الدين ظل راسخا رغم تغيير الوزراء ومسمى الوزارات، بل والنظام السياسى فى مصر بثورتيى يناير 2011 ويونيو 2013.



بدأ علم الدين متحدثا باسم جامعة القاهرة، ثم متحدثا باسم 6 وزراء متتاليين للتعليم والبحث العلمى،  ليعود ثانية متحدثا باسم جامعة القاهرة.

طوال هذه المسيرة تعلم علم الدين الكثير عن أسرار هذه الوظيفة، وامتلك الكثير من مهاراتها، وعرف الكثير والكثير عن عالم المستشاريين الإعلاميين والمتحدثين الرسميين باسم الوزارات، وعن إدارة الوزارات نفسها..وها هو يفتح لنا خزانة ما يقرب من 25 عاما فى هذه الدهاليز المثيرة…

فى نوفمبر 95  أصدر رئيس الجامعة وقتها د. مفيد شهاب، قرارا بتشكيل المكتب الإعلامى لجامعة القاهرة، ليضم د. فاروق أبوزيد عميد كلية الإعلام الأسبق، رحمه الله، ومحمد فريد شعراوى أمين عام الجامعة، وإيزيس الصيرفى بالجامعة الألمانية حاليا، ود. محمود علم الدين، ليعود بعد مرور ما يقرب من 25 عاما، إلى جامعة القاهرة، ليكون مشرفا على المكتب الإعلامى ومتحدثا رسميا باسم الجامعة. انتقل فى عام 97  مع د. مفيد شهاب إلى وزارة التعليم العالى والبحث العلمى،   كمستشار إعلامى له، وهنا اختار علم الدين أن يبدأ بالبحث العلمى،  لإيمانه أن البحث العلمى فى مصر له دور ومهمات، وكما يقول «أن هناك جهدا يبذل - ربما لا يكون على قدر ما نتمناه ولا يؤتى النتائج التى نتمناها، لكن هذا الدور فى حاجة لإبراز، والأهم أن نبرز أهمية الثقافة العلمية والتكنولوجيا والوعى العلمى». بقى مع د. شهاب من 97 حتى 2002 مستشار إعلاميا للوزارة، ثم تولى من 2001 وحتى 2005 مهاما خاصة بإعلام الوزارتين التعليم العالى والبحث العلمى. عن هذه السنوات السبع يقول د. علم الدين: أشهد أنه تحققت إنجازات تابعتها يوما بيوم، مثل إنشاء مدينة الأبحاث العلمية والتكنولوجية ببرج العرب ومكتبة الإسكندرية، وكان الدكتور مفيد يتابعها عن كثب وبذل جهدا كبيرا حتى يوم الافتتاح، وإنشاء مدينة مبارك وأيضا تابعت جميع الخطوات المرتبطة بإطلاق منظومة الجامعات الخاصة فى مصر والتى بدأت بـ3 جامعات».  بعد فترة الوزير مفيد شهاب، بقى محمود علم الدين فى نفس الوظيفة،  مع الوزير عمرو عزت سلامة حتى 2007، ثم مع د. هانى هلال عملت حتى جاءت ثورة 25 يناير، واستمر أيضا مع عودة الدكتور عمرو سلامة  لوزارة التعليم العالى،  ثم مع الدكتور حسين خالد ثم الدكتور معتز خورشيد، ثم مع الدكتورة نادية زخارى عندما كانت وزيرة للبحث العلمى،  حتى عاد مرة أخرى متحدثا رسميا باسم جامعة القاهرة، ومشرفا على المكتب الإعلامى.

 كيف استطعت الحفاظ على هذا المنصب رغم اختلاف الوزراء والأنظمة؟

 - نعم عملت مستشارًا إعلاميًا ومتحدثًا رسميًا خلال الفترة من 1995 وحتى 2013، ثم انشغلت بسبب بعض الأعباء والمهام الوظيفية فى كلية الإعلام جامعة القاهرة وفى لجنة الترقيات بالمجلس الأعلى للجامعات وفى عضوية الهيئة الوطنية للصحافة، ثم عدت مرة أخرى للعمل عام 2019 كمتحدث رسمى لجامعة القاهرة ومشرفًا على المكتب الإعلامى لها. عملت مع خمسة رؤساء جامعة، وستة وزراء واعتذرت أكثر عن العمل كمستشار إعلامى ومتحدث رسمى لأكثر من جهة خلال الفترة من 2012 وحتى 2019 .

