الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ست الحبايب

ست الحبايب

يمر الزمن وتتوالى الأيام، ويأتى اليوم الذى يعيدنا أطفال نبحث عن حضن الامهات..نخلع أردية القلق والمتاعب والصراعات اللانهائية فى البحث عن موضع قدم لتحقيق الذات..يأتى عيد الأم  فيتسابق البعض يهرول للبحث عن هدية تسعد أمه، فيها الاعتراف بالأفضال والإعتذار عن تقصير تفرضه طاحونة الأيام..والبعض الآخر هم من فقدوا أمهاتهم، فيجترون أحزانهم وذكرياتهم مع تلك المناسبة التى تجدد وجع الفراق الذى لا ينته..



وتعود فى هذا اليوم كل الذكريات، الحب والحنان والحميمية..طعم الكلمات، ورائحة الأنفاس، ودفء النظرات الحاضنة الباسمة التى تمنح أكسير الحياة. ويأتى الصوت الذى يجلجل المشاعر التى يحملها القلب تجاه صاحبة الجاه، فيسرع للقاءها فرحا سعيدا..أو بإنهمار الدموع المحملة بالذكريات الجميلة التى تسكن الوجدان..إنه صوت العظيمة/فايزة احمد وهى تغنى وتطربنا بأغنية"ست الحبايب"..كلمات الشاعر الكبير/حسين السيد وألحان الموسيقار/محمد عبد الوهاب، والتى تجسد مشاعر الأم بكل تفاصيلها الدقيقة، رغم أن كتابتها إستغرقت دقائق قليلة!!..فقد كتبها الشاعر الكبير ليقدمها هدية لأمه، يوم 20 مارس عام 1958..حيث ذهب لزيارتها ليلة عيد الأم، وتذكر بعد صعوده للدور السادس أنه لم يأت بهدية..فهداه فكره لكتابة أغنية عوضا عن ذلك..وجلس على السلم ممسكا بالقلم، وإنسابت منه الكلمات التى عبرت عن مشاعره الصادقة تجاه والدته التى كان يناديها "ست الحبايب"..ثم طرق الباب مسرعًا ليسمعها لها..وأمام فرحتها الغامرة بأغنيتها، وعدها أن تسمعها فى الإذاعة بصوت أحد كبار نجوم الطرب..وإتصل على الفور بعبد الوهاب ليسمعه الكلمات التى أعجبته بشدة، وبدأ مباشرة فى تلحينها..لتفاجأ والدته فىاليوم التالي بإذاعة الأغنية بصوت محمد عبد الوهاب وعلى عوده فقط..وبعدها بصوت فايزة أحمد..وكانت "ست الحبايب" من أوائل الأغاني العربية التى قدمت بطريقة الفيديو كليب..حيث تحمس المخرج/محمود الصيفي لإخراجها، رغبة فى تخليد الكلمات التى حركت مشاعر كل من سمعها تجاه أمه..فقدمها من خلال الفنانة/عزيزة حلمي التى أدت دور الأم ببراعة، واستعان بزوجة شقيقه الفنانة/زهرة العلا لأداء دور الإبنة، مع باقى المشاركين الذين جسدوا دور الأبناء والأحفاد الذين أحاطوا بالأم، للتعبير عن إمتنانهم وحبهم لها..وأصبحت هذه الأغنية أجمل وأصدق ما جسد مشاعر الامومة حتى يومنا هذا..دون أن يعرف  كاتبها حينها أنها لن تكون لأمه فقط، بل لكل الأمهات لأجيال وأزمنة مختلفة..ليثبت لنا أن العمل الجاد الذى يقدم بوعى ومشاعر صادقة يظل راسخا كالأهرامات..وكما أبدع حسين السيد فى الكلمات تفوق عبد الوهاب على نفسه فى وضع اللحن بموسيقى راقية تمس القلب، وترقق المشاعر..