الأحد 27 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

د. أماني قنديل: الجمعيات تجمدت والمستقبل لمبادرات الشباب

تعقيم بعض الشوارع والمؤسسات، وتوزيع الطعام، وحملات التبرع، وإنتاج كتيبات التوعية والإرشاد.. هى تقريبًا المنتجات الأساسية التى ابتكرتها جهود الجمعيات الأهلية التى بلغ عددها نحو 53 ألف جمعية فى مصر.. خلال تفشى أزمة ڤيروس كورونا! ورغم قدرة الجمعيات الأهلية على التفاعل مع المشاكل والأزمات، وإثارة الحلول والأفكار الابتكارية بين مختلف فئات المجتمع التى تتعامل معها.. لكننا فى النهاية لم نجد سوى تلك المبادرات التقليدية، التى تنتشر على الفيس بوك أو الانستجرام وكافة وسائل التواصل الاجتماعى!



 

 مبادرة هيفاء وهبي

 

 وبمناسبة الانستجرام، لم أستطع إخفاء انبهارى وإعجابى بتنوع أفكار مبادرات بعض الجمعيات الأهلية الأوروبية والعربية التى أظهرتها الصور والڤيديوهات ضد ڤيروس كورونا.. من مظاهر النظافة والجمال والصحة والتفاؤل البادية على الأشخاص القائمين بتلك المبادرات، وعلى المستفيدين منها، بالإضافة لخدمات التنظيف والتطهير! بداية من توزيع الطعام على الناس بالبيوت، وتقديم الرعاية الطبية لبعض أفراد العائلات، إلى رعاية المسنين والأطفال، والاهتمام برسم الضحك فى عيونهم وقلوبهم، من خلال الأنشطة اليدوية والألعاب، وڤيديوهات التوعية والتسالى لبث الأمل بأساليب مبتكرة وبسيطة، وغير مكلفة ماديًا!

 

  إلى ابتكار الأفكار الجديدة مثل مبادرة «الغربة عمار» التى نشأت ببعض الدول العربية مثل السعودية، والأردن، وماليزيا، وكندا، التى فتح أعضاؤها بيوتهم للمغتربين الذين لم يستطيعوا العودة لبلادهم بعد تعليق حركة الطيران فى منتصف مارس. ومبادرة «أجيالنا» اللبنانية التى قام الفنانون من خلالها بتحدى بعضهم بعضًا للتكفُّل بمساعدة آلاف الأسر التى تأثرت بكورونا! وقد بدأت هيفاء وهبى التحدى على موقع إنستجرام ونقلته إلى إليسا وهكذا! كأنها كرنڤالات وليست مساعدات! 

 

صور كراتين الطعام

 

  فتساءلتُ عن سر توقف جمعياتنا نحن عند التعقيم وتقديم الطعام؟ وما سر سعادتنا الشديدة ونحن نقوم بتصوير فريق عمل الجمعيات وهو يرش مؤسسة ما، تمتلئ جدرانها بألوان رمادية كئيبة، وترص بها المكاتب كعلب الكبريت؟ بل ما قيمة رش الشوارع التى تملأها القمامة التى تنقل لنا المرض واليأس؟ بل وتستطيع عطسة شخص مصاب بالڤيروس أن تقضى على كل الرش الذى قدمناه بالمكان! وما سر افتخارنا بالتقاط صور للأشخاص المعدمين الذين نقدم لهم كراتين الطعام؟ فأين المبادرات الفعالة التى ستؤثر فى الناس وتعلمهم المهارات والقيم التى ستبقى معهم، لما بعد الانتهاء من كورونا؟ ومتى ستدمج الجمعيات إدارة الأزمة ضمن خططها الاستراتيجية؟ فى ظل دورها الذى يمثل 32% من رأس المال بمصر، ضمن مساهمة المجتمع المدني- بحسب البنك الدولي! 