استطعت الاستمرار فى العمل مع تغير الوزراء والانظمة، لثلاثة أسباب: 

الأول: أننى أعمل بشكل احترافى، أطبق قواعد ومعايير مهنية فى العمل، وأعتقد أننى قد حققت نجاحًا إلى حد ما فى عملى. 

الثانى: أننى لا أعمل إلا مع من أحس أنه يقدر ويدرك طبيعة عمل المستشار الإعلامى وأهميته ودوره، ويكون هناك قدر من التفاهم والتناغم والتوافق بل والود الإنسانى بيننا. وهذا ما وجدته وشعرت به فيمن عملت معهم. 

الثالث: أننى أؤمن أننا جميعًا نعمل فى دولة نحترم نظامها وقوانينها وقيمها، نتعامل فيها مع أنظمة بشكل موضوعى.

  كيف ترى عمل المستشار الإعلامى؟

 فى معظم المؤسسات فى العالم يكون المسئول عن الإعلام 3 شخصيات لكل منها وظيفة: السكرتير الصحفى،  والمستشار الإعلامى،  والمتحدث الرسمى،  فالسكرتير مسئول عن متابعة التغطية الإعلامية اليومية والمعاونة فى استكمال البيانات والاتصال بالصحفيين والعمل بشكل أكثر عملية وسط الصحفيين. والمستشار الإعلامى دوره يدرس الموقف الإعلامى للمؤسسة أو المنظمة أو الوزارة أو الهيئة ويحلل صورتها بشكل مستمر وفى ضوء هذا يبدأ وضع الخطط الخاصة بالتحركات الإعلامية والأداء الإعلامى للمؤسسة وللمسئول ويتابع التنفيذ. أما المتحدث الرسمى فمهمته تلقى المعلومات من وسائل الإعلام ويدرس أيضا الموقف ويكون صوت المؤسسة فى مخاطبة الرأى العام بالتنسيق طبعا مع قيادة المؤسسة.  وفى بعض المؤسسات أحيانا يدمج ما بين أكثر من وظيفة، بمعنى يمكن أن تجد أن المستشار الإعلامى هو المتحدث الرسمى وفى بعض الحالات يكون هناك مستشارا  إعلاميا للوزارة ولا يوجد متحدث رسمى،  فوظيفة المتحدث الرسمى انتشرت خلال السنوات الأخيرة فقط، لكن كان معظم الاعتماد كان على المستشار الإعلامى.  وفى ظل الثورة الرقمية الحالية، تغيرت طبيعة العمل فى المكاتب الصحفية، كنا فى البداية  نعمل من خلال التليفون والفاكس والآن نعمل من خلال البريد الإلكترونى والواتس آب والسوشيال ميديا، لكن يبقى جوهر القطاع أو المكتب المسئول عن التغطية الإعلامية وبناء صورة المؤسسة ودراسة شكل المعالجة الإعلامية وتأثيراته والتوصية بنصائح فى هذا الصدد، هو الأساس رغم تغير طبيعة وتوصيف الوظائف.

هل يمكن أن ينقذ المستشار الإعلامى الوزير أو يطيل عمره فى الوزارة؟.

