الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لغز العمارة 43 ش عبدالعزيز

على مقربة أمتار من سوق العتبة التاريخى الذى شيده الخديو توفيق، ومبنى عمر أفندى الأثرى، ووسط مجموعة من المبانى والعمارات المسجلة كطراز معمارى متميز، يعيش سكان العمارة رقم 43 شارع عبدالعزيز، فى دوامة لا يعرفون كيف يخرجون منها منذ عام 1977 وحتى الآن



مأساة العقار يحكيها خطاب موجه من منطقة الإسكان بحى الموسكى، إلى مأمور قسم شرطة الموسكى، فى ديسمبر 2019، بشأن العقار، لدى صباح الخير نسخة منه، وذلك بعد سقوط حائط من سينما أوليمبيا المجاورة للعقار، حيث يشير الخطاب إلى وجود أربع مخالفات على العقار رقم 43 «منذ عام 1977 صدر له قرار تنكيس، والمكون من 4 طوابق بالأرضى وغرف بالسطح، ثم فى 1978 حرر محضر ضد ملاك العقار لأنهم لم ينفذوا قرار التنكيس، ثم صدر قرار ترميم أو صيانة للعقار فى 1993، ووصف العقار بأنه مكون من 4 طوابق بالأرضى وشقتين بالسطح، وحرر محضر ضد الملاك ثانية فى نفس العام لعدم تنفيذهم القرار.

 

وفى عام 2010 حرر محضر مخالفة، وقرار إزالة لدورة مياه بمنور العمارة لأنها بنيت دون ترخيص، وأنه بالمعاينة الظاهرية للعقار تبين أنه مكون من 4 أدوار بالأرضى وهناك تساقط بسيط ببعض الحوائط والأسقف بغرف السطح».

لكن فى يناير الماضى 2020، كتب تقرير من منطقة الإسكان من نفس إدارة التنظيم بحى الموسكى عن العمارة، يفيد بأن المبنى «ذو خطورة داهمة»، ويجب هدمه حتى سطح الأرض!!!    

عمارة على طرازعصرالنهضة الإيطالية

تتميز العمارة 43 بشارع عبدالعزيز والمجاورة لسينما أوليمبيا التاريخية، كما يوضح د. محمد حمودة المتخصص فى عمارة وآثار أسرة محمد على والعمارة الأوروبية فى القرن التاسع عشر بكلية الآداب جامعة المنيا، بأنها من طراز معمارى وفنى متميز وفريد، فهى كما يقول مشيدة على طراز عصر النهضة الإيطالية الذى يتضح فى العقود النصف دائرية التى تعلو أبواب الشقق والمحلات ومدخل العمارة ذو العقد النصف دائرى.

 كما يظهر طراز عصر النهضة الإيطالى فى العضادات الأيونية» ما يشبه الأعمدة التى تنتهى بتيجان أيونية» الممتدة بمستوى طابقين بواجهة العمارة وهى على غرار مدرسة روما وترمز لوحدة المبنى، مع التقاسيم الحجرية البارزة فى الواجهة، أما نوافذ الواجهة ذات الإطارات، وأيضا النوافذ المتوجة بكرانيش أو عتب مستقيم فهى على غرار مدرسة فلورنسا.

 وتتميزالعمارة أيضا كما يوضح د.حمودة، «بالنوافذ البلكونة» التى تشبه قصور البندقية وتتبع الطراز القوطى وعصر النهضة، هذه البلكونات محمولة على كوابيل مزخرفة بورقة الأكانثا أوالاكانتس، وهناك تحديد لكل طابق بكورنيش حجرى بسيط لدعم الخط الأفقى الذى يعتبر أساس عمارة عصر النهضة.

ويغوص د. حمودة بين الثراء الفنى والمعمارى لعمارة 43 شارع عبدالعزيز، كونها تضم البلكونات ذات الأشغال المعدنية، كما فى قصورمدينة البندقية وفلورنسا بطرازها القوطى، وأيضا ما تتميز به واجهة العمارة من تماثل وسيمترية وهى أولى سمات طرازعصر النهضة الإيطالية.

