الجمعة 16 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أنا.. رئـيس جمهورية نفسى

أنا.. رئـيس  جمهورية نفسى
أنا.. رئـيس جمهورية نفسى


 
مواطن لا يحمل فى جيبه رخصة سيارة أو بطاقة ائتمانية وربما قد نسى أيضا بطاقته الشخصية وهو فى طريقه مسرعا إلى عمله الذى تأخر عليه ما يقارب نصف الساعة، دخل إلى عربة المترو وهو لايزال يتمتم.. اقترب منه أحد الشباب كما اقترب من غيره فى دعوة لأحد الأحزاب الجديدة والذى - على حد قوله - يضم فئات الشعب البسيطة ويتحدث عنها بل يدافع عن وجودها،
 
 فنظر إليه المواطن فى استياء موكدا أن حزبه سيكون كغيره من الأحزاب «حبر على ورق» وفى محاولة من الشاب لإقناعه ببرنامج الحزب حتى اندفع الرجل فى حديثه قائلا «شاركت فى الحزب الوطنى سابقا ليس اقتناعا منى ببرنامج حزب أو غيره إنما كان هدفى تيسيير بعض الصعاب التى أواجهها فى حياتى وخاصة أننى أعمل فى وظيفتين وكان أحد نواب الحزب الوطنى هو من ساعدنى على مشاركتى بالحزب نظرا لظروفى المادية الصعبة، ورغم ذلك كانتكل استفادتى منه أنه عندما يقف الميكروباص فى كمين أظهر لهم كارنيه الحزب. وبعد الثورة مزقت الكارنيه بعد أن اتهمنى أصدقائى فى العمل بأنى فلول وأنى كنت فى الحزب الوطنى. فانتميت لأحد أحزاب الثورة لأنهم أقنعونى أننا بدأنا عصرا جديدا من الديمقراطية والحرية وأن صوتى مهم، وللأسف لم يختلف الحزب الثانى عن الأول عن الثالث الذى شاركت به وكان تابعا لحزب جماعة الإخوان باعتبارهم هم أقوى ناس فى البلد وقتها وبعد سقوطهم قررت أنه لا أحزاب ولا سياسة «تليفزيونات» وإنما رغم ثقافتى البسيطة هتفضل لنا سياستنا التى نفهمها نحن فقط وغيرى كثير من أبناء الشعب الذى لن يقتنع بأن هناك من يشعر به أو يتحدث باسمه إلا لمصلحته الشخصية.
 
موقف قد يعكس كثيرا مما يدور فى الشارع المصرى، فبينما تدور المناقشات والمداخلات والتغييرات الوزارية يظل عقل المواطن المصرى له ثقافته وكلماته التى تعبر عن واقعه بعدأن فقد الثقة فى كل ما هو نخبوى وتحول هو العقل المفكر والمنفذ فى كثير من المواقف حتى السياسية منها.
 
∎المواطن النخبوى
 
تؤكد الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع أن المواطن المصرى ذكى جدا ويتعامل مع الواقع من مقعد المراقب لكل ما يجرى من أحداث، كما تعززت الثقة فى نفسه بشكل كبير جدا خلال الفترة السابقة. حيث إنه فى السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت هناك حالة من اللغط السياسى الكبير، بمعنى أن تحولت السياسة من فكر وثقافة إلى مجرد وظيفة لمن يتحدث بها فأصبح الجميع يتحدث سياسة دون أى وعى بل ويكون لديه توجه يريد أن يفرضه على الجميع سواء من خلال الإعلام عبر برامج التوك شو أو من خلال المشهد السياسى العام والتعامل وفق سياسة الأمر الواقع، ونكتشف بعد كل هذه المناقشات والمداخلات بين من يسمون أنفسهم نخبة هى ليست أكثر من كلمات غير مترابطة ولا تؤدى إلى معنى حقيقى واضح لأن من يدقق فى كلام هؤلاء الصفوة المجتمعية يجدهم جهلاء سواء فى الفكر أو طريقة الطرح ويعتمد على الجدال ورفع الصوت دون حقيقة علمية يستند إليها.
 
أما على الجانب الآخر من الأحزاب السياسية فنجد أن الواقع له رأى آخر بأنه ليست هناك حياة حزبية حقيقية فى مصر ومعظم الأحزاب المتواجدة هى ليست حزباً بالمعنى العلمى والعملى للكلمة ولكنه لم يخرج عن نطاق مكان ينتمى إليه بعض الأشخاص بناء على تاريخه أو أسماء أشخاص به وليس على أفكار ومبادئ التى من المفترض على أساسها تم تشكيل الحزب وليس على أساس علاقات وتقاربات.
 
