العربـى.. مكتسح الملعب!

اكرم السعدني
صحيح الدنيا حظوظ ومزاجات على رأى عمى الجميل سعيد صالح أطال الله عمره.. منذ عدة أيام سمعت برحيل نجم كرة القدم فى النادى الإسماعيلى أيام عزه الكابتن العربى ولم أصدق الخبر ولكن تلقيت مكالمة من فاكهة الكرة فى بر مصر الكابتن على أبوجريشة كان صوته حزيناً لما جرى، فصحيح الموت مكتوب علينا ولكن تاريخ وعطاء الكابتن العربى كان يستحق من إخواننا فى الإعلام بعض الاهتمام.
ذلك لأن العربى لو كان لعيبا فى النادى الأهلى لقامت الدنيا ولم تقعد وإذا كان لعيبا زملكاويا فإن الفضائيات والجرائد والمجلات كانت ستتسابق لفرد الصفحات وكتابة قصص وأساطير من نجمها المحبوب بعضها حقيقى وأغلبها قد يكون من نسيج الأحلام.. ولكن حظ الكابتن العربى الأغبر أنه ظهر فى نادى من أندية الأقاليم وهو نادى يخصص فى إنتاج مواهب كروية لها مذاق خاص وفريد لا تنتجه أية أندية كروية لا فى مصر ولا فى محيطها العربى، وقد كان العربى يغوى الكرة ويبادلها عشقا بعشق، فهى أيضا أحبته ودانت له وأطاعته وكان مشهورا عنه أن الكرة مربوطة فى رجله أى أن العربى لو تمكن منها فلا خلاص للكرة ولا فكاك لها من رجل العربى، فهو سيمضى بها إلى حيث يشاء وسيرسلها إلى حيث يريد إما لزميل أو لتحتضن الشباك، ولكن العربى كان له عيب وحيد اشتهر به وسط زملائه فو كان فى كل مباراة يختار نجما معينا وهو بالتأكيد نجم أهلاوى أو زملكاوى وأحدهم لا يزال باقيا على قيد الحياة أطال الله فى عمره.. والعربى رأسه وألف سيف لازم يمرر الكرة من بين رجلين ضحيته والعجيب أنه كان ينفذ مبتغاه ويحول سيقان هؤلاء النجوم إلى كبارى لعبور الكرة، وقبل أن ينتزع آهات الجمهور.. كان هو شخصيا يحدث له حالة طرب وانشكاح لا مثيل لها، ومن كثرة ما أنهك العربى أحد هؤلاء النجوم الكبار وكان يلعب لنادى السواحل وهو الكابتن «ع.ح» قام الأخير بتمزيق ثلاث فانلات للعربى وبعد أن تعرض الكابتن إياه للإعياء الشديد من كثرة ما رقصه وغزله العربى أصدر حكم المباراة أغرب قرار فى التاريخ بطرد اللاعب إياه حفاظا على حياته وكأننا فى مباراة ملاكمة يحق للحكم أن ينهى المباراة لعدم التكافؤ، هذا الكلام لم أشاهده بأم عينى ولكننى سمعته من الولد الشقى السعدنى الكبير طيب الله ثراه الذى عشق النادى الإسماعيلى وانحاز له وكتب عنه، وكان السبب فى أن تولى المهندس عثمان أحمد عثمان رئاسة النادى الإسماعيلى وظل السعدنى نصيرا للإسماعيلى حتى نال بطولة الدورى العام واكتشف أن للإسماعيلى الحق فى اللعب فى بطولة الأندية الأفريقية أبطال الدورى وعرض الأمر على المعلم عثمان أحمد عثمان الذى وافق على هذا الزمر وتوج الإسماعيلى مشواره فى البطولة فى الفوز بأول كأس إفريقية على مستوى مصر والعالم العربى، عندما فاز على انجلبير الرهيب بثلاثة أهداف لهدف واحد فى العام 1969 وكانت البسمة الوحيدة التى ارتسمت على وجه مصر منذ الوكسة العظمى فى عام 1967 ولكن مع الأسف الشديد لم يكن الكابتن العربى من بين الإحدى عشر لاعبا الذين كان لهم الفضل والشرف فى الفوز بكأس أفريقيا، فقد أصيب بالغضروف واتجه إلى إنجلترا لإجراء جراحة ثم أجبرته النكسة بعد ذلك على اعتزال الملاعب مبكرا دون بروبجندا أو أى مباراة اعتزال، ولم يكن وحده الذى قاسى هذه المأساة.. بل إن جيلا جميلا كاملا.. كان ضحية لها واضطروا جميعا إلى الاعتزال المبكر والاتجاه إلى مجال التدريب منهم شحتة والعربى وقد أسعدنى الحظ أن انضممت إلى ناشئى الإسماعيلى وكان عمرى أيامها 13 سنة وتحت إشراف الكابتن العربى مدير قطاع الناشئين فى مركز شباب الجزيرة عام 74 لا أذكر تصورت أن أحلامى سوف تتحقق ولو عن طريق الكوسة، وكيف لا والعربى وكل جيله والإسماعيلى بأكمله يحفظ للولد الشقى مركزه ويذكر له جميله ولكنى اكتشفت أن أحلامى كانت أكبر من قراراتى، فقد جاء الولد الشقى طيب الله ثراه ليسأل يوم الاختبارات عن أحوالى، فقال له الكابتن العربى بالحرف الواحد.. عارف يا عم محمود بتاع اللبن اللى بعت ابنه.. فقطع!! وضحك الولد الشقى والكابتن العربى ولكن الغم كان من نصيبى، فقد أدركت أن عالم الكرة أوصد أبوابه فى وجهى إلى الأبد، ولكنى لم أشعر مع ذلك بأى نوع من أنواع الغضب من الكابتن العربى ولكن تأكدت أن الإسماعيلى سيكون فى أيد أمينة تختار وتحسن الاختيار وما كنت أتمناه فقط أن يتم تكريم هذا اللاعب الفنان والذى لحسن حظه تم تكريمه بالفعل من دولة الفنون عندما غنى له ثلاثى أضواء المسرح النبهاء الثلاثى جورج وسمير والضيف أحمد.
العربى مكتسح الملعب الملعب.. يشوط.. ويروح يطلب.. سحلب!!
ولكن إذا كانت دولة الفنون قد كرمته فى شخص الثلاثى وأغانيهم.. فإن مصر الدولة ممثلة فى وزارة الرياضة لم تقم بما يجب عليها القيام به وحتى محافظة الإسماعيلية موطن الرأس لم يفعل شيئًا يذكر للكابتن العربى، وأيضًا الإعلام مع شديد الأسف اشترك فى هذا التجاهل تجاه موهبة كروية شامخة وقامة باسقة ظهرت على البساط الأخضر. ولكن لأن صاحبها ارتدى الفانلة الصفراء، فإنه لم يأخذ القدر الكافى من التكريم، وآه لو أنه كان من أتباع الفانلة الحمراء أو من الذين ارتدوا البيضاء.. لقامت الدنيا وهاصت وزاطت.. ولكن ماذا أقول.. لا أملك سوى أن أترحم على الكابتن العربى أحد النوابغ الكروية العظمى التى أنجبتها الملاعب الخضراء فى مصر وعالمنا العربى والقارة الأفريقية.. كان موطنه الأصلى هو المدينة رائعة الجمال التى لا تنبت سوى الطيب من الثمر.. والبشر أيضًا من أرض الإسماعيلية خرج هذا النبت الطيب والإنسان الخلوق والرياضى الذى ليس له مثيل وإلى نفس الأرض عاد رحمه الله رحمة واسعة!