الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أجهزة ذكية.. وعقول غبية

أجهزة ذكية.. وعقول غبية
أجهزة ذكية.. وعقول غبية


 
 «هما إيه اللى وداهم هناك»
 
«لو كنا أجانب كانت الطائرات طلعت تدور علينا»«المصريين ملهمش ثمن»
 
 تابع تلك العبارات السابقة واقرأها بعناية أكثر ثم اختر من بينها الجملة التى عبرت بها عن حزنك على ضحايا سانت كاترين.. من المؤكد أنك قلت عبارة منها وربما الثلاث.. شعرت براحة ضمير وأنت تؤدى دور الببغاء الإلكترونى بمنتهى البراعة والحرفية.
 
اسمعك تقول من مكانى هذا ...يااااااااااااه ده موضوع قديم قوى.. انتوا لسه فاكرين!!!
 
«جهاز علاج فيرس سى طلع كفتة»
 
 «اللى يشكك فى جهاز الجيش يبقى عميل وخاين وقابض من أمريكا»
 
تابع مرة أخرى تلك العبارات واختر من بينها وجهة نظرك الإلكترونية الببغاوية.
 
سانت كاترين.. جهاز فيرس سى.. موقفك من باسم يوسف.. رأيك فى ترشح السيسى.. جوازة عماد الدين أديب.. رأيك فى مصطفى بكرى وتوفيق عكاشة.. حلقات مرتضى منصور... حاول أن تتذكر تعليقاتك حول تلك المواقف.. هل كانت جميعها ملكا خالصا لعقلك وتحليلك.. أم كنت تحاول استجداء الرضا من القطيع المحيط بك.. لا يهم إلى أى فريق تنتمى وأى من اللجان الإلكترونية تؤيد.. الأهم أن يكون انتماؤك الأول والأخير لتلك الهبة العظيمة التى أودعها الله داخل جمجمة جنابك.. ملحوظة: أنها للاستعمال وليست للركن.
 
إذا كنت أنت ببغاء إلكترونيا.. أو تعرف أحدهم.. أو تخاف على نفسك من التحول إلى ببغاء .. تابع معى هذا التحليل لتلك الظاهرة.
 
وإذا كنت أبحث لماذا هذا الببغاء لا ينشط بقوة إلا إلكترونيا.. فتوجهت بسؤالى إلى د.حازم عبد العظيم خبير الاتصالات والناشط السياسى، يقول د. حازم: إن خلق رد الفعل الجماعى على أى من شبكات التواصل لا يأتى صدفة أو نتيجة لآراء ناس حقيقية فتلك هى مهمة اللجان الإلكترونية، وكيف لا ينتابنى الشك وأن أرى رد فعل سريعاً جماعياً موحداً فى أقل من ساعة.. وهم فى طريقة التأثير هذه يعتمدون على أكثر من عامل.. أولها اللعب على نظرية المؤامرة التى أصبحنا نتبناها جميعا وكأننا نعلم بكل ما خفى والتى أصبح أيضا الإعلام شريكاً فى تغذيتها لدى الناس.
 
ثانيا هم يعتمدون على أن لا أحد يقرأ أو يتقصى الحقيقة، فالجميع يأخذ بالجانب السهل ويضغط ببساطة على خيار شارك فنصبح جميعا نتبنى نفس الرأى ونردد نفس الشعارات.
فإذا شعرت تلك اللجان ببعض التأنى والتقصى لدى رواد شبكات التواصل قد يتوقف عملهم تماما وتهدأ الأحوال.
 
وعن سؤالى له هل تستطيع الحكومات فرض رقابة على نشر شائعات مغرضة، مثل هذه أو التحكم فى محتوى البعض.. علق قائلاً: مستحيل أن يحدث هذا أو أن تتحكم أى أنظمة فى محتوى شبكات التواصل.. ولكن الرد على التكنولو جيا يكون بالتكنولوجيا والحجة بالحجة فالردود السريعة الصادقة والدقيقة والمدعمة بالحقائق تستطيع أن تخرس جميع الألسنة وتضع كل حدث فى حجمه الحقيقى.
 
وعن تأثير ما يحدث فى شبكات التواصل على الشارع المصرى يقول د. حازم: إنه ليس مؤثراً على الشارع ولكنه بشكل من الأشكال ينقل الحالة الموجودة فى الشارع، فأى عائلة الآن لديها فرد أو أكثر على الفيس بوك مهما اختلف المستوى الاجتماعى أو الاقتصادى، ولكن ما يؤثر على الشارع حقيقة هو الإعلام المرئى والمقروء والذى بدوره للأسف ينقل عن شبكات التواصل فأصبحنا ندور فى حلقة مفرغة من الأخبار الكاذبة والتصريحات الملفقة، وإن استطعت أن ألخص ذلك أقول إننا أصبحنا من أسوأ الشعوب استخداما للتكنولوجيا خاصة شبكات التواصل، ويأتى هذا نتيجة لارتفاع نسب الأمية الثقافية فأصبح الفيس بوك لدينا هو مصدر المعلومة الوحيد بصرف النظر عمن قالها وما هو مصدره، ولا نشعر بذنب كبير إذا تأكدنا بعد ذلك أنها لم تكن معلومة صحيحة من الأساس.
 
