الخميس 26 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

احكيلـى احكيلـى عن بلدى احكيلى

احكيلـى احكيلـى عن بلدى احكيلى
احكيلـى احكيلـى عن بلدى احكيلى


الوطن، تلك البقعة من الأرض التى يموت الناس فى سبيلها ويبذلون كل غالٍ ورخيص، تلك الكلمة السحرية التى تلهب قلب الإنسان وتحتل أغلى المراتب فى وجدانه. هل الوطن هو مجرد مكان أو سكن يعيش فيه الإنسان؟ هل هو مجرد أماكن صماء مهما بلغ جمالها قد يجد الإنسان ما هو أجمل منها فى بلاد أخرى؟ يجيب الرحابنة الكبار عاصى ومنصور وجارة القمر الفيروزة النادرة عن هذه التساؤلات ويخبروننا ما الذى يربط الإنسان بوطنه ولماذا يكون عنده أغلى من حياته ذاتها. تناول هذا الثالوث المبدع قضية الوطن فى العديد من الأغنيات بصورة مباشرة وغير مباشرة، ولكن تبقى هناك أغنيتان أعتبرهما علامتين بارزتين فى المشوار الرحبانى الفيروزى أسعد بتقديمهما لعشاق جارة القمر اليوم علهما تساعداننا أن نعرف (يعنى إيه كلمة وطن ؟)
 
أغنية رائعة فى حب الوطن كتبها الإخوان رحبانى بأسلوبهما المتفرد فى التغنى بحب الوطن البعيد كل البعد عن المباشرة بل وبدون ذكر أو تحديد لهذا الوطن ولكن بسرد تفاصيله الحميمة من أماكن وعناصر طبيعية وأشخاص يغرق الإنسان فى هذه التفاصيل ليسقطها على وطنه الخاص. فنحن وإن كنا نلمح ملامح لبنان من تفاصيل هذه الأغنية، إلا أن الأغنية لا تذكره تحديداً.
 
 
غنت فيروز هذه الأغنية فى أوج تألق صوتها فى فترتها الذهبية التى امتزج فيها قمة نضج الصوت بحرفية عالية بعد مئات الأغانى والأوبريتات والمسرحيات الغنائية مع الثنائى الرحبانى المبدع اللذين طوعا صوتها ليبلغ قمته فى الوصول لأعلى درجات الجواب والتنقل منها لأعمق درجات القرار فى سلاسة مذهلة متفردة كما نرى.
 
 
تبدأ الأغنية بحوار قصير بين النحاسيات والوتريات لينساب بعدها صوت الفيروزة التى تطلب من نسيم بلادها الذى يمر (اللى مارق) على الشجر أمامها أو فى مقابلها (مقابيلى)، تطلب منه أن يحكى لها عن بلدها بكل تفاصيله الجميلة ئالطبيعية وعن أشخاصه وذكرياته وسهراته، أى كل ما يمثل كلمة (وطن) للإنسان. تطلب منه أن يحكى لها عن أهلها، بيتها، وعن جار الطفولة حكاية طويلة ليغرقنا الحنين إلى أوطاننا وملاعب طفولتنا مع أصدقاء الصبا.
 
 
تستحلف فتاتنا (نسيمها) الذى يعبر بأرض الدار أن يجئ ليلعب بأرض الدار، ثم تسائله فى استحياء أن يخبرها إذا كان حبيب الصبا ببلادها مازال (إن كان بعدو) يتذكرها ببلدها وينتظرها على السهرة وتصرخ فى لوعة لتطالبه بأن يحكى لها ويذكرها بساعات الفرح القليلة التى مازالت تملأ مخيلتها ويشعلها حنينها إليها.
 
 
تستعيد الفتاة المزيد من الذكريات لتسأل عن حال الزيتون والصبى والصبية اللذين كانا يلهوان معاً بفَى أو ظلال الطاحون العتيق فى بلدها الحلو. تهتم فتاتنا بكل التفاصيل السحرية التى تمثل لها معنى الوطن فتسأل عن اللوزة والأرض والسماء التى تذكرها ببلادها، هواها الأصيل. وتصارح النسيم فى نهاية الأغنية أن كل هذه الذكريات تمثل لها زهر أيامها البخيلة الضنينة بالسعادة الذى تفتقده وتناشده أن يظل يحكى لها عن هذا الزهر الرائع لتتنسم عبق أيامها الخوالى السعيدة.
 
