الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

3 ملايين دولار حصيلة 3 سنوات نضال

حفلات أم كلثوم للمجهود الحربى

قد لا يعرف بعض محبى فن كوكب الشرق أم كلثوم، أنه كان لها دور وطنى كبير فى دعم بلادها خلال الوقت العصيب الذى مرّت به مصر خلال فترة الستينيات؛ خصوصًا فى مرحلة بناء الجيش المصرى بعد هزيمة 1967م، فقد أشيع خلال هذه الفترة أنها كانت سببًا فى هزيمة الجنود بسبب أغانيها العاطفية الطويلة التى كانت بمثابة مخدر لكل مستمعيها.



هذه «التهمة» جعلتها تفكر فى اعتزال الفن، لكن كان للرئيس الراحل جمال عبدالناصر قرار آخر، وأقنعها بالتراجع عن هذا القرار، وأثنى على كل ما قدمت وذكّرها بأنهم خلال الحروب الماضية التى خاضها الجيش المصرى، كانت أغانيها شريكًا أساسيًّا فى جلساتهم وتدب فيهم الحماس.

ورُغم الحملات التى شنت ضد أم كلثوم وحالتها النفسية السيئة؛ فإنها قررت دعم الجيش المصرى بفنها ولم تتأخر للحظة فى أن يكون عائد جميع حفلاتها لصالح الجيش المصرى؛ لتخطى المحنة العصيبة التى عاشتها مصر، وقامت بجولات غنائية داخل وخارج مصر لجَمع الأموال للمساهمة فى إعادة بناء الجيش المصرى من جديد، وسُميت هذه الحفلات باسم حفلات المجهود الحربى.

4 سنوات عملت فيها كوكب الشرق دون أن تحصل على دولار واحد، وأقامت عددًا من الحفلات الغنائية  فى كل بلدان العالم، وتحمّلت عناء السَّفر، الذى كان على نفقتها الخاصة، بجانب معاناتها من المرض، وذلك بعد أن تجاوز عمرها الـ 60 عامًا. كانت إيرادات حفلات أم كلثوم  فى الأوقات العادية من العام لا تتجاوز الـ 18 ألف جنيه، لكنها بعد إعلان أول حفل لصالح المجهود الحربى استطاعت أن تجمع 80 ألف جنيه فى حفل دمنهور، أمّا فى الإسكندرية فبلغ عدد الإيرادات والتبرعات من سكان المحافظة 100 ألف جنيه،  إلى جانب 40 كيلو من المجوهرات قدرت وقتها بـ 82 ألف دولار، وفى حفل المنصورة جمعت 125 ألف جنيه، وفى طنطا 284 ألف جنيه.

أم كلثوم المناضلة- كما لقَّبَها إذاعيو هذه الفترة- لم تكتف بالحفلات المحلية، وبدأت أولى حفلاتها الدولية بحفلها الشهير على المسرح الأوليمبيك بالعاصمة الفرنسية باريس، وبعدها بفترة قليلة أقامت حفلها الثانى فى الدولة نفسها وجمعت من حفلات باريس 212 ألف جنيه استرلينى قدمتها كاملة لصالح المجهود الحربى وإعادة بناء الجيش المصرى. 

أم كلثوم بالثوب السودانى

من البلاد التى أحيت أم كلثوم فيها حفلات غنائية خلال هذه الفترة، كانت  السودان، وارتدت خلال هذا الحفل الزى السودانى، وبعدها طلبت من وزير الإعلام السودانى أن يقدم لها عددًا من دواوين الشعر لشعراء السودان لتختار منها أغانى جديدة، كنوع من التقدير لشعب السودان، ووقع اختيارها على أغنية «أغدا ألقاك» للشاعر السودانى الهادى آدم، وقدمتها الست لأول مرّة فى حفلها الشهرى على المسرح القومى بالقاهرة عام 1968م.

زارت أم كلثوم عددًا من الدول تغرّد بصوتها، متجاهلة مَرَضها، وكل ما يدور فى ذهنها هو أن تخدم بلادها وأن تكون قدوة لفنانى عصرها، ومن الدول التى أحيت حفلات بها لبنان والكويت وأبوظبى وباكستان والمغرب وتونس والخرطوم والبحرين وليبيا والعراق.

لم يمر عام 1970م إلا وكانت أم كلثوم قد قدمت للجيش المصرى أكثر من 3 ملايين دولار، شملت أجر حفلاتها الغنائية وبعض التبرعات التى جمعتها بالإضافة إلى بيعها لجزء كبير من مجوهراتها، وخلال هذه الفترة كانت تصرفات أم كلثوم قدوة لغيرها من الفنانين الذين اتبعوا خطواتها فى دعم جيش بلادهم، وكان من أبرزهم «عبدالحليم حافظ وفاتن حمامة وشادية وتحية كاريوكا وفريد شوقى» وغيرهم من نجوم هذه الفترة.

بعد المجهود الكبير الذى قدمته أم كلثوم للوطن فى هذه المحنة، جاء دور الدولة لتكريمها، فأرسل لها الرئيس جمال عبدالناصر جواز سفر دبلوماسيًّا، وأرفقه برسالة قائلًا فيها إن أم كلثوم أعظم سفير لمصر فى العالم، بالإضافة إلى حصولها على جائزة الدولة التقديرية للإبداع الفنى  لما قدمته للشعبين المصرى والعربى.