ماتيـــس وفتنة اللون
جمال هلال
زعامة الفن فى القرن العشرين تنازعها ماتيس وبيكاسو، عملاقان أعجب كل منهما بالآخر وتنافسا على الشهرة، وكان افتتان كل منهما بفن الآخر كبيرا، ماتيس عبر فنه عن السكينة والصفاء والجمال، بينما كان فن بيكاسو تعبيرا عن قلق العصر وتطوره.
ولد ماتيس فى شمال فرنسا عام 1869 ودرس القانون فى باريس، واشتغل لفترة فى مكتب محام، لكنه سرعان ما شعر بمواهبه الفنية فقرر أن يدرس مبادئ الرسم على يد أحد المصورين ثم تركه وذهب لدراسة أكثر تحررا فى مدرسة الفنون الجميلة.
كرس حياته للفن وما لبث أن أصبح سنة 1905 زعيما للمذهب الوحشى، لقد كان إبداعه طبيعيا ومعبرا عن أحاسيسه، كان فنه يقوم على الخيال وعلى التبسيط فهو يقول «أنى أبسط ما فى العالم أمامى من أشياء من أجل تحقيق الوحدة والتناغم بلوحاتى، ولأن كل شيء يأتينى طبيعيا وأننى لا أفكر إلا فى إبراز طريقة إحساسى».
بدأت شهرة ماتيس تظهر بعد أن اشترك مع زملائه فى صالون الخريف عام 1905 فى باريس، وأنهالت عليه الدعوات من المعجبين فى أمريكا والسويد والنرويج لينشئ مراكز لأسلوب الدراسة الوحشية.
فى عام 1903 تحول ماتيس فجأة إلى فنون الشرق الأوسط على أثر إقامة معرض للفنون الإسلامية فى باريس، وأعزم بالزخارف والنقوش العربية وتمسك بملء كل فراغ فى لوحته بها. فى عام 1911 سافر إلى المغرب وشاهد مجالس الحريم والجوارى بالسراويل الطويلة الملونة فى المخادع وعلى المقاعد الموشاة والأقمشة المزركشة والسجاجيد بألوانها الزاهية، لقد كانت تلك الأشياء مصادر لإلهامه ومنابع لألوانه المليئة بالحرارة، مثل الحمراء والقرنفلية والبرتقالية والخضراء.
كان فنه على حد قوله رسالة صفاء وسكينة للمشاهد، وجعل تأمل لوحاته نوعا من المتعة ففيها نلتقى بالثراء والبذخ والجمال المثالى، فهو يأخذنا إلى عالم الأساطير والأطياف، ونحن فى الطبيعة لا نرى ألوانا شديدة الحيوية مثل التى يقدمها لنا ماتيس بلوحاته، فهو دوما يأخذنا إلى عالم أبعد من الواقع، عالم مغلف بالسحر والجمال التلقائى.
اشتهر ماتيس بألوانه القوية الشديدة الاشتغال.. اللون فى أعماله وجبة شهية ودسمة للمشاهد، كان يعبر باللون تعبيرا حسيا متحنيا إثبات البعد الثالث فى تكوين لوحاته.
لقد كان بحق أستاذا للفن فى القرن العشرين ورحل عن عالمنا عام 1954 بعد حياة حافلة بالإبداع.