الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أنا لست حرة!!

أنا لست حرة!!
أنا لست حرة!!


 
قد يثير عنوانى بعضا من الدهشة والاستنكار ولا أخفى هذا الأمر، فأنا نفسى كنت أعتقد يوما أنى حرة.
 
ولكن كلما كبرت عامًا كلما تلمست قيدا جديدا لم أكن أراه، وكما تتوالى السنوات تتوالى المفاجآت التى يحملها لى المجتمع كامرأة وكأنى نصفه عندما يحدثنى فقط عن حقوقى، ونصفيه معا عندما يحملنى أعباءه.
 
إننى ألوم على هذا المجتمع الذى يفصل بينى وبين أخى ونحن لانزال فى أرحام أمهاتنا هو الولد - الرجل - وما أدراك ما الرجل حامى الحمى وجندى العائلة المجهول.
 
بينما أنا - البنت - مشروع امرأة دائما ناقصة العقل والدين.
 
نكبر ويكبر مع كل منا امتيازاته وإن كنت أعود بكلمة امتيازات تحديدا على الرجل لأنه يعيش فى عالم بلا حدود مع اختلاف هوية تلك الحدود أو مداها بدءا من قراراته الشخصية التى تغرس فيه منذ طفولته على أنه سيد قراره.
 
أما عنى كفتاة فأعامل دائما كعبء، وحتى لا يتهمنى البعض بالتحيز أو المغالاة، فأنا أتحدث عن واقع أنثوى نعيشه جميعا داخلنا أو أحسسنا به فى إحدى مراحل حياتنا وإن لم نصرح به فهذا لا ينفى وجوده، وإليكم حقيقة هذا الواقع الأنثوى الذى لا أتحدث فيه عن الاستثناءات أو الخارجات عن القاعدة العامة ولن أقول الشاذات منهن لأننى فى كل الأحوال لا أقبل وصفهن بذلك وإن كنت أقصد بالمرأة تلك التى تحترم أنوثتها.
 
المرأة التى أتحدث عنها عادة ما تكون حبيسة إما لأفكار أو عادات أو تقاليد وكثيراً التزامات، فهى دائماً - تحت المراقبة - وعندما تتساءل عن سبب كل هذا الارتباك فتكون الإجابة بأن المجتمع لا يرحم.
 
وسأتوقف قليلا عند هذه العبارة فبالفعل المجتمع لا يرحم المرأة لا قبل ولا بعد زواجها وخاصة إذا كانت أرملة لأنها بلا رجل فإما أن تتزوج وتحتمى برجل بدلا من ظل الحائط أو تحبس أنفاسها وتراقب كيف وأين ومتى تخطو!!
 
فدائما لابد وأن تراعى أنها أنثى وهذه تقال تحديداً للفتاة قبل زواجها لأنها تكون فريسة للنصب والاحتيال والخداع من شقائقها الرجال باسم الحب، وبالتالى عليها أن تصون نفسها بحجابها واحتشامها وإن لم تلتزم بتلك الحصون الدفاعية فلا تلوم إلا نفسها فغير المحجبة تكون أحيانا فى نظر المجتمع هى المخطئة وإن لم تكن كذلك فعدم التزامها بالحجاب ينتقص من حقها فى الدفاع عن نفسها وهذه أبجديات قد تكون نوقشت كثيرا إلا أن المجتمع لم ولن يتنازل عنها، أما إذا تحدثت وطالبت بحريتك فى ارتداء ما تريدينه فتكون الطامة الكبرى باتهامك بأنك على شفا رحلة الانحراف وتكون الإجابة عن هذا الاندفاع المتهمة به «أن البسى ما تشائين فى بيتك ولزوجك»، وإذا تحديت وضعك بهذا السجن الانفرادى وخرجت ناشدة الانطلاق واجهت تطفل الرجل ومضايقاته وأحيانا تحرشاته لتعودى إلى بيتك خائفة حزينة تبحثين عما يسترك من عيونهم الجائعة وكأنك أيتها المرأة ليس لك أن تكونى لنفسك امرأة وإنما يجب أن تكونى لغيرك دمية آدمية تهيأ لوظيفتها داخل بيت الزوجية فقط، ورغم ذلك فلا أرى منقذا فى حياة الزوجة التى ربما تخطت مراحل متطورة فى التحرر، ولكن هذه الحيرة التى أراها فى عيون كل امرأة متزوجة عما تريد أن تفعل وعما هو متاح لها أجد الفجوة تتسع شيئا فشيئا، إلا أنها بشكل أو بآخر قد تحاول سرقة بعض من هذه اللحظات التى تبنى لديها إحساسها بنفسها وسعادتها فإما أن تبحث ذلك فى جلسة مع صديقاتها أو إحدى قريباتها فى فضفضة نسائية تحلق معها فى سماء بلا حدود تنسى معها قليلا من الالتزامات المفروضة عليها.
 
