الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العزلة والتواصل فى عهد كورونا 

ريشة: عمرو الصاوى
ريشة: عمرو الصاوى

واشنطن صارت عاصمة العزلة والانعزال.. وبالتأكيد مقرا آخر لممارسة التباعد الاجتماعى. ابعد عن كورونا أينما كنت وغنيله. شوارع عاصمة القرار الأمريكى خالية من السيارات والمارة.. وأغلب العاملين فى أجهزة الدولة يمارسون وظائفهم الرسمية عن بعد .. من منازلهم!.عفوا، الحياة التى اعتدناها انتهت وأصبحت مجرد ذكرى طيبة ولنا حنين لها ولزمن انقضى. المتاحف والمسارح ودور السينما أغلقت أبوابها لحين إشعار آخر حفاظا على صحة الزبائن.. من تم وصفهم فى الفترة الأخيرة بالبشر الحذرين أو المذعورين!!



أهل واشنطن وضواحيها عزلوا أنفسهم وراء  جدران بيوتهم. وطالما لا مدارس ولا جامعات ولا تردد على أماكن أعمالهم فقد قاموا بتخزين احتياجاتهم وتحديدا الغذائية.. إضافة إلى رولات ورق التواليت. وطبعا حواديت ورق التواليت وتكالب البشر عليها (ويا للعجب) صارت موضع سخرية وانتقاد على كل لسان بكل اللغات!! وقد اهتمت وسائل الإعلام بهذا الهوس الجماهيرى الذى قد يتكرر بشكل عام مع احتمال أى كارثة طبيعية تضرب بالبلاد. وتحدثت الأرقام عن أن حجم بيزنس ورق التواليت فى أمريكا يقدر بأكثر من ثلاثين مليار دولار سنويا. وأن الأمريكى فى المتوسط يستهلك ثلاثة رولات ورق تواليت فى الأسبوع الواحد(هكذا يقولون). وفى أجواء الضجة المثارة مؤخرا تم ابتكار ما يمكن تسميته بعداد ورق التواليت الإلكترونى  موقع على الإنترنت أو تطبيق تقوم أنت من خلاله بتحديد ما لديك من رولات وعدد مرات استعمالك لورق التواليت. ومن ثم يتبين لك إلى متى يمكن استعمال ما لديك من مخزون استراتيجي؟!. عشنا وشفنا!!. مالو الشطافة بفوائدها الجمة؟!

صحيفة «وول ستريت جورنال» فى تغطيتها لكافة جوانب وباء فيروس كورونا وتداعياته اهتمت بالطبع لما حدث من هوس لشراء كل ما هو على أرفف المتاجر الكبرى (محلات سوبر ماركت) وحسب تقرير صحفى نشر على الصفحة الأولى للجريدة عن أحد المتاجر فى لوس أنجلوس  فإن مبيعات علب التونا مؤخرا زادت بنسبة 30 فى المائة مقارنة بنفس الفترة فى العام الماضى. كما أن ما تبقى على الأرفف ـ بعد غزوات المستهلكين المتكررة ـ كان مجرد أكياس البامية المجمدة وعلب اللحم النباتي!! . والأمر الملفت للانتباه أن هذا التوجه الشرائى كان السائد والمنتشر  على امتداد البلاد.

مواجهة كورونا.. وخبرة الأطباء

مراحل تفاعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع الوباء وانتشاره فى الولايات المتحدة بالتأكيد صارت موضع مراقبة ومتابعة وتقييم سياسى وإعلامى أمريكى. وهذا ليس بالأمر الغريب فى العرف الأمريكى. وقد لاحظ المراقبون أن فيروس كورونا ـ أو كوفيد 19 قد تم تسميته من جانب الرئيس نفسه على امتداد الأسابيع الماضية بتسميات مختلفة بدءا بـ«الفيروس الأجنبى» مرورا بـ«الفيروس الصينى» ووصولا «للعدو الخفى». وفى إطار المتابعات السياسية والإعلامية كان ملفتا للانتباه ومثارا للانتقاد ـ مدى عدم استعداد الأنظمة الصحية أو الطبية أو مراكز العلاج فى الولايات المختلفة للتعامل مع المرضى بفيروس كورونا بدءا باختبارات التأكد من الإصابة أو عدمها وصولا لأجهزة التنفس المستخدمة فى العلاج. إن قدرة المستشفيات ومراكز العلاج فى الولايات المختلفة على استقبال المرضى ـ بأعداد كبيرة وعلاجهم بدت محدودة وضعيفة فى دولة غنية وقوية اقتصاديا وتكنولوجيا مثل أمريكا فى عام 2020. هذه القضايا الشائكة بتفاصيلها الصادمة طرحت على الملأ وبشكل مفصل للتعامل معها بهدف إصلاحها وتطويرها وتحديثها لمواجهة تحديات كورونا ـ وما بعده.

صحيفة «نيويورك تايمز» فى تقرير لها بتاريخ 22 مارس 2020 ذكرت أن قائمة الأدوية التى قد تساعد على علاج كورونا وصلت إلى نحو 70 دواء ـ يتم التشاور حول فاعليتها بين العلماء فى أمريكا والعالم. وبالطبع يتم إجراء اختبارات وتجارب من أجل إمكانية استخدامها فى القريب العاجل. علاج أعراض الإصابة بكورونا بالإضافة إلى إمكانية إيجاد لقاح ـ مصل للتحصين هو الهدف المنشود والوصول إليه يحتاج إلى شهور قد تطول. 