 

3 آلاف جمعية صحية ..أين؟

 

 توجهتُ بأسئلتى للدكتورة أمانى قنديل - أستاذة العلوم السياسية، وصاحبة المؤلفات العديدة حول المجتمع المدني، لمعرفة رأيها حول دور الجمعيات الأهلية فى ظل أزمة كورونا، ووضعتُ أمامها نماذج من حملات ومبادرات الجمعيات الأهلية، مثل حملة «انت مش لوحدك.. كاريتاس دايما معاك» جمعية كاريتاس - مصر، وحملة «تمكين الأسر للحماية من ڤيروس كورونا» بجميع مكاتبها! ومبادرة «زكاتك وقت الأزمة» بجمعية مصر الخير، وحملة «جمعية الصعيد فى ضهرك» بجمعية الصعيد للتربية والتنمية، وحملة «دعم العمالة اليومية مسئولية» بنك الطعام المصري. و«قوتنا فى سلامتنا» حملة الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعة، وحملة التطهير وتنظيف بعض المساجد وبعض المحال من خلال «جمعية خليك ايجابى» وغيرها من الحملات والمبادرات ..

 

 فذكرتْ أنها تتابع هذا الموضوع بكل دقة، واستطردتْ: أعتقد فعلا إن الغالبية العظمى من الجمعيات الأهلية ركزت على إطعام الناس، ورغم أهمية ذلك الدور إلى جانب بنك الطعام، ولكنه دور غير كاف! وبشكل عام، أنا لا أرى ولا أسمع صوتًا مؤثرًا للغالبية العظمى من الجمعيات القديمة والكبيرة، ولا حتى فى قضايا الڤيروس كأحد الاهتمامات الصحية التى كانت حوالى 13 ألف جمعية تهتم بها حتى ثورة يوليو، تشارك الحكومة فى جهودها أوتنضم للائتلافات المهتمة بقضايا الصحة، بينما اليوم لم يعد يزيد عدد الجمعيات التى تهتم بقضايا الصحة والسكان على 3000 جمعية من إجمالى نحو 53 ألف جمعية فى مصر!

 

مبادرات خارج أسوار الجمعيات

 

 تستكمل د. أماني: ما لفت انتباهى حقًا هى مبادرات الأهالى غير الهيكلية، أى غير المنظمة والتى لا تنتمى للجمعيات الأهلية؛ فمن حيث العدد.. عددها واسع جدًا، ومن حيث التنوع.. تعتبر مبادرات متنوعة؛ حيث وجدت فى الريف والحضر. ولم يقتصر دورها على فكرة الأكل فقط.. ولكنها تقوم بأدوار أخرى متنوعة بين الدور الفنى والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي.. ما يعنى أن تأثير تلك الأدوار قابل للاستمرار لما بعد انتهاء الأزمة الحالية. 

 

  ومن ناحية أخرى - تستطرد: أعتقد أن توجه هذه المبادرات يتواكب مع الاتجاه العالمي، كما أن التوسع فى عددها يجعلنى أرى أن المستقبل سيكون فى صفها، وسيكون الإقبال عليها أكبر، خاصة من الشباب! لأنها - أى المبادرات: 

 

أولا.. تتوقف على المشاعر الحقيقية للناس الذين ينظمونها ويقبلون عليها.

 

 ثانيًا.. ليس لها موعد تبدأ منه وتنتهى فيه، فالقائمون عليها يصممونها وينفذونها ويتحركون فى حدودها بمنتهى الحرية.. وبعضهم عقد اتفاقات مع الجهات المعنية كالإدارة المحلية ومجلس المدينة، ومجلس القرية وبعض الوزارات كوزارة الداخلية.

 

 وثالثا.. لأننا نستطيع القول أن أغلب الجمعيات الأهلية والمنظمات المهيكلة فى حالة تراجع وموت، ماعدا بعض الجمعيات الكبرى المعروفة التى تتحرك ولا تعانى من إشكاليات التمويل.

 

 وفى سياق المقارنة بين عوامل نجاح المبادرات الأهلية والجمعيات الأهلية، ألمحت د. أمانى لتوقعها أن تعمل بعض الجمعيات التى أطلقت عليها اسم «الجمعيات النجمة» على تقليل مساحة الإعلانات التليفزيونية المدفوعة هذا العام فى رمضان فى ظل كورونا، ولكن هذا لم يحدث! ما يعطى امتيازًا آخر فى نظرها للمبادرات، ويُثقل دورها! فتستطرد قائلة: ولذلك دعينى أركز على المبادرات، التى أغلبها من صنع الشباب، وتنتشر فى كل أنحاء مصر..

