الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لوزة وبدرية وغنية داخــل فصول «العلام»

لوزة وبدرية وغنية داخــل فصول «العلام»
لوزة وبدرية وغنية داخــل فصول «العلام»


(لوزة) و(غنية) و(نجاة) و(عم سعيد).. ليست أسماء بقدر ما هى رموز.. ليسوا أشخاصا بقدر ما هم فكرة.. إلى أى حد قد تكون تعلمت أنت؟ الثانوية.. الجامعة أم استطعت الوصول إلى ما هو أهم.. الدكتوراه؟ هل أدركت قيمة ما أنت فيه.. أم تعاملت مع العلم على أنه عادة يومية.. هل تعلم أن هناك آخرين قد يحلمون فقط بهجاء أسمائهم وينتظرون ذلك اليوم بفارغ الصبر.. هل تعرف معنى أن تبدأ رحلة تعليمك بعد سن الثلاثين.. هل تعرف معنى أن تتبدل الأدوار وتجلس أنت أمام أبنائك يصححون لك (الواجب) وتنتظر منهم كلمة (شاطر) دون خجل.. هل أدركت يوما الفرق بين(التعليم) و(العلام).. إنها روايات أشخاص من لحم ودم وعقل من داخل فصول محو الأمية.. عفوا من داخل فصول العلام..من داخل قرية ساسون.. محافظة البحيرة.. من داخل فصل الأبلة شيماء.. أنقل لكم:
 
 
∎ الميسرة
 
 
الميسرة فى عالم المتطوعين تعنى مدرسة فصل محو أمية.. تقول شيماء أنا مهمتى الأساسية فى الجمعية هى تدريب الميسرين على فتح الفصول ولكنى وجدت أنني لن أستطيع تدريبهم جيدا إلا إذا خضت تجربة فتح الفصل بنفسى وبالفعل كانت تجربتى فى قرية ساسون.. فى البداية أحب أن أوضح أن فصلى لم يكن البداية فى القرية...سبقتنى زميلة لى فى فتح فصل منذ أربعة أشهر وفتح فصلى كان نتيجة لإقبال سيدات القرية على التعليم بعد أن رأين قريناتهن يتعلمن.. وفصلى يتكون من لوزة وبدرية ونجاة ونجوى وأمينة وغنية.. وسنسرد حكايتهن فيما بعد... أما عنى أنا فأنا أشعر بسعادة بالغة وأنا أؤدى هذا العمل... وسعادتى تلك نابعة من سعادتهن وهن يتعلمن يوما بعد يوم وألاحظ تغير نمط حياتهن للأفضل فللأسف نسبة الوعى فى تلك القرى بسيطة جدا والجهل قد يعرضهن للنصب والسرقة وقد يعرض أبناءهن للخطر والمرض... وبالرغم من كل ما نعانيه من صعوبات أثناء مهمتنا هنا فإننا مصممون على الاستمرار... وتضيف: على سبيل المثال حين جئنا للمرة الأولى وأثناء اختيارنا لمكان الفصل كنا أمام خيارين اثنين أولهما كانت مضيفة مليئة بتوابيت الموتى يقام بها عزاء من توفى من أهل القرية ليس بها أى إنارة أو مكان للجلوس وكنا سنجلس على الأرض... أما الخيار الثانى فكان حضانة للأطفال بالاسم فقط فهى عبارة عن مبنى أرضى غير مكتمل معرض للانهيار يتكون من ثلاث غرف اثنان منهما تحولتا إلى فصول لنا أما الثالثة فهى لا تزال تحت احتلال الفئران وغير ذلك فنحن نتعامل مع مقاعد متهالكة ومياه صرف فى نفس مكان الفصل... ومع ذلك أحتمل أنا وهم تلك الظروف من أجل أن أصل إلى اليوم الذى أرى فيه ثمرة هذا التعب ويستطعن القراءة والكتابة... والأهم من ذلك كله أن يشعر أهل القرية أننا نشبههم ولا نختلف عنهم كثيرا حتى يتجاوبوا معنا ويعتبرونا جزءاً من حياتهم اليومية لذلك كانت من أهم التعليمات ألا نغالى فى الملبس والمظهر ونبدو عاديين جدا مثل أهل القرية.
 
 
∎ المناهج
 
 
وتضيف شيماء: قد يتخيل البعض أن منهج محو الأمية يشبه مناهج الأطفال فى مرحلة الحضانة ولكنه مختلف تماما فى البداية نبدأ معهم فى معرفه حروف أسمائهم وكتابتها وكذلك معرفة أعمارهم وتاريخ الميلاد ومحل إقامتهم حينها يشعرون بالسعادة لتمكنهم من قراءة كتابة أشياء عن حياتهم ثم نتوسع بعد ذلك فى الحروف والكلمات ومن خلال تجربتى معهم رأيت أن لا مشكلة لديهم فى الحساب فهم يتعلمونه بسهولة نظرا لأنهم يستخدمونه فى حياتهم اليومية فى الشراء والبيع هذا بالإضافة إلى سنهم تسمح لهم بسرعة الاستيعاب والإنجاز فخلال أربعة أو خمسة أشهر يجب أن يكون المتعلم يجيد القراءة والكتابة بمفرده.
 
 
بطولة شيماء ومثيلتها لا تقل أبدا عن بطولة رواد تلك الفصول ولكل منهم حكاية وهدف وراء طلب العلم.
 
