الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بريطانيا «محتاسة» وتشرشل فى صندوق!

نفتح أم لا نفتح؟!



 

تلك هى المشكلة.. وكأنّ شكسبير يطرح سؤاله الشهيرعلى لسان «هاملت»:

 

 نكون أم لا نكون؟

 

فبريطانيا حكومةً وشعبًا، تعيش حالة «حوسة»..وتوهان واضطراب وتردُّد وانقسام، وارتباك.. زوالسبب هو انتشار فيروس كورونا، وفقدان القدرة على السيطرة عليه، وضغوط أصحاب المال والمصالح من أجل إنهاء مرحلة الإغلاق التام التى دامت ثلاثة أشهر، وإعادة فتح المدارس، ما جعل الحكومة تقرر فتحها.. لكن نقابة المعلمين رفضت حرصًا على سلامة التلاميذ والمعلمين، فتراجعت الحكومة عن قرارها.. وزاد التخبُّط مع المظاهرات التى اجتاحت العالم، بما فيه بريطانيا، للمطالبة بمكافحة العنصرية وحماية السود..

 

 

ومع أنه قد تم تخفيف بعض قيود وإجراءات الوقاية من كورونا، إلا أنَّ الخوف يستولى على الناس، فلا يقدمون على الذهاب إلى المطاعم، ولا يفكرون فى إرسال أبنائهم إلى المدارس.. وطبعًا فتح المدارس أساسى إذا كان الاتجاه هو عودة الحياة للمصانع والمكاتب والمصالح الحكومية.. 

 

 وهنا تجد أن بريطانيا «محتاسة».. والحكومة مترددة، وليست لديها إجابات واضحة على أسئلة الناس.. وعندما انفجرت موجة المظاهرات والمسيرات تحت شعار «حياة السود مهمة» فقدت الحكومة أعصابها، لدرجة أن وزيرة الداخلية - وهى ابنة عائلة هندية مهاجرة؛ أى تنسب إلى الأقلية الملونة، هاجمت المتظاهرين واتهمتهم بالشغب، ولم تبد اهتمامًا بقضية القضاء على العنصرية التى ينادون بها.. حتى إن بعض المعترضين على موقفها أطلقوا عليها اسمكوكونات « جوزة الهند» أى أنها سمراء من الخارج لكن بيضاء من الداخل.. أى عنصرية!

 

تحرير تشرشل

 

ولم يتورع رئيس الوزراء عن اتهام المتظاهرين بالتخريب أيضًا، والحقيقة أن عناصر من المتطرفين البيض قاموا بأعمال تخريب بهدف تشويه صورة المسيرات المناهضة للعنصرية وهو ما كشفته بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.

 

وانتشرت فى أنحاء بريطانيا عمليات تحطيم تماثيل الشخصيات التاريخية التى تمثل تجارة العبيد ونشر العنصرية، لكن المناوئين البيض قاموا بأعمال تخريبية لتماثيل شخصيات بارزة فى تاريخ بريطانيا الحديث مثل ونستون تشرشل رئيس الحكومة الذى قاد البلاد خلال الحرب ضد نازية هتلر.. ما اضطر عمدة لندن إلى إصدار أوامره بإحاطة تمثال ضخم لتشرشل فى ميدان البرلمان بألواح خشبية تشبه صندوق ضخم، لحمايته من التشويه.. وهو ما أثار احتجاجات عديدة، مطالبة بتحرير تشرشل.

 

ومع بدء تخفيف حالة الإغلاق الشامل لوحظت مظاهر خوف الناس من العودة إلى الحياة الطبيعية، ورصدت بيانات استطلاع حكومى أعلنتها الوكالة الرسمية للإحصاء أن ثلث البريطانيات شعرن بالأمان عند ترك بيوتهن بعد ثلاثة أشهر من العزل، ليخرجن للعمل أو التنزه أو المطاعم والمحال، فبينما عبر ٤٦٪ من الرجال عن شعورهم بالأمان أعلن ذلك ٢٩٪ فقط من النساء بينما كانت نسبة من يشعرن بالخوف وعدم الأمان تزيد على ٧٠٪.

 

وفيما يتعلق بارتداء الأقنعة، رصد الاستطلاع أن ٢٩٪ فقط من المواطنين يلتزمون بذلك، على الرغم من الإرشادات الحكومية التى تنصح الجميع بارتداء الأقنعة عند التواجد فى الأماكن العامة ووسائل المواصلات والسوبر ماركت.