فالأحزاب الآن تنشأ بشكل شخصى وتبنى على اهتمامات شخصية فليس فى برامجها ما يناقش القضايا المجتمعية. ومن ناحية أخرى نجد أنه مع كثرة هذا اللغط السياسى نرى المواطن المصرى وهو مواطن الشارع قد مل كل هذه التراهات ويتابعها فقط من باب التسلية وأحيانا يكون له فكره الخاص الذى يكونه عقله الذى أصبح يعتقد أنه لا فرق بينه وبين فكر النخبة لأنه قادر هو الآخر على التفكير والقرار ولم يعد يرى من مسافات بينه وبين هؤلاء فيقرر أن يكون هو سيد موقفه ويتحول من متلقى إلى ناقد. ويظل حزب الشارع هو الحزب الأكثر مصداقية لديه لأنه يمثل واقعه الذى يعيشه دائما.  
 
∎سيد قراره
 
ترى الدكتورة سامية الساعاتى أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلى للثقافة أن المواطن العادى الآن أصبح يمارس السياسة بشكل كبير ويرى أنه بالفعل قادر على خوض هذا المجال بلا تردد أو خوف كما كان فى السابق، وهذا نتيجة للمناخ السياسى الذى نعيشه الآن والذى أتاح للجميع أن يتكلم سياسة، دون أن تعد حكرا على فئة معينة إنما أصبحت مهنة الجميع والكل يشترك بها وفق أفكاره وثقافته حتى إن بعضهم قد يتحول مع انتشار «منافذ السياسة» إلى أن يكون سيد قراره نظرا لعدم اقتناعه بالأحزاب السياسية ودورها فى الشارع. وهذا يعود إلى أن الشخصية المصرية بها ثوابت ومتغيرات والثوابت بها كالوعود البراقة والمبالغات مع كل عهد ومع كل سياسة جديدة ونكتشف فى النهاية أنه لم يختلف عن سابقه وإذا أجريت دراسة على ظاهرة الانتخابات وما يحدث بها نجد أن أساليب إدارتها لم تختلف عن السابق من هتافات ووعود ومنافسات شريفة وغير شريفة ومع كل مرة يصدق المواطن تلك الوعود على أمل أن يوفى بها أحدهم.
 
وعن فقدان ثقة المواطن فى السياسة ومن يتحدث بها لذلك قرر أن تكون له سياسته الخاصة فى إدارة حياته.. تقول الساعاتى: نحن شعب ذكى، ولا يعنى ثقتنا فى المرشح أو السياسى بشكل عام أننا شعب «عبيط» ولكن من يخدعنا دائما ما تكون لديه كاريزما أكثر تأثيرا فى المواطن ويدرس الشخصية المصرية جيدا حتى يجيد التعامل معها، ونحن نعطى مصداقية لما يطرح أمامنا لأننا فى حاجة إلى استقرار وإلى من يأخذ بأيدينا. لذلك فرغم أن الشخصية المصرية دائما ما تبالغ فى إمكانياتها حتى فى سياسة الأحزاب وفى برامجها تكون أكبر من قدراتها لأن المبالغة ستظل هى العنوان والسمة المميزة لكل الأحزاب والأفعال المصرية. ومشاركة المواطن فى السياسة حتى إن كانت على غير ثقافة ليس هناك ضرر فى ذلك لأنها تعد خطوة إيجابية أفضل من أن يتحول إلى السلبية والإحجام عن المشاركة ولكنه فى النهاية له ثقافته السياسية الخاصة التى استقاها من الشارع والتى تتحكم كثيرا فى أفكاره وخياراته.
 
∎سياسة لقمة العيش
 
يقول الدكتور يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى ومدير مركز جامعة القاهرة لرعاية المسنين: إن المواطن المصرى يهوى بشكل عام العمل الجماعى سواء داخل حزب أو مؤسسة أو نقابة وفى هذه الأثناء يمارس السياسة والتى أحيانا ما تكون بشكل مختلف عن السياسة بمعناها الثابت عبر الانتخابات أو البرلمانات وغيرها من النوافذ السياسية المعروفة، كما أن هناك من يؤثر السلامة ويتجه نحو اهتماماته الخاصة وهناك من يمارس السياسة بشكلها النظرى وليس العملى وهذه هى غالبية الشعب المصرى ورغم ذلك فممارسة المواطن العادى للسياسة هى ظاهرة صحية لأن المواطن عندما ينظر إلى مشاكل الوطن والمجتمع يتأثر بها ويحدث نوع من المشاركة وإن كانت غير فعالة بين طرفى المعادلة المجتمعية
.
وبشكل عام فإن السياسة لدى المواطن العادى هى لقمة العيش وأن يسير فى حياته بخطى هادئة دون أن يشتبك فى دائرة اوسع منه تتسبب له فى حالة من الصراع النفسى.