السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بعد منع عرض فيلم «نوح» .. كان فيه زمان ثورة

بعد منع عرض فيلم «نوح» .. كان فيه زمان ثورة
بعد منع عرض فيلم «نوح» .. كان فيه زمان ثورة


فيلم «نوح» للنجم راسل كرو الذى يجسد شخصية النبى «نوح» للمخرج دارين أرنوفسكى من الأفلام التى ثار عليها شيوخ الأزهر الأجلاء، ومن المتوقع إثارة أزمة أخرى عند العرض الجماهيرى لفيلم «الخروج» للمخرج ريدلى سكوت الذى يجسد فيه الممثل كريستيان بيل شخصية النبى موسى علية السلام الجارى تنفيذه حالياً.
 
المخاوف والهواجس التى يصدرها رجال الدين على مثل هذه النوعية من الأعمال لا مبرر لها، وإذا تأملنا الأعمال الفنية الأجنبية التى تناولت قصص الأنبياء منذ العشرينيات وما قبلها حتى وقتنا هذا سنجد أنها لم تؤثر بالسلب على من شاهدها، ومثل هذه الأفلام موجود على الإنترنت ومشاهدتها متاحة للجميع وفتاوى شيوخنا الأجلاء بحرمانية مشاهدة مثل هذه الأفلام لا يخرج عن مجرد اجتهادات غير مدعمة بآيات قرآنية لتؤكد حرمانية صناعتها ومشاهدتها.
 
نكن كل الاحترام والتقدير للأزهر وشيوخه وعلمائه، لكن مثل هذه الأعمال هى بمثابة نافذة تطل منها الأجيال الجديدة لتنعكس على وعيهم الدينى، فكم من الأبناء لا يحبون القراءة، سواء من خلال المطبوعات الورقية أو من خلال الإنترنت ويفضلون مشاهدة عمل فنى مرئى عن الشخصية، ولذلك المنع التعسفى لهذه النوعية من الأعمال ليس له سوى معنى واحد أن جهات المنع تتعامل مع المتفرج على أنه فاقد للوعى لا يفكر، ويقبل كل ما يصدر له خاصة إذا كان يتعارض مع معتقداته الدينية الراسخة والحقيقة المؤكدة أن منع عرض هذه النوعية من الأعمال لن يفيد والعمل الممنوع عرضه جماهيريا سيحقق نسبة مشاهدة مرتفعة بأى وسيلة مرئية أخرى بعيدا عن شاشات السينما.
 
منذ سنوات قليلة عرض المسلسل الإيرانى «الصديق» وحاز العمل على نسبة مشاهدة مرتفعة وحقق نجاحات جيدة رغم عدم عرضه بالفضائيات المصرية، ورغم أن هناك قلة لم يعجبها إلا أن ذلك لم يخصم من نجاحه ولا من قدر وقيمة ومكانة يوسف عليه السلام .
 
أيضا اعتدنا منذ سنوات مشاهدة أعمال دينية تتميز بضخامة الإنتاج على القنوات الدينية، وكان المتفرج يتابع هذه الأعمال بشغف وإذا لم يستطع العمل جذبه لأى سبب أو تحقيق قدر من الرضا عنه فالمؤكد أن المتفرج لديه الوعى الكافى لإدراك أنه فى النهاية أمام عمل فنى، وسواء كان جيدا أو سيئا، فإن مثل هذه الشخصيات تتمتع بمكانة وقدر لا يستطيع أى عمل فنى مهما كانت جودته أن يفى بحق الأنبياء ورسالتهم، ويجب على الأزهر تشجيع الإنتاج الضخم لمثل هذه الأعمال فى مصر وتقديم الدعم والمساندة بدلا من صرخاتهم وتهديداتهم، ولا أدرى لماذا لم تثر ضجة عند عرض فيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون جماهيريا عام 2004 رغم الاختلافات الموجودة بالفيلم المتعلقة بصلب المسيح عما ذكر بالعقيدة الإسلامية.
 
فى الوقت الذى تثار ضجة حول عرض فيلم «نوح» جماهيرياً فاجأنا الباحث السينمائى سامح فتحى بكتاب من تأليفه يضم 13 فيلما أجنبيا عن قصص الأنبياء أبرزها فيلم «ملك الملوك» إخراج سيسيل دى ميل عام 1927 وفيه يتناول قصة عيسى عليه السلام «وهو من أنبياء أولى العزم الخمسة» والذى أعاد تقديمه بنفس الاسم المخرج نيكولاس راى علم 1961 ويذكر أن هذا الفيلم عرض وقتها جماهيريا فى مصر، لكن لم يستمر كثيراً فى دور العرض نظرا لاعتراض الأزهر على تجسيد الأنبياء على الشاشة أيضا من أبرز الأفلام التى تناولها كتاب «أنبياء فى السينما العالمية» فيلم «الكتاب المقدس» إنتاج 1966 الذى رشح لجائزة أفضل موسيقى تصويرية بجوائز الجولدن جلوب والأوسكار وهو إخراج جون هيوستن ويتناول الفيلم عهد آدم وحواء وأبنائهما قابيل وهابيل ونوح وإبراهيم عليهما السلام وهما من أنبياء أولى العزم، والمثير أن الفيلم أتى بتفاصيل مذكورة فى التوراة وغير مذكورة فى القرآن الكريم فيما يخص قصة سيدنا «نوح» أيضا ورد بالفيلم أن الذبيح الذى أمر به الله سيدنا إبراهيم كان إسحاق بينما ذكر القرآن الكريم أن الذبيح هو إسماعيل.
 
تلك الاختلافات بين ما ذكر فى الكتب السماوية حرص الباحث والناقد السينمائى على ذكرها بكتابه باستفاضة بكل فيلم تعرض له بالنقد والتحليل، ورغم بعض الاختلافات الموجودة فى الأفلام حول الحقائق الموجودة بالكتب السماوية لم تر فيلما منها غير المعتقدات الدينية الراسخة لكل من شاهدها، لكنها فى النهاية كانت تهدف إلى الوعظ الدينى وتقديم نماذج إيجابية يقتدى بها الشباب فى ظل انتشار ظواهر سلبية سيئة مثل «الإلحاد» و«الشذوذ» بخلاف السلوكيات المنحرفة للشباب. ولا أعتقد أن الجهات الأجنبية التى أقدمت على الإنتاج الضخم لهذه النوعية من الأفلام كانت لديها نية الإساءة للشخصيات الدينية أثناء تنفيذ هذه النوعية من الأفلام فهم فى النهاية لا يريدون الخسارة، ويدركون جيدا خطورة وحساسية ما يقدمونه وانعكاسه على المتفرج أيا كانت جنسيته وعقيدته. نفس الإدراك والوعى متوافر فى المتفرج نفسه فهو يعلم جيدا أن الممثل مهما كانت درجة ألقه الفنى فى تجسيد الشخصيات الدينية إلا أنه لن يفى تلك الشخصيات حقها ومكانتها، ولن تغير هذه الأعمال معتقداته الراسخة، لذلك على الأزهر إعادة التفكير فى الرفض التعسفى للأعمال الدينية التى تتناول قصص حياة الأنبياء خاصة أن هذه الأعمال لا تحمل إساءات وتتم مراجعتها من قبل رجال الدين. ليس مقبولا على الإطلاق فرض وصاية على الأعمال الدينية فى عصر الإنترنت وتطور المجتمعات.