ومع الإحتفال كل عام ننتظر أن يقدم عمل فنى يماثل هذه الأغنية، فلا نجد رغم مرور ما يزيد عن الستين عاما..بالقطع هناك أغانى كثيرة عن الأم نالت قدرا كبيرا من النجاح، كأغنية "أحن قلب" للفنان الكبير/محمد فوزى والمطربة/نازك كلمات/عبد العزيز سلام..و"ماما يا حلوة" للقديرة/شادية، كلمات/كمال منصور وألحان/منير مراد..وأغنية السندريلا/سعاد حسنى "صباح الخير يا مولاتى" كلمات الشاعر الكبير صاحب الابداعات المتعددة صلاح جاهين والحان كمال الطويل..وأغنية  "كل سنة وأنت طيبة يا مامتي" للفنانة/وردة الجزائرية، كلمات/عبد الوهاب محمد، وألحان/بليغ حمدى..وفى السنوات الأخيرة خرجت أغاني كثيرة للأم ايضا  من أهمها:"الست دي أم" للفنان/خال عجاج، كلمات/مجدى النجار، وألحان/رياض الهمشرى..و"أمى الحبيبة" لهشام عباس، كلمات/أيمن بهجت قمر، وألحان/وليد سعد..وغيرهما الكثير..ومع هذا العدد الكبير من الأغانى ظلت "ست الحبايب" فى مكان ومكانة لم يصل إليها عمل إبداعى آخر عن الأم!!..فى الحقيقة كانت الأسر أكثر ترابطا وودا، وكان الفن مرآة للمجتمع، يصور المشاعر الإنسانية التى تزيد من الترابط الأسرى، وتنمى الحب والوفاء بين أفراد العائلة..فنجد أغانى للأم والأب والإبن والأخ والأخت والحماة والأصدقاء، فكانت هناك رسائل دائمة لدعم الترابط الإنسانى..وكانت الاذاعة بكل محطاتها تكرر إذاعتها، وخاصة فى الفترة الصباحية بجانب البرامج العائلية مثل "إلى ربات البيوت" وغيره..ولم تنس الأطفال كعنصر هام فى الأسر، فكانت تقدم برامج مثل:"غنوة وحدوتة" لأبلة فضيلة و"حواديت عمو حسن" وغيرها..فرغم أن الترابط كان مضاعف لما هو قائم الآن، إلا أن الاعلام كان يقظ أن الأسرة نواة المجتمع، ويجب أن تظل قائمة ومترابطة ومتحابة، فكان يدعم ذلك بالأعمال الفنية..ولكن تهاون الإعلام وتخلى عن هذا الدور..ومع سرعة حركة الحياة، وزيادة الوسائل الإعلامية، تباعدت الاعمال الداعمة..وأصبحنا نادرا ما نجد عمل غنائى بناء..فالكلمة وهى بداية قوة العمل أو ضعفه ركيكة، والألحان متشابهة يغلب عليها الإعداد الموسيقى أو إعادة توزيع وليست بابداع موسيقى حقيقى..ويظن القائمون على الفن أن المتلقى لا يدرك الفروق، ولكن يظهر ذكاء المتلقى فى عدم سطوع أى عمل فنى بقدر كبير..وبدلا من التقدم والتجديد، أصبح الملاذ فى الأعمال القديمة التى غادرنا مبدعوها منذ عشرات السنين!!..نعيدها بأصوات مختلفة أقل جمالا وأضعف إمكانيات!!..وتقدم فى حفلات هامة، سواء حفلات رئاسية أو فى حضرة رؤساء زائرون، أو فى مناسبات قومية وإجتماعية متكررة!..ويتساءل الكثيرون لماذا لا تقدم أعمال جديدة تنافس القديمة أو تتفوق عليها بفعل تطور الزمن؟..هل السبب ضعف الإنتاج؟..قلة المبدعين؟..أم غياب الرؤية للقائمين على تنمية الفن ودعم الموهوبين؟!