السبت 26 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المصريون القدماء أول من كرموا الأم

المصريون القدماء أول من كرموا الأم
المصريون القدماء أول من كرموا الأم


عرف المصريون القدماء تكريم الأم قبل آلاف السنين، كرموها وقدسوها واحتفلوا بها، فالحضارة المصرية القديمة هى أول من نسجت خيوط هذا التكريم منذ الآف السنين كعيد مقدس للأم ابتداء من الدولة القديمة استمرارا حتى أواخر عهد البطالمة، لذلك اختار المصريون القدماء العدد الأكبر من آلهتهم من الأمهات بعد أن اتخذوا من إيزيس رمزا للأمومة.
 
من أهم القيم الإنسانية فى الحضارة المصرية القديمة الاعتراف بأهمية دور الأم وتقديرها، فكانت للأم مكانة عالية ومنزلة رفيعة باعتبارها منبع الحياة ورمز الحنان والتضحية من أجل أسرتها وأولادها الأمر الذى جعل لها ذلك الدور المؤثر فى تكوين المجتمع المصرى القديم عبر تاريخه الطويل.
 
وآثار مصر القديمة هى خير دليل على تقديس الأم، فتماثيل المعابد ونقوشها الرائعة تبرز هذه المكانة المتميزة للأم التى تحظى بالاحترام والتبجيل. وجاءت نقوش كل مقابر الملوك والوزراء وحتى العمال والأفراد تحتوى على صورهم مع أمهاتهم وزوجاتهم، وكانت الصور تدل على التقدير الذى قدمه المصرى القديم لأمه.
 
وقد ورد ذكر عيد الأم والنص عليه فى أكثر من بردية من برديات كتب الموتى، ذلك الشواهد الأثرية الفرعونية أدب الحكمة والخطابات الموجهة إلى الموتى ومنها احترام الأمهات وتبجيل الأم فى الأسرة الكبيرة والاهتمام باحتياجات النساء. لكون جميع الحضارات قامت على جناح الأم حتى إن بعض حكماء المصريين قالوا إن دعاء الأبناء لا يصل إلى آذان السماء إلا إذا خرج من فم الأمهات. وكان جميعهم يوجهون أولادهم بأن يحترموا أمهاتهم، ومن ضمن الحكم أثناء زواج الابن أن يعامل زوجته كما يعامل أمه.
 
ومن أجمل هذه الأمثلة والتى عبرت عن تقدير المصريين القدماء للأم ودورها فى الحياة ما جاء فى بردية «آنى» على لسان الحكيم المصرى القديم «آنى» ينصح ابنه بقوله «أطع أمك واحترمها، فإن الإله هو الذى أعطاها لك، لقد حملتك فى بطنها حملا ثقيلا ناءت بعبئه وحدها، دون مساعدة وعندما ولدت قامت على خدمتك أم رقيقة لك، ثم أرضعتك ثلاث سنوات، وأرسلتك إلى المدرسة كى تتعلم الكتابة، وفى كل يوم كانت تنتظرك بالخبز والجعة فى بيتها، فإن أنت شببت وتزوجت واستقررت فى دارك. فتذكر أمك التى ولدتك.. لا تدعها تلومك وترفع كفها إلى الإله فيسمع شكواها».
 
كما عثر على بردية للدولة القديمة يحتفل من خلالها بالأم، وجاء فى البردية «اليوم عيدك يا أماه، لقد دخلت أشعة الشمس من النافذة لتقبل جبينك، وتبارك يوم عيدك، واستيقظت طيور الحديقة مبكرة، لتغرد لك فى عيدك وتفتحت زهور اللوتس المقدسة على سطح البحيرة لتحيتك، اليوم عيدك يا أماه فلا تنسى أن تدعو لى فى صلاتك للرب».
 
اختار المصريون القدماء للاحتفال بعيد الأم آخر شهور فيضان النيل عندما تكون الأرض الخصبة معدّة لبذر البذور- أو بذور الحياة التى تبعث الحياة فى الأرض- لذلك شبهوا الأم بنهر النيل الذى يهب الحياة والخصب والخير.
 
 وتعتبر الإلهة «نوت» ربة السماء من أشهر الإلهات المقدسات عند المصريين القدماء وهى الآله التى تظلل الكون وترعاه، والتى خلدوها فى آثار معابدهم وفى متون الخلق والتكوين وفى الأساطير والبرديات المقدسة.
 
عندما كانت النساء فى مصر القديمة يترقبن حدوث الحمل وينتظرنه بلهفة شديدة إشباعا لعاطفة الأمومة الطبيعية لديهن، كن يتقربن إلى العديد من الآلهة والإلهات المسئولة عن حماية الأم وطفلها أثناء فترة الحمل والولادة، ومنهم «الإلهه حتحور» ربة الحب والأمومة وهى الأم الأولى للآلهة بصفتها «البقرة السماوية» التى ولدتهم وأرضعتهم جميعاً، أما «الإلهه إيزيس» ربة الحماية والأمومة والرضاع فهى أكثر الإلهات شهرة فى التاريخ الفرعونى، بل إنها أحياناً ترمز إلى «مصر» نفسها، وهى قرينة أوزوريس الذى صاحبته وساندته وقامت بعده بنشر عقيدته، وقد جسدها الأدب الدينى فى دورها البارز وسعيها كى تنتصر لحق ابنها حورس بعد وفاة زوجها «أوزيريس». لذلك اتخذ المصريون القدماء من إيزيس رمزا للأمومة.
 
وكانت إيزيس كثيرا ما تمثل وهى ترضع وليدها حورس، فصارت رمزا للأمومة والحماية من الشر أو السحر. ووضعوا تمثالها فى غرفة الأم ويحيطونه بالزهور والقرابين، ويضعون حوله الهدايا المقدسة للأم فى عيدها الذى يبدأ بالاحتفال به مع شروق الشمس التى يعتبرون نورها وأشعتها رسالة من إله السماء للمشاركة فى تهنئتها، كذلك المعبودة «تاورت» ربة الحمل والولادة، والمعبود «بس» رب البهجة والمرح، الذى يبعد الشر عن الأم وطفلها.