الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أعياد المرأة بين الكورونا والتنين

فى محاولة لمعرفة رأى الجيل الجديد من الشباب الذكور حول «حقوق المرأة».. تكلمت مع يوسف (18سنة) وقلت له: «إيه رأيك فى موضوع أعياد المرأة التى نحتفل بها فى شهر مارس؛ 8 مارس اليوم العالمى للمرأة، 16 مارس يوم المرأة المصرية، 21 مارس عيد الأم»، رد علىّ دون اهتمام: «عيد الأم هو الوحيد الذى أعرفه، أما يومى المرأة العالمى والمصرى، فلا أعرف عنهما شيئًا...ولكن يوحى لى وجود يوم للمرأة أن لديها أمرًا، وتريد أن تلفت الانتباه إليه بهذه الاحتفالات».



 قلت له «اليوم العالمى للمرأة هو ذكرى تظاهرات الآلاف من عاملات النسيج فى شوارع نيويورك فى 8 مارس 1908، وهن حاملات للخبز والورود وتطالبن  بتخفيض ساعات العمل ومنح النساء حق الاقتراع، ثم صار يومًا عالميًا للمرأة عندما اعتمدته  منظمة الأمم المتحدة  لأول مرة سنة 1977 ، أما اليوم المصرى للمرأة فهو ذكرى أول تظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطانى فى ثورة 1919 وسقوط شهيدات طالبن بالحرية والاستقلال الوطنى. 

وفى السنوات الأخيرة صارت هاتان الذكرتان مناسبتان للاحتفال بإنجازات المرأة المصرية، ومناقشة حقوقها المنقوصة فى المجتمع الذكورى»، وما أن لفظت كلمة ذكورى حتى ارتفع صوت يوسف قائلًا: «يعنى إيه ذكورى، أنا لا أفعل شيئًا ضد حقوق البنات!!».

النظام الذكورى لا يخص الرجال فقط

انتبهت أن كثيرًا من الرجال قد يفهم كلمة  «ذكورى» على أنها إشارة له شخصيًا، وقد يرى نفسه بريئًا من هذه التهمة مثل «يوسف»!. 

والحقيقة أن النظام الذكورى المهيمن بثقافته ومؤسساته وقوانينه الذى يستغل النساء لصالح الرجال هو صناعة تاريخيه قديمة جدًا، وتعتبر العائلة الأبوية -عبر التاريخ- التى يستحوذ فيها الرجل على  السلطة، ويُخضع فيها النساء والأطفال لمصالحه، هى الوحدة الأساسية لهذا النظام الأبوى، وفى هذا السياق أثبتت المؤرخة  «غيردا ليرنر» فى كتابها المهم «نشأة النظام الأبوى»، الذى ترجمه «أسامة أسبر» للمنظمة العربية للترجمة (2013)،أن: النظام الأبوى، ومنذ بداية الاسترقاق، استغل الرجال على نحو رئيسى كعمال فقط، بينما تم استغلال النساء ليس فقط كعاملات بل كسلعة جنسية، وماكينة إنجاب للأطفال، ما يعنى أنه تم توظيف الفروق البيولوجية والجنسية بين الرجال والنساء والتى تتمثل فى التركيبة العضلية القوية للرجال والتركيبة الجسمانية الخاصة بالحمل والولادة للنساء، لإثبات كمال  وقوة وعقل ونبل الرجل، فى مقابل نقص وضعف وعاطفية ودنو المرأة، وبذلك اُستخدمت الصفات الطبيعية لتبرير سيادة الرجل على المرأة والنظام الذكورى بالكامل.

 وفى إطار هذا النظام حرمت أغلب النساء  لقرون طويلة من التعليم والعمل فى الوظائف الرفيعة للدولة وفى مجالات الفكر والثقافة والعلوم، وانشغلت بالأعمال الأقل قيمة (فى وجهة نظر النظام الذكوري) مثل: الرعاية المنزلية وتربية الأطفال.   

النظام الذكورى ليس إنتاج الرجال وحدهم بل النساء أيضًا، فعبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية: الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية استطاع النظام الذكورى تنشئة النساء على الطاعة والخضوع وقبول فكرة أنهن أدنى من الرجل، وتارة عبر عقاب النساء الثائرات، وتارة أخرى عبر منح الامتيازات للمطيعات، قبلت نساء كثيرات النظام الذكورى وخدمته أيضا، فقد تجد جدة فى عائلة ريفية هى أكثر أفرادها دفاعًا عن ختان البنات وزواجهن فى سن الطفولة، وعن حرمانهن من التعليم والميراث، وقد تجد أماً متعلمة  تفضل الذكور من أبنائها عن الإناث، وقد تجد امرأة مديرة أكثر عنفًا ودكتاتورية من الرجل المدير. 

اختلال النظام الذكوري

الاختلال فى النظام الذكورى مصدره ليس فقط الدعوات الدفاعية  للنسويات، لقد بات كل اختراع تكنولوجى وعلمي  قادرًا على اختراق  النظام الذكورى وإعطاء مساحات وحقوق أكبر للنساء، فعلى سبيل المثال: أدت الثورة الصناعية إلى اعتماد الإنسان على الآلات بدلًا من العمل البدنى الشاق، ما أعطى فرصة أكبر لوجود النساء فى سوق العمل. واليوم توفر تكنولوجيا المعلومات للنساء دورًا أكبر من الثورة الصناعية.

  وبعد أن كان إنجاب عدد كبير من الأطفال يعد من أهم أدوار المرأة، أصبح ليس له قيمة كبيرة، وصار الاكتفاء بعدد أقل من الأطفال هو الأفضل لصالح التنمية وحماية البيئة على الكوكب، حيث أصبح من الثابت أن تزايد عدد سكان كوكب الأرض يهدد الموارد الطبيعية والبيئة، وفى الوقت نفسه  استطاع التقدم الحادث فى مجال التطعيمات الأساسية والصحة العامة أن يقلل من وفيات الأطفال.

  بين الكورونا والتنين 

وتأتى أعياد المرأة هذه السنة وفيروس الكورونا يهاجم العالم، وإعصار التنين يهاجم مصر، وفجأة أدركنا أن مجرد كائن فيروسى ضعيف وتقلبات مناخية سيئة بعض الشىء يمكنهما وقف كل شىء؛ حركة السفر والبورصات والمسابقات الرياضية والمدراس والجامعات، وأن الحياة تحتاج إلى التضامن  والعدالة والمساواة لمواجهة الأخطار التى لا تفرق بين الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، دول العالم الأول والثالث. وأول أشكال التضامن والعدالة والمساواة لابد أن تبدأ بين «الرجال والنساء» لنقد النظام الذكورى، ومواجهة الحياة سويًا فى أوقات الرخاء وأوقات الكورونا والتنين.