الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سيرة ذاتية بالألوان

كثير من الفنانين رسموا أنفسهم فى المرآة، كل بورتريه رسمه الفنان لنفسه هو سيرة ذاتية بالألوان، اللوحة هنا مثل أدب الاعتراف لأنها عكست روح الفنان وأعماقه التى يجيد التعبير عنها ويعريها، ولذلك كانت هذه الأعمال ناجحة ومميزة فى تاريخ الفن لأنها كشفت المشاعر الحقيقية للفنان.



 

 

وليس غريبًا أن نقف مندهشين أمام اللوحات الرائعة التى رسمها رمبرانت لنفسه وكذلك فان جوخ وسيزان، ولذلك وجوههم أصبحت مألوفة لعشاق الفن، وقد شاهدت منذ أكثر من عشرين عامًا بالناشيونال جاليرى فى لندن معرضًا للوحات التى رسمها رمبرانت لنفسه، حوالى سبعين بورتريه فى مراحل عمره المختلفة جعلت وجهه من أشهر الوجوه فى تاريخ الفن، هى من أجمل أعماله فقد عبر فيها عن أعماق نفسه، كان حريصًا فى كل لوحة أن يختار زاوية مختلفة من وجهه وأزياء متنوعة، وأسلوب رمبرانت يقوم على التباين بين الضوء والظل فى رقة شديدة، وظلاله شفافة وألوانه غائمة وهادئة وضربات فرشاته خشنة ودسمة، ويبدو فى بعض لوحاته ساخرًا والبعض الآخر يبدو فيها مرتديًا ملابس فقيرة، لقد كانت حياته مليئة بالديون والتعاسة والحزن لفقد الأحبة.

 

وكذلك كانت البورتريهات التى رسمها فان جوخ لنفسه أصدق تعبير عن حياته المليئة بالآلام والعزلة والوحدة، كان أخوه ثيو هو الشخص الوحيد الذى يتواصل معه عبر رسائل وصلت إلى 800 رسالة، البورتريهات تظهر عذاب روحه كان يبدو فيها وكأن الحياة حكمت عليه بالموت، وقد رسم معظمها فى سنواته الأخيرة وقد سجل فى إحداها حادثة قطع أذنه. أحد  هذه البوتريهات رسمه فى المصحة وأظهر فيه ثلاثة أرباع جسمه وأخفى أذنه المشوهة، وفى خلفية اللوحة تموجات زرقاء أحاط بها نفسه ليعبر عن معاناته الداخلية والنظرة تظهر روحه المعذبة والمتوترة وعزلته عن العالم، وكل لوحة مرسومة بضربات فرشاته القصيرة المتقطعة وبألوانه القوية وهى السمة المميزة لأسلوبه.

 

كما رسم الفنان الفرنسى سيزان نفسه كثيرًا، هو بلا شك يعتبر إمام الفن الحديث، كان يرسم نفسه فى المرآة كنوع من البحث عن أسلوبه مثلما كان يبحث فى موضوعات الطبيعة الصامتة التى اشتهر بها، كان سيزان يقول «أريد أن أجعل من التأثيرية شيئًا متينًا يبقى فى المتاحف، ولذلك اتسم أسلوبه بالبناء والصلابة التى ظهرت فى بورتريهاته لنفسه بألوانها الجميلة، كان سيزان مثل العالم فى معمله يبحث فى تجاربه وقد مهدت اكتشافاته التشكيلية فى توظيف اللون والخط لبناء الفورم أو الكتلة لابتكار المدرسة التكعبية فيما بعد على يد بيكاسو وبراك.

 

فى مصر رسم فنانون كثيرون أنفسهم مثل صبرى راغب وسيف وانلى وبيكار، وعلى خطى رمبرانت الذى عشقه رسم صبرى راغب نفسه أكثر من ثمانين مرة بأسلوبه التأثيرى وبلمسات فرشاته النابضة بالحيوية والمحملة بالتلقائية والطزاجة حتى بدا وجهه معروفًا لعشاق الفن فى مصر.

 

كما رسم سيف وانلى نفسه كثيرًا عبر رحلته الفنية الطويلة، كانت هذه البورتريهات متنوعة الأساليب ويميل فيها للتلخيص وخطوطه هندسية فيها اختصار واقتصاد ويهتم بالتكوين وأسلوبه تجريدى وألوانه فيها بساطة، وكما يقول الناقدان كمال الملاخ وصبحى الشارونى فى كتابهما عنه «فى اللوحات التى رسم فيها وجهه نلاحظ أنه ظهر فى معظمها ناقدًا لنفسه فقد كان قادرًا على إجراء حوار مع أعماقه ولديه الجرأة ليعلن هذا الحوار فى لوحاته لنفسه أمام الناس».

 

الفنان بيكار رسم نفسه مرات كثيرة منذ شبابه المبكر  وحتى سنواته الأخيرة فى بورتريهاته الأولى كان واقعيًا فى أسلوبه، ولكنه اتخذ لنفسه فيما بعد أسلوبًا يميل فيه لتبسيط الخطوط ويختزل التفاصيل ويقتصد فى درجاته اللونية والتى تقترب من الرماديات، وتتميز هذه اللوحات بدراسته الدقيقة للنور والظل حيث يجسم الوجه ويميل للتجسيم أحيانًا بالمسطحات خصوصًا فى الملابس ويبدو فى لوحاته الأخيرة زاهدًا وبسيطًا.•