 
∎ أمينة
 
كانت شهرتى فى القرية أننى جاهلة لا تعى شيئا يستطيع أي شخص أن يضحك علىَّ بسهولة وحين سمعت بفتح الفصل توجهت على الفور إليهم وطلبت التحاقى به فى البداية كان كل شىء صعبا أمامي وكنت أظن أنني لن أفهم شيئا ولكن مع الوقت أحببت الحساب جدا وأشعر بأننى متوفقة فيه حتى أننى أستطيع أن أساعد باقى السيدات فى فهم أى شىء يصعب عليهن فهمه وبذلك أساعد الأبلة شيماء أما العربى فلايزال أمامى بعض الوقت حتى أستوعبه جيدا وعلى الرغم من أننى مريضة بالبواسير وسأجرى عملية بعد أسبوع وأتألم كثيرا أثناء الحصة فإنني أخاف أن أضيع أى حصة وحين أجرى العملية سأبعث بابنى ليعرف الدرس ويذاكره لى حتى لا أتخلف عن باقى الفصل.
 
∎ نجوى
 
أنا أسكن بقرية أخرى مجاورة لساسون ومتزوجة حديثا ولدى طفل صغير وظروف والدى لم تمكنه من تعليمى أنا وأخوتى وتزوجت صغيرة وحين سمعت عن الفصل بحثت فى قريتى فلم أجد فقررت أن آتى القرية هنا من أجل أن أتعلم وأترك ابنى عند أقارب لى هنا فى القرية وإذا بكى يحضرونه لى لأرضعه ثم أكمل فصلى فأنا أنتظر اليوم الذى سأستطيع فيه أن أقرأ أي شىء يقابلنى وأستطيع فهمه فأنا لا أريد لابنى أن يكبر ليجد أمه جاهلة أو لا أستطيع متابعته وتعليمه جيدا.
 
 
∎ بدرية وغنية
 
سيدات فى عمر الأربعين همهن الكبير أن يقرأن القرآن وهن مدركات لمعانيه... تقول بدرية: أشعر بذنب كبير حين أنظر لنفسى بهذه السن وأنا لا أستطيع قراءة وحفظ القرآن وحين سمعت عن الفصل صممت أن أتعلم حتى أقرأ القرآن وأفهم معانيه وأعرف أن هذا اليوم سيأتى قريبا وسأجيد القراءة والكتابة وأزيل هذا الإحساس بالذنب من داخلى.
 
 
∎ نجاة
 
 
سيدة فى الثلاثين من عمرها تزوجت صغيرة ولم تتعلم.. تعانى من معايرة زوجها لها بسبب جهلها ودافعها إلى التعليم قد يظهر عليه الكوميديا قليلا ولكنه طبيعى ومنطقى وحياتى... تقول أنا زوجى مدمن على أفلام الرعب الأجنبية ويشاهدها طوال الوقت وأنا لا أستطيع قراءة الترجمة أو فهم الأحداث وحين أسأله يتذمر منى ولا يجيبنى فحين سمعت بالفصل قررت أن أتعلم حتى أشاهد الأفلام معه وأفهمها دون أن أسأله.
 
 
∎ ثومة
 
 
فتاة فى الثلاثين وتعمل دادة بحضانة الأطفال مقر الفصل وحين علمت بفتح الفصل لم تصدق فى البداية أن هناك أحدا سيعلمها دون أن تدفع شيئا وظلت تسأل كثيرا '' هو انتوا بتيجوا كده وحتعلمونا من غير فلوس.. طيب انتوا عرفتونا منين...؟؟؟'' وبدأت رحلة تعليمها منذ أربعة أشهر وهى الآن أول الخريجين وأول من استطاع القراءة والكتابة وهى الآن رمز لفصلها تشعر بسعادة بالغة ولا تعرف هل ستتولد لديها طموحات أخرى أم ستكتفى بما حققته.
 
 
∎ عم سعيد
 
 
عم سعيد لم يكن داخل فصل ساسون ولكن حين قرأت عن فصول محو الأمية وجدته شخصية لا يمكن تجاهل الحديث عنه... كان رجلا عاديا فى الخمسين من عمره لا يهتم بالعلم ويسخر من فصول محو الأمية وحين فتح فصل فى قريته وتتبع الأمر من بعيد وجد فيه متعة لم يجربها فقرر أن يتعلم... عم سعيد الآن لا يجيد القراءة والكتابة فحسب... عم سعيد لديه فصلان لمحو الأمية فى قريته ولقب بسفير الأميين ويلقى محاضرات فى الجامعة عن أهمية العلم ومدى جدواه.. هل تتخيل؟
 
 
إن معنى العلم عند هؤلاء قد يعد المعنى الحقيقى للعلم... العلم تحول فى حياتنا إلى مجرد شهادة أو وسيلة للترقى الاجتماعى والوظيفى... ولكن عند هؤلاء يعتبر صناعة مستقبل لهم ولأولادهم... الإصرار على التعلم الحقيقى حتى تجده فى سيدة تقاوم ضرب زوجها لها فى كل مرة امتحان وتستنجد بالمدرسات ومع ذلك لا تفقد الأمل وتظل تحاول... قد تجده فى فتاة صماء حين وجدت غرباء بالقرية سألت والدتها من هؤلاء.. أخبرتها أنهم يفتحون فصلا لمحو الأمية فسالت دموعها حين علمت أنه أخيرا استجاب الله لدعائها وجاء من يعلمها القراءة والكتابة... قد تجده فى سيدات القرية البسيطات اللاتى يحرصن على إنهاء أعمالهن المنزلية قبل الساعة الثانية عشرة ظهرا - موعد وصول الأبلة- ويبعثن بأولادهن لينتظرن عند الفصل وحين تصل الأبلة يدور الأطفال على منازل سيدات الفصل يبلغونهم ببدء الحصة... إنه إصرار على التعلم قد لا تجده فى الجامعة الأمريكية أو المدرسة الألمانية.... جملة محو الأمية سمعتها كثيرا على مدار أعوام ولكننى لم أفهمها يوما كما أشعر بها الآن.