أما عن الفتاة غير المتزوجة والتى تعمدت الحديث عنها مؤخرا لإعطائها بعضا من حقها، فهى تعيش حرية مغلفة بخيوط من حرير ناعمة كبراءتها ولكنها قوية متشابكة صعب الفكاك منها، يظلمها المجتمع مراراً وتكراراً لدرجة قد تصل أن تتوازى أعباؤها الاجتماعية إلى أعباء امرأة متزوجة مع عدم الحصول على امتيازاتها وإن قلت، فعليها أن تخضع لسلطة دائماً أعلى منها قد تكون سلطة الأب أو الأم أو الأخ وهناك دائما خطوط حمراء لا تتخطاها، هى لم ترسمها ولكنها ملزمة أن تقرأ مبادئها جيداً وتسير وفقها كى لا تتعثر بها وتلقى عقابها مع تفاوت درجات العقاب، هذا بخلاف العقاب النفسى الواقع عليها إذا لم تتزوج بينما أختها وقريباتها وصديقاتها ممن هن فى عمرها تزوجن ولديهن أطفال، ودائما توجه إليها نظرات لوم وعتاب صامتة بأنها المسئولة عن ذلك وإنها السبب فى حزنهم وآلامهم دون أن يشعروا بمدى الألم الذى تشعر به هى، لأنها أيضا تتمنى أن تكون لها حياتها الخاصة ولكن لم تجد من يشاركها تلك الحياة، وبعد فترة تجد البنت نفسها محاصرة من أهلها بعبء نفسى رهيب إما أن تتزوج أول من يطرق بابها مع التأكيد أنه ليس هناك عريس كامل إلى إحساسها بالضيق أحيانا الذى قد يصل إلى حد إحساسها بالغربة وسط أهلها وحساسيتها الشديدة تجاه كل كلمة تقال أو موقف يحدث مما يجعلها تساهم على استحياء فى مصروفات البيت وغيرها من الأشياء التى تبدو بسيطة.
 
فأقر ومعى بنات جنسى أننى بلا شك أعيش فى مجتمع ذكورى ذى نكهة أنثوية أتعايش معه دون أن أطالب بالتحرر منه، لأنه لن يمنحنى حريتى أبداً مهما علا صوتى وتعالت صرخاتى إلا إننى أقتنصها بطريقتى وهذا ما نفعله جميعا نحن وصديقاتى نون النسوة، فقد أدعى الحرية أحيانا ولكن بمفاهيمها المتعددة أو أرتدى أحد الوجوه التى تؤكد على حريتى وانطلاقى فى مجتمع يفرض علينا أكثر مما يعطينا، ورجل يحلم بامرأة كاملة رغم نقصه، وأب يتمثل فى ابنته العفة وهو يعلم ما تعانيه، وأم تنتظر فيها الزوجة المطيعة لزوجها كما كانت هى يوما ما.
 
الجميع يطالبها دون أن يسألها ماذا تريد هى؟ أو عما يسعدها؟ ولكن لن يتجرأ ليقول لها أنت حرة!!!