وفى هذه الأجواء من التوتر والقلق والهلع لا شك أن وجود أنتونى فاوتشى مدير المعهد القومى الأمريكى للحساسية والأمراض المـعدية له أصـداء ايــجـابية لـــدى الــرأى الـعـام ( كما يبدو)  طالما أنه يمثل العلم والوعى العلمى والإدراك السليم والشامل لما حدث وما قد يحدث فى مواجهة وباء كورونا. إنه فاوتشى بتصريحاته المتزنة وردوده الصريحة والمباشرة لأسئلة الصحفيين وأيضا حرصه على زيادة وعى الأمريكيين بالحقائق العلمية - بصوت خافت وبنبرة هادئة. كل هذه العوامل جعلت منه شخصية عامة جديرة بالتقدير والاحترام. ومع تزايد شعبية د فاوتشى لم يتردد المراقبون للمشهد الواشنطنى فى القول ـ كيف وإلى متى ستظل علاقة الاحترام المتبادل ما بين ترامب  ود فاوتشى قائمة؟ على أساس أنه بدا الاختلاف فى الرأى واضحا عندما أعلن الرئيس ترامب فى مؤتمراته الصحفية اليومية أنه يأمل خيرا وعلاجا لكورونا فى استخدام دواء خاص للملاريا ـ قيل أنه قد يكون له بعض النتائج الإيجابية فى علاج كورونا. فى حين شكك د فاوتشى وعلنا فى حضور الرئيس وفى المؤتمر الصحفى نفسه مع رأى الرئيس بطريقة لبقة ذاكرا أنها تجارب علمية دوائية لم يتم بعد التأكد من سلامة الدواء أو الأعراض الــجــانبية لاستخــدامــه . نــعم إلــى مــتى سيظـــل د فاوتشى فى الصورة أو المشهد أخذا فى الاعتبار شخصية الرئيس ترامب وتمسكه الدائم برأيه ـ مهما كان الأمر وغالبا عدم قبوله للرأى المخالف لرأيه حتى لو كان هذا الرأى رأى وراءه خبرة سنوات من العلم والتجربة؟  

الجانب الآخر للتباعد عن الآخر 

ولا شك أن التباعد الاجتماعى.. أو الحفاظ على مسافة بينك وبين الآخر أو فلنقل ابتعادك تماما عن الزحام هو الحدث الأكبر والحديث المهيمن فى أمريكا الآن. وكم هائل من مقالات نشرت وحوارات تليفزيونية دارت من أجل شرح كيفية اللجوء إليه والتمسك به فى زمن كورونا. ودائما تتكرر النصيحة إياها أن تبتعد عن البشر وأن ترتمى فى أحضان الطبيعة (إذا كان فى إمكانك أن تفعل ذلك). 

وإنها فرصتك الآن فى أن تكون لوحدك فى الأماكن العامة والحدائق.. وأيضا الشواطئ .

وهذا هو المطلوب  والمنتظر فى الفترة الحالية. ولكن ـ كما أشار أكثر من طبيب نفسى عليك أن تعمل فيما بعد (مين عارف امتى؟) من أجل مواجهة ما لهذا التباعد الاجتماعى من آثار نفسية على حياتك الشخصية. وقد تساءل البعض مع انتشار عادة الابتعاد الاجتماعى وتفادى التلامس والتواصل مع الآخرين: ماذا يمكن أن نفقد مع غياب اللمسة فى حياتنا؟.حول اللمسة وأهميتها بالنسبة لصحة الإنسان النفسية والعقلية والجسدية وما يوصف أحيانا ب Skin Hunger (جوع البشرة) كتبت ورسمت كريستين رادتكى فى صحيفة «نيويورك تايمز» ـ عدد 21 مارس ـ لقطات ولمحات كوميكس على امتداد صفحة كاملة من صفحات الرأى. والمؤلفة الرسامة قامت بتأليف كتاب يصدر قريبا يتناول الوحدة فى أمريكا. ما لاحظه من يراقبون التغييرات المتتالية فى حياتنا اليومية وفى انعزالنا الإجبارى أمام الوباء المتفشى بأن قائمة أكثر مائة كتاب مبيعا فى موقع آمازون ـ للإتجار الالكترونى  ضمت ٧٤ كتابا للأطفال. فمع تواجد الأطفال فى البيوت ومعهم أولياء أمورهم وأمهاتهم ( لا مربيات ولا جليسات أطفال فى أغلب الحالات) صارت القراءة مع الطفل مطلوبا وضروريا وحيويا فى أيام العزلة (مشهد جدير بالاهتمام). كما أن مع بدء فترة العزلة وفى أيام معدودة بلغ عدد المشتركين الجدد فى زووم ـ التطبيق المستخدم فى الحوار الجماعى عبر الإنترنت أكثر من 275 ألفا. إنها طريقة للتحاور والتواصل الجماعى عبر المسافات وكل فى عزلته وانعزاله عن الآخرين وربما أيضا عن أفراد أسرته.

 إننا نعيش فى زمن كورونا.. ولزمن كورونا حواديت كثيرة.. غريبة وعجيبة. لا يمكن تجاهلها أو عدم الوقوف أمامها. خاصة أنه زمن عير ويغير وسوف يغير حياتنا ودنيانا وأيضا نظرتنا ورؤيتنا لهذه الحياة ولأنفسنا كبشر فى الشهور والسنوات المقبلة.