 

 كنتُ أتوق لمعرفة نماذج المبادرات التى وصفتها دكتور أمانى بـ «مبادرات خارج أسوار الجمعيات»، مثل مبادرة «خليك فى بيتك» بالعريش، وهى مبادرة أنشأها الشباب لتوصيل الطلبات للمنازل، حيث يتلقون الطلبات من الناس ويقومون بشرائها وتوصيلها لبيوتهم. مقابل 6 جنيهات فقط أجر التوصيل. وهناك مجموعة أخرى معنية بالمسنين.. توفر لهم كل طلباتهم.

 

وفى فاقوس بالشرقية، اشتهرت جدا مبادرة حوالى 30 شابا - من عدة قرى- بأنها توفر كل ما يلزم الأسر من خضروات بأقل من سعر السوق. مثلما أعجبتنى جدا - تقول الدكتورة أماني- حملة دعم مستشفى العزل فى إسنا.. التى تتكون من مجموعة شباب يدعمون مستشفى العزل، ويمدونه بمواد غذائية كتيرة. وحملة «إحنا فى ضهرك» التى أنشأها بعض الشباب فى بنى سويف لمساعدة كبار السن.

 

 الجميل، تسطرد: أن بعض الشباب المتطوع بقرية صغيرة  اسمها بهبشين فى بنى سويف؛ هم أول من قاموا بمبادرة تطهير الشوارع والمساكن.. ثم تكررت الحملة فى قرى كثيرة بالوجه القبلى والبحرى وعدة مناطق بالقاهرة، ومن هنا تمت عمليات التعقيم والتطهير للشوارع والمحلات بكفاءة عالية فى السيدة زينب، مثلا، وتمكن الشباب القائم بها من الحصول بمعرفتهم على أجهزة التعقيم، لثقتهم أن الدولة تعمل بكامل طاقاتها.. وهم يرغبون فى دعم الدولة.

 

 ومن المبادرات التى أعجبتني، كذلك، توضح د. أماني: المبادرة التى قام بها بعض الأطباء للتصدى للشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن طريق تلقى الأسئلة وإجاباتهم عليها. فى نفس الوقت الذى كانت مجموعة أخرى تتبرع بالمطهرات  للمحلات فى المناطق الشعبية.

 

 مبادرة تطبيع العلاقات الأسرية

 

 وهناك مبادرة اسمها «وقت القلق نحن معاك»، أسسها 3 أطباء متخصصون فى الطب النفسي، وحاليا تضم عشرات الأطباء بهدف الحد من القلق المتزايد مع انتشار الوباء  يجيبون على الأسئلة، ويحاولون توفير بعض المواد الطبية المطلوبة، والطريف إن جزءًا من تلك المبادرة يعمل على دعم العلاقات الزوجية وتطبيع علاقات أفرادها داخل الأسر التى ربما تجتمع سويا لأول مرة بسب الڤيروس.

 

 وهناك أيضًا مبادرة أخرى لبعض الأطباء الشباب اسمها «كشفك مجانا وخليك فى البيت». والمبادرة الجميلة التى قام بها أهالى قرية الزنيقة بمدينة إسنا جنوب الأقصر لاستضافة السودانيين الذين علقوا فى الطريق الصحرواى أثناء عودتهم لبلدهم الذى أغلق حدوده بسبب كورونا، فاستقبلهم أهل القرية وقدموا لهم المأوى، والطعام والشراب والأدوية.

 

 ومبادرة بعض شباب المعادى الذين اهتموا بالأسر التى توقف مصدر رزق عائلها بسبب الڤيروس، فبدأوا يوزعون الطعام والنقود على عمال اليومية. هذا بالإضافة  للمبادرات الكثيرة المتنوعة ثفافيًا وصحيًا، وفنيًا للتخفيف عن الناس ورفع الروح المعنوية بالفنون سواء بالموسيقى، أو الرسم على البيوت بالقرى، وغيرها من الأنشطة. ومبادرة بعض خريجى الجامعة الأمريكية من الشباب الذين كرسوا يومهم لمساعدة بعض القرى بالجيزة - كقرية المعتمدية- بين تجميع المال، واستلام كراتين الطعام وتسليمها للناس، ومجموعة شباب بالتجمع الخامس الذى كانوا يضعون الأغانى بالسيارات لدعم الناس بالغناء والتفاؤل فى بدايات الڤيروس.