أصل المشكلة

وكما يقول محمد بيومى، صاحب محل أدوات كهربائية فى العمارة، أنه بناها وامتلكها مهندس إيطالى ممن عملوا مع الخديو إسماعيل فى بناء القاهرة الحديثة، وتبلغ مساحاتها 600 متر تقريبا وتتكون من 4أدوار بطابق أرضى، و5 محلات وبكل طابق شقتان، ولكل شقة بابان على السلم، ومكونة من 8 غرف وصالة وارتفاع الطابق 6 أمتار، والأسقف عبارة عن عروق خشبية بطول 12 مترا، والعمارة مبنية من الحجر بنظام الحوائط الحاملة، وبها بوابة تاريخية وعقود نصف «قبوات» فى مدخل العمارة ومحلات الطابق الأرضى.

 كما تتميز بأشغال معدنية من الحديد الفورفرجية، بدون استخدام لحام، فى بلكونات الواجهة والنوافذ وأخرى تزين أعلى محلات الطابق الأرضى على هيئة نصف دائرة «عقود».

لكن مشكلة العمارة المهددة بالهدم الآن، تعود كما يحكى بيومى إلى عام 1966 عندما بنى أصحابها طابقا إضافيا للعمارة، ولم تسلم أيضا من زلازال 1992 واحتاجت إلى ترميمات، لكنها لم تنفذ.

وبحسب بيومى، «هناك إهمال متعمد ومستمر من قبل أصحاب العمارة، للمبنى ليتمكنوا من هدمه وإعادة استغلال الأرض، وهو ما جعلهم يسعون للحصول على قرارمن حى الموسكى، لدى صباح الخير نسخة منه، يقضى «بإزالة العمارة حتى سطح الأرض للخطورة الداهمة».

ويؤكد خبراء فى البناء أن الأرباح التى يمكن أن يجنيها أصحاب المبنى من هدمه وإعادة بنائه لطابقين فقط، لن تقل عن 400 مليون جنيه، نظير بناء طابق أرضى وطابقين للبيع لأعمال تجارية، حيث يصل سعر متر المبانى فى شارع عبدالعزيز الآن بنحو 400 ألف جنيه للمتر..وبحسب بيومى، غيّر أصحاب العمارة بعض ملامحها، ليفقدوها ميزة الطراز المعمارى المتميز، فأزالوا بعض الشبابيك الفورفورجية المعدنية، وحديد بلكونة بالطابق الأول، كما أزالوا بعض القبوات من المحلات، ما أدى لخلل فى المبنى وزيادة اتساع الشرخ الموجود بواجهتها، كما غيروا شكل حديد درابزين السلم، واستبدلوا الطوب والأسمنت بالحديد.

تصليب العمارة

فوجئ بيومى وصاحب مقهى بالعمارة وصاحب محل نجارة وصاحب شركة تجارية أيضا بالعمارة، والذين يعمل معهم نحو 150 عاملا، بإشارة من قسم الموسكى فى فبراير 2020، بضرورة تصليب العمارة، حفاظا على أرواح السكان بناء على تقرير لجنة التنظيم بحى الموسكى، وعليه جمع صاحب العمارة من كل السكان مبلغ 8 آلاف جنيه من كل ساكن أو مؤجر.

 وفى  28 إبريل 2020، حضرت لجنة أرسلها نائب محافظ القاهرة إبراهيم عبدالهادى، لمعاينة المبنى، كما يشرح بيومى، وسلمونى قرارا من تلك اللجنة وهو القرار رقم 13 لسنة 2020، يفيد بضرورة إزالة العمارة 43 حتى سطح الأرض، للخطورة الداهمة.

 هنا توجه بيومى للجنة التظلمات بمحافظة القاهرة، التى يرأسها نائب المحافظ أيضا، مرفقا بالتظلم خطاب لجنة التنظيم بحى الموسكى لقسم شرطة الموسكى، وتقريرها الذى يفيد بأن المعاينة تقول بوجود تساقط بسيط فى حوائط السطح فقط، والمؤرخ فى ديسمبر 2019، وإلى الآن لم يأت رد لجنة التظلمات. 

اقترح بيومى فى تظلمه للحى،أن يكون الحل فى تخفيف الأحمال على مبنى العمارة، بإزالة الطابق الأخير المخالف، أو إزالة طابقين، والإبقاء على الطابقين الأرضى والأول، التى يعمل فيها نحو 150 رب أسرة.

كما رفع بيومى دعوى قضائية فى مجلس الدولة للطعن على قرار الهدم،  وسعى وباقى السكان إلى تسجيل العمارة كمبنى ذو طراز معمارى متميز، وتقدم بطلبات إلى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وإلى لجنة التراث بمحافظة القاهرة، لكن دون جدوى.

