الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مفتاح الفرج

يقول البسطاء الذين يمتلكون عمق الرؤية فى سلاسة التعبير، ويُعبرون عن قصدهم بمصطلحات دالة، ومفاهيم رشيدة وناضجة، أنضجتها الخبرة والتجربة على نار هادية، فاختارت أدق الاصطلاحات والتعابير. يقولون - تفرج للأزمة فتنفرج أو يأملون فى انفراجها.. والفرج انطلاق وحرية، فحين يفرج عن الشخص يصبح بغير قيد يكبل خطواته ويحبس انطلاقه نحو ما يريد من الحياة. والفرج دائمًا من عند الله هو الذى يفرجها على الضعفاء وأصحاب الحاجات. فحين يعز الطلب، وتتعقد الأمور، وتتشابك الأمنيات، وتتراجع قدرة الناس عن فك الطلاسم والمعوقات. ليس هناك من سبيل إلا اللجوء إلى الله حتى يفرج الكرب ويزيح الألم ويفك الشفرات المعقدة. ويتوسل البسطاء به فى أصعب الأزمات والمصائب ويقينهم دائمًا يحدثهم بأنه فرَجه قريب. وقرب الفرَج استحضار له، وانتظار مهذب لإرادة صاحب المشيئة ليرضى عن الخَلق فيفرجها كيفما شاء ووقتما شاء ومع مَن يشاء من عباده..



 

 «ولما الصبر يبقى ملاذ.. يخلى المستحيل ممكن، ويفتح طاقة للإنجاز.. هنا الناس اللى طول عمرهم صابرين، على الزمن اللى كان غدار، وعلى الليل الطويل جدّا، وع الناس اللى كانوا عزاز.. على الصورة اللى مكسورة، وناس بتنط م البرواز»…

 

عندما يكون للفرَج مفتاح تفتح به آفاق الرضا، إلى رحابة القبول والقناعة بالمُقدّر والمكتوب، وتغلق عن طريقه، ضيق الأفق وعتامة الرؤية وضحالة التصور والتصرف، يستطيع الواحد منا أن يستعين بالانتظار على تحقيق المراد والمطلوب.. إنه الصبر مفتاح الفرَج، والطريق الممتد إلى النهاية الممكنة والمقصد النبيل…

 

أعجبتْ الجماعة الشعبية غاية الإعجاب بصبر النبى أيوب على ما ابتلاه به الله جل فى علاه، فتوقفتْ عنده، وصاغت إبداعًا حكائيّا غنائيّا يرصد ويدقق ويتحقق من قدرة فائقة على التحمُّل، والتسليم بقضاء الله وقدره. استطاع الخيال الشعبى أن يحدد للصبر ملامح، وللصابرين قدرات خاصة تمكنهم منه، فيتمكنوا من المرور عبر أضيق المعابر إلى ميادين لا نهائية من الحلم.

 

والصبر عند المصريين ليس صبرًا بلا غاية، ولا ارتكانًا على بَلادَة، أو تقصيرًا فى الأداء؛ إنما هو إذعان لإرادة خالق، يدبر أمور خَلقه، كما يرى، وبما يرى. إنه فعل التوكل وليس راحة الاتكال والاستسهال.

 

يحتاج صبر الصابرين إلى جهد كبح التسرع والانفلات وصبر الأقوياء على الضعفاء منتهى القوة، وصبر الضعفاء على المهزلة منتهى الضعف. والصبر على البلوَى منتهى الحكمة.  كنا نزرع الحب وننتظر حتى ينبت، ونراعيه حتى يكبر، ونحصده، وندرس الأعواد، ونذريه، وننقى الحبوب من الشوائب، ونغسله، ونجففه، ثم نطحنه، وننخله ونعجنه، ونخبزه، حتى يكون فى النهاية لقمة هنية للآكلين الشاكرين الصابرين.

 

اتعلمنا الصبر على الزرع فحصدناه، واتعلمنا الصبر على البلاء فتجاوزناه، وعلى التصرفات فاستطعنا إقامة علاقات سوية مع المحيطين..غير أن للصبر على التصرفات غير المسئولة حدودًا، تمنع التمادى، وتوقف غباء الاستمرار، وتعيد للعقل حكمته وتزيح عنه رعونته. .المتأمل للثقافة الشعبية يُدرك أن حكمة الجماعة دفعت بها دفعًا نحو استيعاب الأفكار، وإعادة بثها فى صياغات مبدعة ومركزة، تهدف من خلالها إلى تعزيز القيم الإيجابية، ونشر محتواها وفحواها، وتوطيد العلاقة بين الفعل والتجربة؛ لتدعو إلى نُبل المقاصد، وسلامة الفكر..

 

«وكان للصابرين موال وحدوتة وأغنية، وكان شمعهم بيقيد.. بيحكوا للحياة أناشيد.. يغنوا ياليل ف صبحية.. وكان قلبهم جامد.. وكان حلمهم صامد.. وكان صبرهم مفروض، يخللى قلبهم صافى، ويزرع حب فى النية».