الفنان أحمد صبرى.. رائد فن البورتريه
جمال هلال
فى شهر أبريل مرت علينا ذكرى ميلاد الفنان أحمد صبرى «1889-1955» أنه الرائد الذى خرج من عباءته كل فنانى البورتريه «الصورة الشخصية» من بعده، فقد تعلم على يديه الفنانون حسين بيكار وصبرى راغب وصلاح طاهر وجمال كامل وكامل مصطفى.
كان أستاذا لعدة أجيال تتلمذوا عليه وعلى تلامذته من بعده.
فى الحضارة المصرية القديمة كانت الصورة الشخصية موجودة على جدران المعابد والمقابر للملوك والملكات والأمراء والأمهات والكهنة، كانت مصر من أسبق الحضارات فى تسجيل الصورة الشخصية، كانت «وجوه الفيوم» أروع نماذج الصورة الشخصية التى كانت ترسم فوق التوابيت، لذلك كانت عودة الصورة الشخصية مع أحمد صبرى لم تكن شيئا جديدا ولكنها استمرار لتقليد حضارى بدأها الفنان المصرى القديم.
لقد كان أحمد صبرى محبا لتصوير الأشخاص واكتشاف أعماقهم والبحث عن شخصياتهم. يقول عنه تلميذه الفنان بيكار: «كان رائدا للصورة الشخصية أخذ من التأثيرية صفاء لونها ومن الكلاسيكية جمالياتها ومن الواقعية صدقها ومن الفن المصرى القديم شموخه وإذا جاز لنا أن نسمى فنه بفن « الصالونات» فلأنه يعكس سمات الأناقة والرشاقة فى صورة المرأة التى كان يبرز أنوثتها فى غير ابتذال أو إسفاف».
ولد أحمد صبرى فى أبريل 1889 بالدرب الأحمر وكانت حياته مليئة بالمعاناة. عانى فقد والديه وهو طفل صغير وغمره هذا بمرارة اليتم ومع الأيام تولد لديه إحساس بالقهر والاغتراب أثر على انتظامه بالدراسة فلم يكن طالبا متفوقا. وعندما علم أن هناك مدرسة للفنون الجميلة أنشأها الأمير « يوسف كمال ولا تشترط شهادات دراسية للالتحاق بها هرع مسرعا ليدرس بها، كان ذلك عام 1911.
كان الطلبة يدرسون بمدرسة الفنون الرسم والتصوير والنحت. وتفتحت مواهب أحمد صبرى وكان شغوفا برسم الوجوه وبإحساس لونى جميل، واكتشف خامة ألوان الباستيل «الألوان الطباشيرية الملونة» ذات النضارة الفائقة والتى صاحبته فى رحلة إبداعه طوال حياته. وكان تفوقه وبراعته فى تصوير الوجوه أحد الأسباب التى جعلت أساتذته يرشحونه لبعثة دراسية فى فرنسا على نفقة الأمير يوسف كمال ولكن ظروف الحرب أجلت سفره.
يتخرج أحمد صبرى فى مدرسة الفنون ويحصل على دبلومها بتفوق عام 1916، ولم يجد غير وظيفة مدرس بمدرسة «مصطفى كامل» الابتدائية ولكنهم سرعان ما استغنوا عنه بعد شهر.
استأجر له أحد الأثرياء مرسما وبدأت لوحاته تباع لبعض هواة الفن، واستطاع أن يدخر بعض المال لتحقيق حلمه بالسفر إلى باريس.
وفى عام 1919 يسافر إلى فرنسا ويلتحق بأكاديمية «شوبير» ثم أكاديمية «جوليا»، وكان قد سبقه المثال مختار إلى باريس وكان له علاقات جيدة بها، وقد سافر أحمد صبرى كثيرا، ولكن نقوده تنفد ويعود إلى مصر بعد ثلاثة أعوام.
فى ذلك الوقت كان الفن لا يقبل عليه فى مصر سوى الطبقات البرجوازية وسكان القصور. وكان من الصعب على فنان مثل أحمد صبرى أن يعيش من فنه فذلك أمر صعب.
واضطر أن يقبل وظيفة رسام بقسم الحشرات بوزارة الزراعة، ورغم احتياجه لها إلا أنها كانت خانقة لمواهبه. وسرعان ما انتقل لوظيفة أخرى بوزارة الأشغال والتى سافر على نفقتها فيما بعد إلى باريس فى بعثة دراسية أخرى لتكملة دراسته الفنية، هناك التقى وتتلمذ على أساتذة كبار مثل المصور «بول البيرلوران» ثم على المصور المعروف «إيمانويل فوجيرا» وكان تأثيرهما كبيرًا على أعماله. . وبدا التأثر واضحًا فى لوحة «الراهبة» التى أبدعها أحمد صبرى وحصل بها على جائزة الشرف عام 1929 من جمعية الفنون الفرنسية، وكان هذا نجاحا كبيرًا لفنان مصرى فى عاصمة النور. عاد صبرى إلى مصر عام 1929 ليعين مردسًا بمدرسة الفنون الجميلة ويبدأ دوره الريادى فى تعليم تلاميذه، ثم يتولى رئاسة قسم التصوير والقسم الحر حتى أحيل للتقاعد عام 1949 ثم يمتد عمله سنتين أخريين حتى عام 1951.
تتميز أعماله بالبنائية والرسوخ فشخوصه تبدو كتماثيل ملونة تبرز من على سطح اللوحة بألوانها الجميلة الشفافة وبتكويناتها المحكمة التى برع فى تأليفها، ولذلك بدت لوحاته كأنغام الموسيقى فى عذوبتها ورقتها، فى لوحاته الزيتينة كان يهتم ببقعة اللون أو لمسة الفرشاة، كان حريصا على إبراز الشراقة والأناقة والجمال فى أعماله للبورتريه. كما أبدع الكثير من لوحات الطبيعة الصامتة حيث كان يؤلف من الفاكهة والزهور والأوانى التكوينات التى ترضى مزاجه الفنى.
يقول الناقد بدر الدين أبوغازى: «تشعر أمام لوحات صبرى بحياديته وموضوعيته ولكن هذه الموضوعية تصحبها محبة تضفى على اللوحة نبض الحياة الذى يسرى من الاتصال المباشر بين الجليس والمصور.. وصبرى لا يحور الشبه الجسمانى ولا يبالغ فيه وإنما يلتزمه.. الصدق عنده احترام للواقع غير أنه يجلو شخصية من يصورهم فى وجوههم ويضع خصائصهم المميزة فى ملامحهم».
فى سنواته الأخيرة ضعف بصره ثم انتهى إلى فقده، ورحل وسط حزن محبيه وتلامذته عام 1955.
وكتب العقاد بعد موته بأيام يقول: «إن عمله هو الأثر الصالح الباقى فى فن التصوير المصرى».