الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاوى على كورنيش القاهرة

مع هدوء الشمس قبل المغيب، يتوافد على كورنيش النيل فى القاهرة، الكثيرون، لكل منهم ما يطلبه من النيل، الذى لا يمل من أن يعطى ويسمع ويتكلم ويهمس مع الجميع منذ آلاف السنين..



 

الصديقتان أميرة وبسنت، تفضلان الذهاب إلى كورنيش النيل ذلك المكان، حيث تفصلان عن ضغوط العمل والحياة، تحكيان مشاكلهما لبعضهما البعض أمام الكورنيش فى الهواء الطلق، ذلك الجو الهادئ الذى يساعدهما فى الوصول إلى حلول مبدئية. اقتربت منهما وسألتهما متى يلجآن لكورنيش النيل.. وهل يمكن أن يعتبر أنه بديل عن المصيف فى ظل كورونا؟

 قالت أميرة: «مفيش مكان بديل عن الآخر، لكل واحد ميزته ومعناه الخاص به، شاطئ البحر له ما يميزه وكذلك نهر النيل، الكورنيش جميل طول السنة وفى أى وقت، إنما المصيف له وقته المحدد الذى نقضى فيه وقتًا ممتعًا، وليس شرطا حينما يفضل شخص اللجوء إلى النيل بديلا عن المصيف أن نطلق عليه  غلبان وليس مقتدرا!.

تخطط أميرة وبسنت قضاء المصيف مثل كل عام فى الإسكندرية لما بها من ذكريات ممتعة تجمعهما معا، وتخططان لقضاء أسبوع خلال هذا الصيف فى الإسكندرية، بعد أن تفتح  الشواطئ العامة التى أغلقها وباء كورونا.  

بودع أحزانى!

ساعتان فى آخر اليوم أمام النيل تفصل نورهان عن العالم، وتودع ذكرياتها الحزينة المحفورة فى قلبها وعقلها، لتبدأ صفحات جديدة من حياتها خالية من الاكتئاب. «باجى هنا على كوبرى عباس أنظر للنيل، على الأقل مرة واحدة فى الأسبوع، أو على حسب كمية الضيق اللى بحس بيه، ومن خلال نظرى للنيل أودع كل أحزانى وهمومى».  لكن مع بدء شهور الصيف، تخطط أسرة نورهان طالبة «التمريض» لقضاء أسبوع المصيف مع والدتها وأشقائها وخالتها وأبنائها، وكأنها خطة تعايش مع الفيروس وقضاء أوقات ممتعة بإحدى الشقق السكنية المخصصة للمصايف فى الإسكندرية أو رأس البر.

وإن كانت نورهان ترى أن كورنيش نيل القاهرة قد يكون بديلا عن المصيف، «يفضله الكثير من الغلابة الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف المالية للمصايف، خاصة بعد إغلاق كثير من الشواطئ فى جمصة والإسكندرية ورأس البر، لحماية المصيفين فى ظل وباء كورونا، فمن الطبيعى  قد يلجأ الشخص إلى كورنيش النيل بدلا عن الشواطئ».

 نورهان ترى أنه لو استمر غلق الشواطئ العامة فى الإسكندرية ورأس البر، ستغير خطتها وتتجه صوب النيل لأنه قد يكون ملجأها الوحيد لقضاء وقت ممتع مع أسرتها وأسرة خالتها، لكنه فى النهاية لا يضاهى فرحة قضاء الموسم الصيفى على شاطئ رأس البر أو جمصة كما اعتادت.

 النيل هو مصيفنا الوحيد

يقف أمام النيل شارد الذهن، يبدو على ملامحه الخوف وتنطق شفتاه بتمتمات فى صوت منخفض، يخالط روحه ويبعث فيها الطمأنينة شيئا فشيئا.  اقتحمت لحظته تلك، وأخبرنى ذلك الخمسينى أنه يعمل بائعا فى محل ملابس، ويعتبر مصدر رزقه الوحيد، له ثلاثة أولاد، أكبرهم فى المرحلة الثانوية وأصغرهم فى المرحلة الابتدائية والثالث بالإعدادية.

«عم محمد المنسى» أضحى يشغل تفكيره مستقبل أولاده، ويأتى إلى النيل عندما يحس بالضيق والخنقة، باكون عاوز  أفضفض بكل اللى شاغل بالى، أروح أحكى للنيل، مرتين أو ثلاثة فى الأسبوع عشان أحكيله كل اللى مضايقنى وشاغل فكرى، لا أملك رفاهية قضاء وقت ممتع على شاطئ البحر فى أى مدينة مصيفية، ولا لدى الإمكانات المادية التى تعيننى على هذا، أو حتى وقت يسمح بقضاء الموسم الصيفى فى الإسكندرية، لأنى أعمل  ليل نهار، إحنا ناس على قد حالنا  والنيل ده مصيفنا وملجأنا الوحيد  لإزالة همومنا».

«مصيف وشغل على الكورنيش»

وعلى الجانب الآخر رأينا «شعبان»، الشاب العشرينى الذى يقف على عربة الآيس كريم يوميا من الرابعة عصرا وحتى العاشرة مساء.  ترك شعبان تعليمه منذ أن كان طالبا بالصف الأول الإعدادى، وفضل أن يمتهن بيع الآيس كريم قائلا: «حصلت على عربة الآيس كريم مقابل إيجار يومى قدره 150 جنيهًا منذ بداية عملى، ببدأ يومى اختار كورنيش النيل اللى عليه إقبال كبير، حيث يختلف هذا الإقبال من موسم لآخر، وأبيع الآيس كريم سواء فى بسكوت أو كوب بلاستيك على حسب ما يفضل الزبون، ولى زبائن بتجيلى مخصوص بعد ما بتخلص شغلها». يسكن شعبان برفقة أسرته فى شقة إيجار بمنطقة بولاق الدكرور، اضطره هذا إلى تقسيم يومه فى العمل، حيث يعمل سائق ميكروباص منذ التاسعة صباحا وحتى الثالثة عصرا، ليبدأ بعد  العصر فى تجهيز معداته لبيع الآيس كريم، لينطلق إلى كورنيش النيل ويأخذ فى مكانه المحدد. يفضل «شعبان» كورنيش النيل عند كوبرى عباس ليبيع الايس كريم حيث يقبل عليه الزبائن، ويفضل ذلك المكان كمصيف أيضًا قائلا: «مفيش وقت أروح مصيف، لإنى باشتغل ليل نهار وبصرف على أسرتى،ومسئول عن دفع إيجار السكن وفواتير الكهرباء والغاز والماء، واللى بجيبه بالأيد الأولانية بيتصرف بالتانية فمفيش فلوس لمصيف، ويعتبر شغلى على كورنيش النيل مصيف برضه، أصلى هاحتاج إيه غير هواء نضيف!.