السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لعبة النفط السعودى

«اشتر برميل خام غرب تكساس واحصل على 37.63 دولار»، هل هى مزحة، وهل ستحصل على الخام إضافة إلى 37.63 دولار يدفعها لك المنتج.. 



ما هو الفرق بين خام «غرب تكساس» وخام «برنت» وهل الانخفاض مؤقت أم دائم؟ وما هى العقود الآجلة؟.  هناك 180 نوعًا من النفط بحسب كثافة الخام ونسبة الكبريت والكثافة هى ما تحدد الجودة «خفيف – متوسط – ثقيل» ويحدد الكبريت كونه «حلوا أو حامضا» وفى ظل ذلك هناك خام برنت وخام غرب تكساس الأمريكى.

والأول الأكثر شهرة ويستخدم كقيمة لتسعير ثلثى واردات النفط فى العالم، والاسم أطلقته عليه شركة «شل» التى تستخدم أسماء الطيور فى تسمية حقول النفط التى تكتشفها، وأطلق الاسم المشتق من  «إوز برنت» على الحقول المكتشفة فى المملكة المتحدة والنرويج وهو خفيف حلو «كثافته 38 درجة ونسبة الكبريت فيه منخفضة 0.37 %». أما خام غرب تكساس فقيمه تستخدم كمعيار لتسعير النفط والسلعة الأولية الأساسية فى العقود المستقبلية فى النفط لبورصة نيويورك – نايمكس، ويتميز بمستوى أقل من الشوائب، ما يجعله سهل التكرير مقارنة بالنفط الثقيل العكِر، الذى يحتوى على مكونات شمعية عالية الكثافة ولزوجة أعلى.

ماذا حدث؟ 

انهيار الأسعار 20 أبريل الجارى يخص «غرب تكساس» ووصول سعر البرميل لسالب 37.63 دولار «سعر الإغلاق» -أى أن من اشترى 1000 برميل «الحد الأدنى لعقود النفط» حصل على أكثر من 43 ألف دولار من صاحب النفط- أمر مؤقت انتهى مساء اليوم نفسه وفى اليوم التالى استقر عند 20.54 دولار للبرميل «لعقود يونيو».

وأبرز الأسباب لذلك هو أن التعاملات على خام غرب تكساس تكون فى صورة عقود آجلة وأمس و20 أبريل الجارى كان اليوم الأخير لعقود مايو والخام المعروض تم إنتاجه بالفعل ووصل إلى نقطة التسليم، وعدم بيعه يعنى اضطرار المنتج لتخزينه وتحمُّل تكاليف التخزين وهى مرتفعة وتصل أحيانًا لـ40 دولارًا للبرميل كتكلفة تخزين.

لكن هناك أسباب غير مباشرة تتمثل فى انخفاض الطلب على النفط بسبب الإغلاق الاقتصادى جراء وباء كورونا من جانب، ووفرة المعروض فى الأسواق جراء حرب الأسعار التى أشعلتها السعودية مطلع مارس ما تسبب فى انهيار الأسعار، وأقبل المستوردون للنفط على شرائه وتخزينه حتى أوشكت المخازن على الامتلاء وهو ما يعنى أن ما حدث مرشح للتكرار يوم 20 مايو المقبل، أى اليوم الأخير فى تسليم عقود الآجل لشهر يونيو.

الفورى والآجل للنفط؟

السعر الفورى للخام يعنى توقيع العقد بين المنتج والمشترى واستلام الخام فورًا، بينما يعنى السعر الآجل الاتفاق بين الطرفين على سعر محدد للبرميل فى وقت محدد لإتمام العملية فى المستقبل، ومعظم تعاملات بيع وشراء النفط تكون فى شكل عقود آجلة، والحد الأدنى لتوقيع عقد لشراء النفط هو 1000 برميل، ويسدد المشترى لجزء بسيط من المقابل المتفق عليه حتى يحين موعد التسليم. وغالبًا ما يتم تداول تلك العقود الآجلة فى البورصات «بورصة بيميكس فى نيويورك – خام تكساس وبورصة القارات – خام برنت»، وتكون التداولات أكثر نشاطًا على عقود الشهر التالى «تنتهى التداولات على عقود مايو يوم 20 أبريل»، وما تم هو أن أصحاب العقود الآجلة تسليم مايو لم يجدوا طلبًا على ما لديهم من الخام فاضطروا لخفض الأسعار حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه عند الإغلاق.

حرب الرياض وموسكو 

يبدو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أحد أبرز المتضررين من الأمر، حيث يصادف الهبوط  توقيتا سيئا للغاية لرجل الأعمال الذى يسعى لهدف واحد وهو الفوز بفترة رئاسية ثانية فى نوفمبر بأى ثمن . فى البداية لم يعبأ ترامب بحرب «السعودية وروسيا» معتبرًا أن انخفاض أسعار الوقود للمستهلك تخفيضًا ضريبيًا، إلا أن كارثية الأمر بالنسبة لقطاع الطاقة الأمريكى اضطرته للتدخل بشكل مباشر وممارسة الضغوط على السعودية لوقف حرب الأسعار، وتم بالفعل التوصل لاتفاق تخفيض قياسى للإنتاج بين أوبك وروسيا والولايات المتحدة، لكن الحرب بين الرياض وموسكو لا تزال محتدمة فالأمر يرتبط بالسوق الفورية أكثر منه بأسعار العقود الآجلة، إذ تتواصل معركة طويلة الأمد على الحصص السوقية، وبخاصة فى آسيا، وتشير أسعار البيع الرسمية السعودية إلى أن المملكة تستهدف السوق الآسيوية، حيث لا يزال الطلب متدينًا بعض الشىء فى ظل إجراءات العزل العام العالمية بهدف ضرب «النفود الروسى» فى مقتل حيث تعتمد موسكو على الأسواق الآسيوية كوجهة لإنتاجها النفطى منذ تدشين خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادى البالغة طاقته 1.6 مليون برميل يوميًا، ويربط هذا حقول روسية بأسواق آسيوية عبر ميناء كوزمينو، منفذ صادرات البلاد الشرقى الرئيسي، وأيضًا عبر فرع من خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادى يربطه مع الصين، أكبر مستهلك آسيوى.. وتضمنت الإغراءات السعودية تخفيض أرامكو أسعار البيع الرسمية لخامها إلى آسيا فى مايو 2020، بما يتراوح بين 3 دولارات و5 دولارات لمختلف درجاتها فى ثانى شهر من التخفيضات الكبيرة. وفى الوقت نفسه، كانت التخفيضات السعرية على شحنات أرامكو لأوروبا أقل، مع زيادات طفيفة على درجاتها الأثقل. وأوروبيا تكسب الرياض أرضا، حيث بلغت مبيعات السعودية لأوروبا فى طريقها نحو 29 مليون برميل فى أبريل، بما يقل بفارق طفيف عن مستواها القياسى المسجل فى أغسطس  2016.

كما تسعى أرامكو لجذب مشترين بشكل أكبر، وتعرض على شركات تكرير فى آسيا وأوروبا خيارًا لتأجيل مدفوعات لتسليمات شحنات من الخام بما يصل إلى 90 يومًا، لكن تتفوق روسيا عن السعودية بامتلاكها شبكة مترامية لأطراف من خطوط الأنابيب التى تساعدها على توريد النفط بأسعار أرخص مقارنة مع منافستها التى يتعين عليها إيجاد ناقلات ودفع تكاليف النقل، كما أن حقول النفط الروسية المرتبطة بمصافى تكرير فى أوروبا وآسيا وشركات النفط لديها عقود طويلة الأجل معها.