
د سميح شعلان
يا بخت من قدر وعفى
البخت فى الثقافة الشعبية المصرية يعنى النصيب والرزق اللى فى علم الغيب، والحظ اللى متعرفش تخطط ليه، وساعات تبقى عطايا ملهاش حد، وساعات تبقى شحيحة ومعدومة فى بعض الأحيان.
فيقولك مثلاً الراجل أو الست ده أو دى مبخوت أو مبخوتة، أو بختهم من الدنيا قليل، وساعات ملهمش بخت خالص.
لعل مصالحة البخت وتعديل مساره إذا كان ينوى أن يميل، هو ما دفع الناس إلى تسمية أبنائهم وبناتهم بخيت وبخيتة، لعلهم يكونون من المبخوتين اللى رزقهم واسع وحظهم فى الدنيا كثير.
ولأن البخت مدارى وغير معلوم وفـى الغيب، الناس دايماً كانت تعمله حساب، وتفتش على معناه، وتدور على السر اللى بيخلى البنى آدم مبخوت.
استهلت كثير من الأمثال الشعبية المصرية منطوقها بـ«يا بخت» وهو ما يعنى يا سعده يا هناه، ربنا هيكافؤه والناس هتقدر فعله الطيب... لقد استطاعوا شحذ همة الخير، ودعم الطاقة الإيجابية وترسيخ القيم السمحة، وتفعيل التلاقى والاقتراب، وصد أذى الخصام والاغتراب.
هنا بلدى وناس بلدى اللى كانوا طيبين جدًا وكان حلمهم واضح... وكان رسمهم مفهوم وكان حلمهم سارح... وبكرة لو مالوش جناحين يطير على حكمة إمبارح... وإن الدنيا متفاته، وروح الرزق فـى المقسوم…
ولأن السماح هو طبع الملاح، فإن الواجب على المليح أن يمتلك القدرة على العفو، ساعتها يكون المسامح كريم. فإن استطاع الحساب والعقاب تمكن من عفو العافية، دون استسلام المجبر. على السلم والتراضى، والخشوع والخضوع والخنوع.
وضع المثل الشعبى للتصرفات قواعد، وللعلاقات أسسًا، وللمفاهيم ضوابط، تحدد للواجب أصولًا، وللعيب مداخل ومدخلات.
إنها الدعوة الحكيمة للتغاضى والتراضى والمسامحة، رسالة خلاصة تجربة بنى البشر فى الحياة غير أن ذلك مرهون بالقدرة على رد الفعل. وحين يرى المثل أن المترفعين عن رد الفعل مبخوتون، إذ إن فعلهم سيقدر ويصبح موضع امتنان، من المجتمع الذى يتابع الأقوال والتصرفات، ويضع أصحابها فى مكانة يستحقونها، من واقع الأداء الذى يؤدونه فى الحياة سلبًًا أو إيجابًا.
ولما الناس تكون واعية، وعارفة إن الحياة مشاوير.... وإن الخير مالوش آخر، وإن الحكمة فى التدبير... وإن ربنا شاهد، وعارف مين بيعمل إيه، ومين صادق ومين كذاب.
لعل هذا المثل الذى يخاطب الأفراد، ليعزز إيقاع فعلهم الطيب، ويهدئ من طاقة الصراع والانتقام، يسعى لإيجاد مساحات متسعة تسمح للود أن يسود، وروح المحبة أن تنتشر... وهى إرادة تكتنز بحكمة الزمن الطويل والخبرات المتراكمة، التى ترى فى ألفة الناس واقترابهم، ضمانًا لتيسير أمور العشرة فى الحياة التى يؤرقها الخصام، ويهددها التربص والانفلات والخصام.
كذلك فإن هذا المثل يحدد للانتصار وجهة، وللتخاذل اتجاهًا. فإن الانتصار على النفس مطلب، والترفع عن الصغائر من شيم الأقوياء النبلاء، الذين يحتفظون بطاقاتهم الإيجابية لفعل الخير، وفضح غباء الضعف وضعف الأغبياء. إذ إن غرور القوة ضعف، وانتقام الأقوياء من الضعفاء يحتاج إلى حكمة القوة، وقوة التحكم، وفطنة الفهم لـ مآل التصرفات.