 
احكيلى احكيلى عن بلدى احكيلى يانسيمى اللى مارق عالشجر مقابيلى
 
 
عن أهلى حكاية، عن بيتى حكاية عن جار الطفولة حكاية طويلة
 
 
آآآه................ احكيلى احكيلى
 
 
يا نسيمى اللى مارق عا أرض الدار حلفتك تيجى تلعب عندى بها الدار
خبرنى إن كان بعده بيذكرنى ببلدى وعا السهرة ناطرنى
 
 
 
 
ساعات الفرح القليلة.... احكيلى احكيلى
 
 
حلفتك خَبِرنى كيف حال الزيتون والصبى والصبية بفَى الطاحون
 
 
خبرنى ...حلفتك خَبرنى   
 
 
خَبرنى آه آه آه خَبرنى
 
 
خَبرنى كيف حال الزيتون والصبى والصبية بفَى الطاحون آآه خَبرنى
 
 
واللوزة والأرض وسمانا
 
 
هَو هِنّى بلدنا وهوانا
 
 
زهر الأيام البخيلة.. حبى.. احكيلى
 
 
∎ وطنى
 
 
الأغنية الأيقونة بالنسبة لى للأغانى التى تتغنى بحب الوطن أيا كان اسم هذا الوطن أو مكانه، وترنيمتى أثناء ساعات الصفاء والخلود للجلوس مع النفس. أغنية عذبة وسلسة الألحان مع كلمات غير معقدة أو متقعرة تلخص فى وضوح حاسم ماذا تعنى كلمة (وطن). غنت فيروز هذه الأنشودة الجميلة فى مسرحية (جبال الصوان) عام 9691 والتى سبق تقديمها للقراء.
 
 
تبدأ الأغنية بجملة موسيقية رقيقة تتكرر بالآلات الموسيقية الوترية والنحاسية لتعقبها مناجاة فتاتنا المحبة لوطنها الغالى الذى قررت الموت فى سبيله فتحكى له ولنا ماذا يعنى لها. فهو بالنسبة لها الجبل الشامخ الذى يعلو فوق الغيم الأزرق وهو قمر مضئ ولكنه ليس كأى قمر، فهو قمر الندى والزنبق. وتتسامى مشاعر فتاتنا للذرى فتبوح لنا بسر حبها الحقيقى له لتقول إن الوطن ليس فقط الطبيعة الجامدة مهما كانت حلاوتها، ولكنه بالنسبة لها بيوت الأهل والأصدقاء وكل الذين يحبوننا، وهو أيضاً الثرى الذى توسدته أجساد أجدادنا الذين سبقونا بكل ما تحمل لهذه الأجساد من قدسية ومن سمو وتبجيل. وتعود فتبوح أنه رغم صغر مساحته، فإنه يتسع بالنسبة لها فيكون الدنيا وما فيها على اتساعها ورحابتها.
 
 
تعاود فتاتنا مناجاة وطنها فتصفه بأنه ذهب الزمان الذى مضى وضاع فى إشارة لمجده وسؤدده فى الماضى. ولكنها تقول أيضاً إن مجده مازال واعداً حيث سيبزغ مجدداً فى ضوء برق القصائد. وتفصح له أنها تعتبر نفسها واحدة من القصائد التى تتغنى بمجده على بابه، ولكنها قصيدة كتبتها رياح الكفاح العنيدة. وتتواضع أمام مجد وطنها لتقول له إنها تعتبر نفسها مجرد حجر من أحجاره أو زهرة سوسن برية فى حقوله وبساتينه.
 
 
تصل الفتاة للُب الموضوع فتفصح للوطن لماذا قررت أن تهب حياتها له، لجيران الشرفة أو القنطرة الذين تذكروها عند عودتها بعد طول غياب وللبلابل التى تناديها فى ضوء القمر.
 
تقول له إنها ترى سواعد أهلها الذين شجروه عندما تنظر له لأشجاره، كما ترى وجوه أجدادها الذين عاشوا فيه وعمروه من غابر الأزمان منذ بدأت الدنيا عندما ترنو لأحجار (حفافيه) أو سفوح جباله.
 
 
تحلف فتاتنا لوطنها فى رقة بالغة بحياته، بحياة محبتها له وحبه لها، أنها كلما تكبر يكبر بقلبها. وتقول له إن أيامها القادمة تخبئ شمس المجد والتضحية فى طياتها إذ تعتزم أن تهب له حياتها وهى رخيصة فى نظرها فداءً لوطنها الذى هو القوى والغنى بل هو (الدنى) أو الدنيا بكل ما فيها.
 
 
وطنى... ياجبل الغيم الأزرق
 
 
وطنى... ياقمر الندى والزنبق
 
 
يابيوت اللى بيحبونا
 
 
ياتراب اللى سبقونا
 
 
يازغير ووسع الدنى
 
وسع الدنى... ياوطنى
 
 
وطنى... يادهب الزمان الضايع
 
 
وطنى... من برق القصايد طالع
 
 
أنا على بابك قصيدة
 
 
كتبتها الريح العنيدة
 
 
أنا حَجَرة... أنا سوسنة
 
 
أنا سوسنة ... ياوطنى
 
 
(جيرانى بالقنطرة اتذكرونى... وبلابل القمرة يندهونى)
 
 
(شجر أراضيك سواعد أهلى اللى شجروا
 
 
وأحجار حفافيك وجوه جدودى اللى عمروا)
 
 
وعاشوا فيك من مية سنى... من ألف سنى... من أول الدنى
 
 
وطنى... وحياتك وحياة المحبة
 
 
شو بِنِى... عم إكبر وتكبر بقلبى
 
 
وأيامى اللى جاية جاية
 
 
فيها الشمس مخباية
 
 
أنت القوى... أنت الغنى... وإنت الدنى... ياوطنى.