 

 لو انتظمت المبادرات لتحولت إلى جمعيات أهلية! سألت دكتورة أمانى إذا كانت تتوقع استمرار تلك المبادرات لما بعد الأزمة؟

 

 فأجابت:  ليس شرطًا -كما قلتُ-! حيث لا توجد لها أسس تقوم أو تنتهى بناء عليها! ققد تبدأ بشخصين أو أكثر، وقد تقوى وتكبر، ولكننا لا نعرف متى ستنتهي، فمن الواضح أنها تعبر عن طبيعة الشباب وثقافة اللحظة! وليس لها علاقة بالجمعيات الأهلية!

 

موضة التمويلات

 

 ولماذا لم يفكر هؤلاء الشباب فى دمج مبادراته مع مبادرات الجمعيات الأهلية بإمكانياتها الأوسع؟

 

 أوضحت د. أمانى أن بعض الشباب يلجأ لجمعيات رجال الأعمال والجمعيات الأهلية بالفعل لتنفيذ مبادراته! ولكن فئة الشباب هى أقل فئة تنضم للجمعيات الأهلية إلا إذا شعروا بجدوى وجدية عملها -مثل بنك الطعام- فيتطوعون بأنشطتها! بينما هم غالبا ما يكونون مستبعدين من الأساس، خاصة بالجمعيات الكبرى حيث كل شيء كما هو مع الالتزام بأشكال تنظيمية قانونية معينة.

 

 نستطيع القول إذن أن أزمة كورونا كشفت حجم تأثير الجمعيات الأهلية -التى تجمدت نتيجة غياب الشباب-؟ وما هو الدور المتوقع للجمعيات الأهلية بعد كورونا؟ 

 

تجيب د. أماني: نحن نتحدث عن نحو53 ألف جمعية فى مصر، منها الجمعيات التى تعمل والتى لا تعمل، والجمعيات النجوم التى تمتلك التمويل والقدرات، والتى على الهامش! وبالتالي، أنا حاليا مهتمة بالمبادرات غير المنظمة أو غير المهيكلة.

 

تتوقع د. أمانى أن انتشار وباء كورونا سيؤثر على التمويلات التى تعتمد عليها الجمعيات الأهلية. ماعدا الجمعيات النجوم المعروفة بالاسم، والتى ليس لديها مشاكل تمويل نتيجة لتنوع مصادرها داخليا وخارجيا، وبعضها تعمل بامتياز، وقادرة فى صمت على جلب التمويل، بلا ضجيج. وبعضها ممول من الدولة بتعاونها مع مشروعات وزارة التضامن.. ولذلك كان لا بد الخروج من صندوق الجمعيات بعمل المبادرات المتميز بلا ضجيج، والقادر على جلب التمويل!

 

سألتها عن القضايا المتوقع أن تهتم بها الجمعيات الأهلية بعد كورونا؟  فقالت: «ولا تقدرى تعرفى ولا تتنبأى بالقضايا اللى هاتهتم بها الجمعيات أو لن تهتم بها، والدلائل التاريخية واضحة.. لما كانوا القيادات بيلاقوا فلوس جاية لتمكين المرأة يجروا يجيبوا فلوس من الجهة اللى بتمول التمكين، وكل الجمعيات تشتغل على الموضوع، ويبقى موضة، ويقعدوا يشتغلوا عليه بغض النظر عن الاحتياج إليه أو لا»! ولذلك، تستطرد: لا توجد لديّ توقعات للجمعيات ولكن لديّ توقعات للمبادرات أن تتكامل وتتنوع.

 

ولكن.. هل الرش والتعقيم مفيد، حقا؟ سألتها، فأجابت: مفيد طبعا.. وخاصة فى المناطق الشعبية، التى كشفت المتابعة أن الناس هم الذين طالبوا برشها وتعقيمها رغم ثقافتهم المحدودة وسلوكهم اليومى غير المهتم بالنظافة! فهم الذين التزموا بنظافة شوارعم وبيوتهم، وهذا يعتبر إنجازًا كبيرًا فى ظل الإهمال الذى نراه مثلا فى سلوك الأهالى المعتاد على تنظيف البيوت وإهمال السلالم.. كأنها ليست جزءًا من البيت! ولكن الأكيد أن مخاطر كوڤيد 19 حركت الناس وأظهرت سلوكًا إيجابيًا فى مختلف المجالات فى كل مكان.