الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

موجات الكلام عن التحرش

صعدت الخطابات والإدانات ضد التحرش الجنسى للنساء إلى أعلى موجات الاهتمام الإعلامى الجماهيرى و«السوشيال الميديا»، منذ أسبوعين، فى أعقاب اتهام شاب من قبل العديد من الفتيات الشابات بالتحرش والابتزاز، وما تبعه من تحقيقات النيابة العامة وبيانها المهم الذى أكد الرفض التام لتوجيه اللوم إلى الفتيات المجنى عليهن، أو تبرير التحرش بأى أسباب. ومطالبته للأسرة بالالتزام بالمسئولية الوالدية والتربوية عن أبنائها، وكذلك أكدت بيانات الأزهر الشريف ودار الإفتاء أن التحرش منافٍ لكل تعاليم الأديان السماوية والأخلاق الإنسانية.



ومع بداية هذا الأسبوع انخفضت الموجة الإعلامية قليلاً، ومن المرجح أن تختفى نهائياً عقب عيد الأضحى المبارك الذى قد يصاحبه بعض التحرشات بالفتيات فى الشارع وبعض الاهتمام الإعلامى بضرورة ضبط الشارع وجعله آمناً لخروج البنات. وتختلف طبيعة الإعلام فى تناول القضايا الاجتماعية مثل «التحرش» عن المؤسسات الاجتماعية، فالقضايا الاجتماعية فى الإعلام تأخذ شكل موجات تعلو مصاحبة للحوادث المثيرة، ثم تختفى لتعود تطفو على السطح مرة أخرى من حادثة جديدة، أما المؤسسات الاجتماعية الأخرى مثل التعليم والثقافة والمؤسسات الدينية والأسرة، فمن المفترض أن يكون لديها برامج ومعالجات طويلة المدى لمثل هذه الموضوعات الاجتماعية المعقدة؛ خصوصًا إذا كانت واسعة الانتشار، وتعانى منها قطاعات كثيرة، ورغم ذلك فإننا لم نسمع عن أى استراتيجيات أو حتى بيانات من المؤسسات الاجتماعية والتربوية والتعليمية تقول ماذا ستفعل لمعالجة التحرش الجنسى من منظور ثقافى وتربوى؟! واكتفى الجميع بموقف النيابة العامة والأزهر الشريف ودار الإفتاء، على اعتبار أن الخطاب الدينى المتشدد «الإسلامى والمسيحى» الذى ركز على ملابس النساء وسلوكهن مبرراً للتحرش بهن، هو السبب الوحيد لسلوك الرجال المتحرش والعنيف تجاه النساء. وعليه امتلأت صفحات «السوشيال ميديا» بإدانات وانتقادات شديدة لهذا الخطاب. وركزت أغلب المداخلات والمعالجات على تفعيل القانون وتشديد تطبيقه على المتحرشين. إن ما نشكو منه اليوم من تحرش جنسى، ليس نتيجة الخطاب الدينى المتشدد فقط، بل هو ثمرة انتشار أشكال وألوان من الإعلام والموسيقى والغناء والدراما التى روجت للغرائز الجنسية الفجّة والنعرات الذكورية وامتلاك النساء كسلعة. وهو نتيجة سياسات تعليمية وتربوية تجاه الأطفال والشباب تتأرجح بين التزمت والتطرف فى العلاقات بين الجنسين من جهة، وبين الإهمال وعدم التوجيه المسئول من جهة أخرى. هذه الخطابات الإعلامية والفنية والتعليمية والتربوية المستمرة منذ أربعة عقود على الأقل، مسئولة أيضاً عن ظاهرة التحرش، وينبغى أن يمتد إليها النقد والتحليل العميق. إن تطبيق القانون بحسم أمر بالغ الأهمية، لأنه ينشئ ثقافة مغايرة وردعًا، ويرسخ لدى المجتمع فكرة أن التحرش جريمة، لكن القانون فى النهاية وسيلة للحد من انتشار التحرش الجنسى وليس هدفاً فى ذاته. الهدف الذى نسعى وراءه هو علاقات أكثراً تحضراً وإنسانية بين الرجال والنساء، ومجتمع يحترم الخصوصية والكرامة الإنسانية للمرأة. هذا الهدف يحتاج منا أولاً: تحديد الحجم الحقيقى لظاهرة التحرش الجنسى بالنساء فى مصر ودوافعه وآثاره السلبية الاجتماعية والاقتصادية من خلال دراسات اجتماعية وبحوث ميدانية، حتى لا نقع فى فخ التهويل أو التهوين الناتجين عن الانطباعات والتجارب الشخصية. ثانياً: أفكار وبدائل تربوية طويلة المدى لتنشئة الأطفال الذكور والإناث داخل الأسرة والمؤسسات التعليمية تقوم على احترام الخصوصية والكرامة الإنسانية للإناث والذكور سواء بسواء، وتنمية الثقافة الجنسية المتوازنة والعلمية للأطفال والشباب، وكذلك وجود مساحات مشتركة للاختلاط والحوار بين الجنسين فى إطار إشراف عائلى وتربوى مدرب على استيعاب الهفوات والأخطاء فى علاقات الأطفال والشباب ذكورًا وإناثاً، وتصويبها قبل أن تتحول إلى جرائم تحرش.