فسرى لنا لِمَ هذا الببغاء ينشط إلكترونيا فقط.. ولكن الأهم بالنسبة لى لماذا أصبحنا ببغاوات من الأساس.. أجابت عن هذا التساؤل د.نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع السياسى:
فى البداية أحب أن أنوه إلى أن حادث سانت كاترين يعد فى المقام الأول كارثة طبيعية أو حادثة قدرية.. يمكن أن تحدث لأى شخص وفى أى مكان بالعالم، وإن حدثت لا يجب تحميل وزرها لحكومة أو أشخاص.. فلماذا لا نتقبل ذلك مع أننا من الشعوب المؤمنة التى تسلم بالقدر والنصيب.. على عكس ما يحدث فى بلاد أخرى وشعوب نصفها نحن بالكفر والإلحاد، فهناك احترام كامل لقدرية مثل تلك الحوادث.
 
ثم تضيف: أن التسابق للإلقاء باللوم على الحكومة وتحميلها المسئولية فى أى حادث عارض لا ينم إلا عن ظاهرة مرضية اجتاحت الشعب المصرى، وإن دلت على شىء لن يكون سوى العقل الخاوى ونقص الوعى والإدراك ومؤشر على التخلف الذى وصلنا إليه.. فنحن لسنا فى مطبخ الحكومة ولا نعرف تفاصيل اتخاذ أى قرار وعلى ذلك نسارع بالأحكام المسبقة.. بل يمكن أن نتبنى آراء الآخرين وندافع عنها بعنف دون أن نعطى عقلنا فرصة للتحليل والبحث عن الحقيقة، وأعتقد أن فى ذلك تجسيدا للمثل المصرى الشهير «عاوزين جنازة ونشبع فيها لطم» أنه مثل لم يأت من فراغ فهو يحاكى بقوة طبيعة المصريين.
 
وعن مسئولية ماضى الحكومة عن تلك التهم تقول: غير صحيح أن لماضى الحكومة معنا دخلاً بذلك بدليل حكومات الثورة التى اختارها شباب الثورة وبدأوا فى الهجوم عليها منذ اليوم الأول.. وبدليل تصيد الأخطاء لأى وزير جديد دون أن ننتظر لنرى أى إنجاز له.. فى الثلاث سنوات الأخيرة تعاقب علينا وزراء وحكومات كثر وجميعهم فقدنا الثقة فيهم فور توليهم المسئولية.
 
وتضيف: وأعارض من يقول إنها ظاهرة جديدة بسبب أحداث الثورة، فهذا هو موقفنا من الحكومة منذ السبعينيات تقريبا، ولكن الملاحظ أن حدة التصريحات تزداد والتطاول على المسئولين وإلقاء التهم جزافا على الآخر، وأصبح إلصاق تهم العمالة والتخوين من أسهل ما يمكن ويمكننى أن أعتبر هذا من نتاج الثورة برغم أنه موجود بداخلنا طوال سنوات طويلة، وهو نتيجة طبيعية لانخفاض مستوى التعليم.. فقط الثورة ساهمت فى إظهار تلك الصفات المرضية فينا.
 
وعن ردود الأفعال العنيفة التى تملأ صفحات الفيس بوك فور وقوع أى حادث تقول د. نادية: أنا لا أستبعد إطلاقا أن يكون هذا بفعل الكتائب الإلكترونية، فأمثال هؤلاء دائما فى وضعية الاستعداد لإحداث مثل هذه ويحاولون عادة إشاعة رأى موحد سلبى يجعل أصحاب العقول الخاوية ينساقون وراء ما يقولون ولولا معرفة المحرضين بوجود تربة خصبة تسمح بترديد شعاراتهم وتصريحاتهم لما قاموا بالتحريض.. وأنا فى ذلك لا أستطيع تبرئة كل إنسان يسمح لنفسه بتبنى آراء الآخرين دون إعطاء عقله فرصة للفهم والاستقصاء.
 
فيجب أن يعى كل منا أنه يمكن أن يصبح أداة لإثارة الفتن فى فترة عصيبة تمر بها مصر.
وعن تأثير هياج الفيس بوك على الشارع المصرى أرى أن هذا رأى غير دقيق، لأن ما يحدث على الفيس بوك ما هو إلا محاكاة لوضع الإعلام والإعلاميين الذين أصبحوا المصدر الوحيد للمعلومة الآن لدى الناس، ويعد ذلك بالنسبة لى مؤشراً خطراً بالنسبة للفترة القادمة.. فكيف لا يدرك الناس مدى تلون هؤلاء الإعلاميين ولهثهم وراء المصالح وكسب مزيد من الأموال ولا يهم إن كان ذلك على حساب دولة، فالموقف المعادى الذى يتخذونه الآن لن يختفى حتى عند تقلد السيسى مقاليد الحكم.. سيستمر وسيصبح الأمر كارثيا إذا ردد الناس ما يقولون لأننا بذلك سندخل فى حلقة مفرغة من الاتهامات ولن يستطيع كائن من يكون أن ينقذ مصر وينتشلها من أزمتها.
 
وتختتم حديثها قائلة: إذا حاولت البحث عن حل سأستعين بعبارة الفيلسوف منتسكيو «القانون يجب أن يكون كالموت لا يستثنى منه أحد» فنحن نحتاج لقانون يجرم التطاول وإشاعة الفوضى.
 
فى النهاية.. أراك قارئى العزيز قد أدركت حجم قدرتك على تدمير.. أو تصحيح الأشياء.. أراك قد انتويت التقصى قبل التصريح.. إذا استطعت أنت ومن حولك فعل ذلك فلن يصبح من يجادل أو يسير عكس اتجاه القطيع قادماً من كوكب آخر.. سيصبح من الطبيعى والمنطقى أن نتحاور ونختلف ونتقبل بعضنا الآخر.