 ويتقدم محمد بيومى صاحب محل أجهزة كهربائية بالعمارة، باستغاثة إلى رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى،لإصدار قرار بتنكيس العمارة التاريخية، حفاظا عليها وعلى باب رزقه. رئيس لجنة حصر المباني:

مبنى متميز والحل موجود

رئيس لجنة حصرالمبانى ذات الطراز المعمارى المتميز بمحافظة القاهرة سابقا، ورئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى د. سهير حواس أستاذ الهندسة والعمارة بهندسة القاهرة، أكدت بعد اطلاعها على صور العمارة رقم 43 شارع عبدالعزيز، أنها ذات طراز معمارى متميز بالفعل، وأنها من المفترض أن تكون سجلتها لجنة عصر المبانى بمحافظة القاهرة.

وتوضح حواس أن تسجيل أى مبنى باعتباره ذا طراز معمارى متميز، فى لجان الحصر بالمحافظة، يعنى إرسال ملف المبنى للجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وهو بيت الخبرة الذى عليه متابعة حالة المبنى التراثى، بحيث يقدم الاستشارة الفنية لأصحاب المبنى أو سكانه، بشأن ما قد يحتاجه المبنى من ترميم أو صيانة أو غيره، على حساب أصحاب المبنى أو شاغليه، لأنه لا توجد ميزانية لدى الجهاز تكفى لترميم المبانى المسجلة.

وتشير حواس إلى أن تسجيل أى مبنى كطراز متميز، يحميه من الهدم، لأن الجهاز سيكون عليه متابعة حالة المبنى وتقديم حلول لمشكلاته، لأصحابه وشاغليه يقدم مشورة الصيانة الوقائية حتى لا يتعرض للخطر، ومشورة العلاج، وإذا تطلب الأمر البحث عن موارد للترميم إذا تعذر أصحابه وشاغليه فى توفيرها، كما يمكن للمالك اللجوء إلى وزارة الثقافة بطلب لإيجاد حل لمشكلة المبنى إذا كان لا يدر عليه ربحا ويحتاج لتمويل لترميمه وصيانته، وهنا يمكن أن تشتريه الوزارة وتعوض المالك عن المبنى أو يتم رفع الضرائب عن العقار أو رفع القيمة الإيجارية للمستأجرين «تحرير العلاقة الإيجارية»، طبقا لقانون رقم 114 لسنة 2008..وتلفت حواس إلى أن الهدم والبناء فى منطقة القاهرة الخديوية، لم يعد مجديا، لأن الاشتراطات الجديدة للبناء، تحدد ارتفاع المبنى، بحيث لا يزيد عن 19 مترا، «هندسة علاج المبانى لا يعجزها ترميم وإصلاح أى مشكلة فى المبنى، فأى مبنى يمكن إصلاحه، مثلما حدث مع العمارة الشهيرة رقم 29 شارع هدى شعراوى، التى بها مقهى ريش، التى صدر لها قرار إزالة وهدم فى 2005، وعندما سجلت كطراز معمارى متميز، أوقف قرار الهدم وهى الآن ملك شركة الإسماعيلية، التى سترممها، ونفس الأمر حدث مع العمارة الشهيرة ببنسيون فيننواز، والتى تحمل رقمى 11 و7 شارع شمبليون وناصية محمود بسيونى، التى كانت تعانى من الإهمال وحالتها أسوأ من عمارة ش عبدالعزيز التى نتحدث عنها، وبرغم ذلك اشترتها شركة الإسماعيلية ورممتها، وهى الآن بحالة جيدة».

 وتتابع حواس: «حتى لو نجحت منهجية الهدم التى يتبعها البعض مع العمارات التراثية القديمة، بخلع سلالم أو درابزينات بلكونات، أو ما شابه من أعمال التخريب، قد لا يصدر قرار للهدم، مثلما حدث فى العمارة رقم، 10 شارع البستان، حيث لم يترك أصحابها بلكوناتها ولا السلالم سليمة، ورغم ذلك لم يستطيعوا الحصول على قرار بهدم المبنى، لأنه تراثى».

من جانبها تطالب د. سهير حواس، الدولة بإنشاء صندوق لترميم الثروة العقارية، التى تمتلكها مصر، والتى تعتبر من بين قواها الناعمة، ويمكن لهذا الصندوق توفير التعويضات اللازمة لأصحاب المبانى، لتستثمر الدولة فى هذه المبانى وتعيد توظيفها بعد ترميمها.