 هناك تكامل بين دور المتحدث الرسمى والمستشار الإعلامى ومن الممكن أن يقوم المستشار الإعلامى بدور المتحدث الرسمى أيضا، وعادة يدمج دور الاثنين فى شخص واحد فى عدد كبير من المؤسسات، وهما مسئولان عن صورة المؤسسة لدى الرأى العام وعن إبراز جهودها وعن تعريف الرأى العام بإنجازاتها وعن رصد كل التساؤلات المثارة فى المجتمع ووسائل الإعلام عن تلك المؤسسة سواء كانت تساؤلات أو كانت ردود فعل سلبية أو إيجابية أو شائعات أو أقوال مغلوطة أو معلومات غير صحيحة أو غير كاملة ويتم تصحيحها. المستشار الإعلامى «محطة إنذار مبكر» لرصد والتقاط  رؤية المجتمع للمؤسسة كما تنعكس فى وسائل الإعلام، والتنبيه لضرورة أن نفعل كذا وكذا ونرد على كذا وكذا ونتوقف عن كذا إعلاميا طبعا، وتزداد قيمة المستشار الإعلامى والمتحدث الرسمى عند الأزمات، لدرجة أن مؤسسات كثيرة فى دول كثيرة المتحدث، والمستشار يكونون أعضاء فى الفريق الذى يدير الأزمة، لأن إدارة أى أزمة جزء من منظومة إدارتها هو المكون المتصل بالرأى العام رصدا وفهما واستيعابا ثم مخاطبته بعد ذلك.

المستشار الإعلامى بخاصة والمكتب الإعلامى بعامة فى أى مؤسسة، بمثابة مركز للرصد والإنذار المبكر فيما يتعلق بالصورة الذهنية للمؤسسة فى وسائل الإعلام، وجوانبها الإيجابية والسلبية، وكذلك فيما يتعلق بمواقف بعض وسائل الإعلام واتجاهاتها، وكذلك اتجاهات الرأى العام من خلال العلاقات مع الصحفيين ووسائل الإعلام وعبر بحوث واستطلاعات الرأى العام.

وخلال عملى كمستشار إعلامى قمت بإحاطة أحد الوزراء ببعض الجوانب السلبية لصورة الوزارة التى تكونت لدى وسائل الإعلام، وكانت عن سوء فهم لبعض الأمور، وتم معالجة الأمر وتداركه من خلال نشر الحقائق عن الموضوع.

 وفى حالة أخرى تبنت إحدى الوسائل الإعلامية موقفًا غير موضوعى وغير منصف من الوزارة، وأحطت الوزير بذلك وبما يتردد فى الأوساط الإعلامية عن هذا الموضوع، وتم معالجة الأمر بالاتصال بالوسيلة الإعلامية، وتم عقد ندوة موسعة مع جهازها التحريرى نشرت بالكامل عبر الوسيلة. والكثير من تلك المواقف كان عقب أحداث 25 يناير 2011 وما شهدته من فوضى وانفلات على جميع الأصعدة. وفى مرات كثيرة أقترح على الوزير أو المسئول ألا نتحدث الآن فى موضوع معين، أو أن نركز على موضوع آخر.

  ما النصيحة التى تقدمها للمتحدث الرسمى والإعلامى؟

أحيانا يقع المتحدث الإعلامى فى خطأ الإغراق الإعلامى،  بمعنى أنه يتحدث كثيرا وقد يعيد نفسه والمسئول أيضا قد يكون يميل للإغراق الإعلامى وهذا خطأ، وأيضا قد يكون هناك تقصير فى الإعلام وانتظار كى يكتمل كل شيء ثم يعلن عنه، وفى هذه الحالة قد ينشر أشياء قليلة تحت حجة أن هذا المشروع لم يكتمل وهذا القرار لم يتخذ. المستشار الإعلامى والمتحدث الرسمى فى حاجة إلى أن يقدر مع المسئول عن المؤسسة، متى ينشر وكيف ينشر ويحسب تأثيرها على الرأى العام، وأيضا عليه ألا يغرق الرأى العام فى وعود وتصريحات غير واقعية، بل يتحدث عن أفعال وإنجازات، وليس عن وعود أو آمال أو طموحات، ودائما ما يكون المقنع والمؤثر للرأى العام هو الأفعال، وبالتالى تحدث عن أفعال وإنجازات وعن وقائع على الأرض تكون أكثر إقناعا والبعد عن المبالغة وعن التقصير.