 

الأقنعة الشفافة لا تكفي

 

وعلى ذكر أقنعة الوجه التى يرى الخبراء أهميتها فى مكافحة انتشار وباء كورونا، ووقاية الغير من العدوى، دخل رئيس وزراء بريطانى سابق هو تونى بلير، من خلال المعهد الذى الذى أسَّسه لمتابعة التغيرات العالمية، على الخط بدراسة اقترحت على السلطات المختلفة اعتماد أقنعة الوجه التى تتميزبكونها مصنوعة من البلاستيك الشفاف وتغطى الوجه كله كتلك التى يستعملها الأطباء والممرضون، وقالت الدراسة إن ميزة هذا النوع من الأقنعة أنها توفر حماية كاملة كما أنها تتيح للمعلمين وغيرهم ممن يخالطون الناس، فرصة التعبير من دون كلام، وتساعد فى تعرُّف التلاميذ مثلا على ما يعنيه المعلم.. وهكذا، واقترحت الدراسة أن يرتدى هذا النوع من الأقنعة كل المعلمين والمعلمات والعاملين فى المواصلات العامة وأيضا فى المتاجر الكبرى.. ونوادى اللياقة البدنية والمتنزهات وحدائق الحيوان وغيرها.

 

ويرى واضعو هذه الدراسة أن الأقنعة الشفافة تساعد فى نشر مشاعر الثقة كما أنها تيسر إعادة فتح المدارس والجامعات والمحلات الكبرى..وبصفة عامة عودة الحياة إلى بريطانيا كلها.. وباستعمالها يمكن التخفف من قيود التباعد لمسافة مترين بين كل شخص والآخر، التى تقضى بها تعليمات الوقاية من انتشار عدوى كورونا.لكن الدراسة لا تنفى نقطة مهمة وهى أن هذا النوع من الأقنعة لا يمثل حماية تامة من انتشار العدوى إذا ما حدث أن سعل مرتدوها أو عطس، بينما الأقنعة المصنوعة من القماش القطنى والتى تغطى الأنف والفم تمثل الحماية الأفضل.

 

 وهذا يعنى أن معهد تونى بلير، دخل أيضا فى دوامة «الحوسة» البريطانية!

 

الجريمة تتزايد بسرعة

 

منذ شهر أو أكثر قليلا كانت وزيرة الداخلية البريطانية فخورة بأن معدلات الجريمة قد انخفضت بشدة خلال فترة الحجر والعزل المنزلى وإغلاق كل شىء..

 

ونشرت صحيفة «دايلى تليغراف» المحافظة مقالًا ساخرًا لأحد كتابها، وقتها، جاء فيه أن تواجد الناس فى بيوتهم طوال اليوم بسبب العزل خوفا من كورونا، قد أصاب عصابات المجرمين فى مقتل، فلم يعد ممكنا السطو على أى بيت. ويبدو أن زعماء اللصوص سيتقدمون للحكومة بطلبات إعانة مالية مثلهم مثل كل العاملين فى مختلف القطاعات المغلقة وأصحاب المهن الحرة الذين تقدم لهم الحكومة إعانات مالية ؟!

 

وفى شهر مايو الماضى ومع بدء خطوات خجولة لتخفيف قيود مقاومة كورونا، سجلت تقارير وزارة الداخلية عودة الجريمة، بعد هبوط حاد خلال الشهور السابقة.

 

فبينما هبط عدد جرائم السطو التى رصدتها شرطة سكوتلاند يارد فى لندن خلال شهر أبريل إلى ٤٨ألفًا مقابل ٧٤ ألفًا فى الشهر نفسه من السنة الماضية، شهد شهر مايو الماضى زيادة انتشار معظم جرائم السطو والسرقة، وبلغ مجموع الجرائم المسجلة فى لندن ٥٦ ألفًا و٥١٤ حريمة بزيادة قدرها أكثر من ٨ آلاف جريمة عن أبريل الماضى. 

 

بعيدا عن كل هذا، هناك ضرر كبير سببه فيروس كورونا لبريطانيا، حيث أوصل اقتصادها إلى حضيض غير مسبوق وفقد الناتج القومى خلال فترة الحجر الشامل ما تزيد نسبته على ٢٠٪ وانكمش الاقتصاد بما نسبته ٢٥٪ ضاع معه ما تحقق خلال ١٨ سنة من النمو الاقتصادى وطالب خبراء اقتصاديون بنك إنجلترا بالتدخل لحماية الصناعة والتجارة وكل مرافق الاقتصاد من الانهياربسبب كورونا وإجراءات العزل الصحى، وتوفير ١٠٠ مليار جنيه إسترلينى من الاحتياطى الاستراتيجى لتحقيق هذا الهدف بتقديم تسهيلات نقدية وإعفاءات من الضرائب بأسرع ما يمكن هذا الأسبوع. 

 

وأنذر معهد المديرين - الذى يمثل قيادات الإدارة فى مختلف المجالات - الحكومة من أن أى تأخير فى التسهيلات النقدية وإعفاءات الضرائب سوف يترتب عليه مزيد من الانهيار الاقتصادى ومزيد من إغلاق المصانع والشركات وإفلاسها.. ومزيد من البطالة.