السبت 23 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
العشرة لما تهون

العشرة لما تهون

الخاين يقدر يخون، لا يراعى محبة، ولا يحافظ على سر، ولا يصون أخلاقًا، يقطع كل حبال الود اللى المفروض العشرة بتربط بيها الناس، بقواعد ثابتة لقانون العيب وأصول الواجب.



حين يعاشر الناس بعضهم، تتأسس لديهم قيم إنسانية، تدعوهم للالتزام بالخير المتبادل، فى إطار من الرضا والقبول والترفع عن الصغائر، والتلاقى حول العيش المشترك والمحبة المتبادلة، التى تضمن أن تمر الحياة بغير نفور، وتستقر أمور المعيشة بروح التبسط والانبساط.

حددت الجماعة الشعبية المصرية لابن الحرام سلوكًا شاذًا، غريبًا، مريبًا، يحل كل الروابط، ويقود كل الضوابط والمعايير التى اتفق عليها الناس فى معاملاتهم وعلاقاتهم، ليضبطوا إيقاع الفعل الفردى، حتى لا يصطدم ولا يخالف ألفة الجماعة وتوحدها فى صراعها الدائم مع منغصات الحياة وتقلباتها. تشدد الناس فى وصف الخارجين عن نصوص القيم والأخلاق، بأنهم أولاد حرام، يعنى أولاد الرذيلة، الذين لم يسمح المجتمع، ولم يوافق على وجودهم بصورة شرعية، تضمن لهم اندماجًا طبيعيًا بين الناس.

إنه التشدد الذى قد يبدو قاسيًا فى التعبير، غير أن وعى الجماعة بآليات العقاب والتحذير والردع، يدرك كل الإدراك كيف يبث المفاهيم، ويصدر الرؤية الناضجة بنضوج التجربة العريضة والعميقة. هنا يأتى المثل الشعبى ليعلن أن: العشرة ماتهونش إلا على الخاين وابن الحرام، ورغم أن هذا المثل قد تبدو وجهته واحدة، يصف فعلاً سلبيًا، أو قولاً شائنًا، لكنه فى ذات الوقت يعبر عن إيجابية التصرفات فى العلاقات، حيث إنه يمكن أن يشير إلى فعل طيب للذين صانوا العشرة وحافظوا عليها، إذ أن سياق المثل ودواعى إطلاقه والموقف الذى يعبر عنه، يُشير بصورة واضحة إلى مأربه ومبتغاه، إنه التعبير العبقرى والحكيم، الذى يوجه الناس نحو وجهة صحيحة تحرك السعى فى اتجاه ترسيخ القيم، وتعزيز الواجب، وتفعيل الأصول.

لعل هذا المثل الذى يبدو واضحًا وضوح الشمس والقمر والنجوم، إلا أن احتياجنا إلى إعادة بثه والتذكير به، هو الدافع نحو طرحه هنا على مائدة الوعى والتنبه والفهم والقراءة المتأنية، لعلنا نكشف به عن المدى الذى تحرك فيه الخيال الشعبى، ليضبط إيقاع المعدن النفس لبنى البشر، وهو الأمر الذى قد يدعونا إلى متابعة ومراجعة ما أصبحنا عليه، لعلنا نشحذ همة الفعل الطيب، الذى يدعو إلى الاقتراب، دون الفرقة والاغتراب.

«وكانت لقمة تجمعنا، ونسمع آهة الغاليين ونتألم.. ونتعلم أصول الفرحة مع غيرنا ولا تهنا ولا احتارنا، لأن الصورة كانت واضحة، طعم الضحكة لما ترن، نشم الحب فى الأركان .. نجيب بكرة عشان يفرح، ويعزف غنوته ف ألحان.. هنا الناس اللى كانوا عزاز.. وكات العشرة تجمعنا بدون ألغاز.. وكنا نفتح الشبابيك لطير عطشان.. وباب مفتوح على الواسع.. ومش ممنوع ولا مانع.. بأنك تبقى جوا الدار، مادام انت تكون إنسان».