 كيف ترى أداء المتحدثين الرسميين والمستشارين الإعلاميين الحاليين؟

  هناك تطور فى عمل المتحدث الرسمى والمستشار الإعلامى الآن، ومعظم الوزارات والمؤسسات بها إعلام ولهم دور فى تنوير الرأى العام وفى المسئولية، وأتذكر منذ 4 أو 5 سنوات طالبت أن يكون فى كل وزارة مستشار إعلامى ومتحدث رسمى فى حكومة المهندس إبراهيم محلب، طالبت بذلك لأن تلك الفترة كنا بدأنا فى الإنطلاق بعد ثورة 30 يونيو، وكانت البلد فى حاجة لبناء وعى وصناعة صورة أخرى للدولة بعد محاولة إسقاطها من قبل الإخوان. طالبت وقتها بضرورة وجود متحدثين رسميين وبخطط التواجد الإعلامى للدولة عبر وسائل الإعلام، وأتذكر أن المهندس إبراهيم  محلب وجه المسئولين فى الوزارة إلى الاهتمام بهذا، وعقد اجتماعا مع المسئولين عن الإعلام والمتحدثين، وأيضا المتحدثين من المفترض أن يكون لديهم وعى كامل ودراية بكل المتغيرات والعوامل التى تؤثر فى أداء وزارتهم وهيئاتهم لأن هذا عنصر مهم فيما يقال وما لا يقال وما يتم الوعى به وإعلانه والسكوت عنه، لا بد أن يكون هناك علاقة تكامل وتعاون بين المسئول والمتحدث ويحاط بكل التفاصيل الخاصة بعمل الوزارة بشكل مستمر، حتى يستطيع أن يتحدث برؤية صحيحة عن الهيئة، عندما يخرج للرأى العام.  ولا بد أن يتذكر المسئول والمتحدث أن الإعلام ووسائله عبارة عن أدوات يمكن أن تكون نورا وضياء يضيء الطريق أمام المؤسسة والهيئة، لكى يعرف الناس ما تقوم به، ويمكن أن تكون نارا تحرق المؤسسة إذا كان هناك مبالغة وعدم دقة وعدم صحة فيما يذاع عن الهيئة والمؤسسة.

  بم تنصح الوزير عند اختيار مستشاره الإعلامى ؟

 توجد مدرستان فى اختيار المتحدث الرسمى والإعلامى،  الأولى: مدرسة تقول إن الجانب التقنى والفهم لأبعاد تخصص الجهة أو الهيئة أو الوزارة هو الأهم مع قليل من المهارات والأدوات الإعلامية. والمدرسة الثانية: تميل إلى توافر الكثير من الأدوات والمهارات الإعلامية ونجاح فى مخاطبة الرأى العام، إلى جانب معرفة لا بأس بها بطبيعة الجهة أو المؤسسة أو الوزارة.  هناك وزارات تستعين بمتحدثين ومستشارين  إعلاميين  محترفين ومتخصصين فى الإعلام، وبعض الجهات مثل الخارجية مثلا تعتمد على سفراء ومسئولين كمتحدثين رسميين وهناك نماذج ممتازة مثل السفير حسام زكى والسفير بدر عبدالعاطى والسفير أحمد أبوزيد، وأتصور أنه يتم اختيار السفير الذى لديه ثقافة إعلامية وقدرة على التواصل ومخاطبة الرأى العام.

من مستشارك الإعلامى الذى تحرص على أخذ رأيه؟

 - فى أمور كثيرة أتناقش مع زوجتى الدكتورة ليلى عبدالمجيد، أستاذ الصحافة والعميدة السابقة لكلية الإعلام جامعة القاهرة، فى أمور العمل وأستفيد من آرائها ووجهات نظرها، خاصة أننا نعمل فى مجال واحد  وفى تخصص واحد بالجامعة. كما أستفيد من المناقشة مع ابنتى «مروة» لسببين، الأول أنها تمثل رأى جيل آخر هو جيل الشباب له نظرته المختلفة عن العالم، وأنا دائمًا أؤمن بمقوله ابنك ليس أنت، إنه شخص آخر وعليك أن تعامله على أنه شخص آخر له شخصيته ورؤيته.

 والسبب الثانى أنها متخصصة فى إدارة المشروعات الدولية ودارسة للعلوم السياسية ومتابعة ومنفتحة على العالم بشكل يدعو للإعجاب.