السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تونس ومنطقتنا

فى التقدير أن ما حدث مؤخراً فى تونس من محاولة رئيس برلمانها الافتئات على صلاحيات رئيس الجمهورية بتقديم تهنئة العيد لرئيس سلطة طرابلس – وقائد فرع ليبيا للعدالة والتنمية للإخوان المسلمين - يعكس تنوع أساليب استحواذ الإخوان على السلطة فى منطقتنا وفقاً لما خطط له، بعد تدمير برجى نيويورك فى سبتمبر 2001 من سيناريوهات مختلفة ومتوافقة وظروف كل بلد بالمنطقة لتمكين المتأسلمين فيها من السلطة والانشغال بها ومن ثم الإبقاء على المنتحرين منهم فى بلادهم. فرضت ثورة المصريين فى يونيو 2013 وإسقاط حكم الجماعة فى أقل من عام من زرعها فى الحكم، ضرورة استحداث أدوات وتكتيكات جديدة لتحقيق المخطط وفقاً للمتغيرات والدروس المستفادة بما حدث فى مصر وتقييم موضوعى لظروف تركيب مرسى وجماعته السلطة وتمكينهم من أدواتها دفعة واحدة.. وهم غير المؤهلين والمعتمدين على دعم وشورة من ولاهم.



 

فكان التحرك الجديد القيام بحملة شرسة بالتباكى والترويج فى العالم كله لفكرة إسقاط أول رئيس مدنى لمصر بانقلاب عسكرى.. بالتوازى أن يكون الاستحواذ على السلطة بطريق ديمقراطى متعارف عليه ويكون نموذجاً للغير لنفس النهج فيكون الدعم الغربى والعالمى منطقياً.. إلخ.

 

كما أنه يجب اختلاق نموذج حكم آخر بعيداً عن الشكل الرئاسى – والذى يفتح الباب فى دولنا – للسيطرة.. إلخ، وبالتالى يجب ألا يكون رأس السلطة فى البلاد هو صاحب القرار والذى يجب أن يكون للشعب وبرلمانه وبالتالى لرئيس الحكومة.. إلخ فنقترب أكثر من البلدان الأوروبية الديمقراطية ونبتعد عن أخطاء وانتقادات تمس دوماً رئيس الدولة.. فتكون الجماعة فى الظل تسيطر وتعمل بالإجراءات الديمقراطية المرحب بها فيكون لها كل الدعم والسند من الغرب وتصبح النموذج المطلوب الترويج له فى بقية الدول.

 

وقد تكون لتونس وضعية خاصة فى هذه المعادلة فقد نعمت هذه الدولة باستقرار اجتماعى وسياسى – بعد استقلالها – خلال حقبتى حكم بورقيبة ومن بعده بن على، فالأول عمل بذكاء لتقدم شعبه بدءًا من تقييم اعتمد على عدم إمكانية توفير حياة كريمة لناسه فى ظل موارد اقتصادية محدودة نسبياً بما فيها المياه وباعتبار أن رافد السياحة هو الأهم والمتاح فضرورة تحقيق الاستقرار والارتقاء بمستويات الشعب خاصة من منظومة تعليمية متميزة فكانت قراراته – بالاتفاق والاستناد على الدين أيضاً  - منع تعدد الزوجات وتنظيم النسل فكان نجاحاً محققاً بالارتقاء بالنسق الاجتماعى فى بلاده وأصبح مستوى التعليم الحكومى العام والمتاح لكل فئات الشعب هو ذاته وبنفس الجودة والنوعية المقابل فى الدول الأوروبية وفرنسا، وأصبح من يحمل شهادة إتمام الدراسة الثانوية فى تونس مقبولاً فى أى من جامعات باريس العريقة دون معادلة، ومع ضبط المواليد أصبحت المدارس الابتدائية وأبنيتها تفوق العدد المطلوب استيعابه من التلاميذ الصغار.

 

وتولى بن على الحكم بعد إزاحته لبورقيبة «لعجزه» لاستشعاره فى الحقيقة ترتيبات واستعدادات المتأسلمين ومحاولتهم ضرب حكم بورقيبة وتوليهم الأمر بالترويج لحجج دينية واجتماعية مقترنة دوماً بخروج بورقيبة وحرمه عن الإسلام ومخالفة الشرائع السماوية.. وتغريب تونس ونزع هويتها الإسلامية.. إلخ.

 

فكان تحرك بن على وتوليه الحكم وهو وزير الداخلية المقتدر بأن تحرك فوراً على محورى محاصرة المتأسلمين الإخوان وعزلهم وحبسهم بمن فيهم راشد الغنوشى.. إلخ بالتوازى مع إضفاء البعد العروبى لتونس والتركيز على ذلك فى مناهج المدارس بعيداً عن عملية الفرنسة التى كانت تقودها السيدة وسيلة بورقيبة..إلخ، وبالتأكيد فإن ما سبق لا يتوافق مع مخطط الشرق الأوسط الجديد فتضافرت كل القوى الخارجية لتنفيذ برامج بتولية الإخوان الحكم، بدءاً من تقليص والضغط على أى قوى سياسية داخلية وإخراجها من المعادلة بكل الوسائل وهو ما تم بالنسبة للاتحاد العام للشغل التونسى وصولاً لاغتيال قياداته.  ثم كان استثمار حادث انتحار التاجر الجوال «بعزيزة»  حرقاً فى وسط زخم العاصمة متضرراً من بطش الشرطة وشراستها وفرضها للإتاوات.. إلخ ومتضرراً من ضيق ذات اليد، وهو هنا يعبر عن قطاعات كبيرة من الشعب التونسى فكانت هذه الإشادة بتحريك وتهييج الشباب لإسقاط بن على.. بهبة شعبية استنسخت السيناريو الرومانى فى عملية تفكيك الاتحاد السوفييتى بإسقاط شاوسيسكو ... - فكأن ما حدث فى تونس هو التجربة المعملية لما يمكن أن يتم فى مصر وبعدها مباشرة – وكانت إجراء عملية الاستحواذ فى تونس تتم وفقاً لمنطق طبيعى ففى مرحلة أولى لا يتصدر الإخوان المشهد ... فيتولى رئيس حزب نداء تونس الحكم وهو الذى يتطلع لهذا المنصب وهو حلمه، وفى سبيل ذلك فهو مستعد لأى تكليف وبأى وسيلة ورغم أنه كانت له ولحزبه الأغلبية