الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سر غياب إثيوبيا عن «اجتماع واشنطن»

بالأحرف الأولى وقعت القاهرة منفردة على اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى، الذى أعدته واشنطن والبنك الدولى، فى ختام مفاوضات استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية فى 27 و28 فبراير الماضيين، وتغيبت عنها إثيوبيا.



 

واشنطن اعتبرت أن الاتفاق «يعالج جميع القضايا بطريقة متوازنة ومنصفة»، لكن أديس أبابا عبرت عما اعتبرته «خيبة الأمل» وزعمت أن «النص الذى وقعته القاهرة ليس نتيجة المفاوضات أو المناقشات الفنية والقانونية للدول الثلاث»، وفى المقابل قالت الخارجية المصرية: إن مصر وقعت بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح، تأكيدًا لجديتها فى تحقيق أهدافه ومقاصده، وعبرت مصر عن «أسفها لتغيب إثيوبيا غير المبرر عن هذا الاجتماع فى هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات» وهو ما فسره مراقبون بأن  الأمريكيين لم يضغطوا بشكل كاف على إثيوبيا.

 

 

ماذا حدث

 

كانت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية أعلنت يوم 26 فبراير الماضى عدم مشاركة أديس أبابا فى الاجتماع المقرر فى واشنطن خلال 27 و28 فبراير الماضى، بسبب ما قالت إنه «عدم انتهاء المشاورات مع الجهات المعنية الإثيوبية بشأن السد» دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل، وهو تغير «دراماتيكى» له أسبابه.

 

لم تكتف أديس أبابا بالغياب لكن أصدرت بيانًا رسميًا من وزارتى الخارجية والرى الإثيوبيتين أعربت فيه عما وصفته بـ«خيبة أملها» من بيان وزير الخزانة الأمريكية بخصوص مفاوضات السد، وواصلت نبرة التعالى مؤكدة أنها «ستواصل عمليات بناء السد بجانب بدء عملية ملء البحيرة، مؤكدة أن موقفها قانونى 100 %.

 

والأمر ببساطة يتلخص فى رؤية جديدة تسعى أديس أبابا لفرضها وهى عدم تصدير المياه كخام، وإنما تصدير منتجات زراعية تشترى منها، فالدولة الأفريقية تسعى لما تقول إنه تنمية عبر «التوسع فى الزراعة» وهو ما بدأوا فيه بالفعل من خلال التعاقد مع شركات دولية فى الخليج والصين وإسرائيل لزراعة ملايين الأفدنه لهم.

 

وبكلمة أخرى «النمط الزراعى الحالى يعتمد على الأمطار 6 أشهر ويتوقف بدءًا من نوفمبر حتى مايو بفعل الجفاف بات لا يناسب طموح أديس أبابا لإحداث تنمية زراعية وعليه فهى تسعى لتغيير مسار استخدام السد وعدم الاكتفاء بتوليد الكهرباء فقط ليكون للزراعة أيضًا وهو ما يعنى الحصول على المزيد من مكعبات المياه (أى استخدام الطاقة الكهربائية فى محطات رفع لتأخذ المياه من خزان السد للهضة فى فترات الجفاف – السابق الإشارة إليها – ثم استخدامها فى الزراعة وتحقيق مليارات الدولارات جراء بيع المحاصيل» وهى الخطة التى أطلق عليها المفاوض الإثيوبى «التوزيع العادل للمياه» مدعيا أن عدد السكان هناك 105 ملايين نسمة (بحسب إحصاء 2017) وهو يقارب عدد السكان فى مصر.

 

فى المقابل كانت التحركات المصرية فى واشنطن تستند إلى «خسارة نسبة من حصتها بشكل مؤقت لحين ملء البحيرة فقط» وشددت على ربط مستوى بحيرتى ناصر والهضة لضمان الحقوق المائية المصرية التاريخية، لكن أوراق اللعبة الجديدة التى تسعى أديس أبابا لفرضها تعنى ببساطة أن حصة مصر ستقل «بشكل دائم» وليس لمجرد ملء الخزان وهو ما يعنى نحو 30 % من الحصة وهو ما لن تقبله القاهرة تحت أى ظرف.

 

كارت «السد»

 

من جهة أخرى لا يمكن تصور أن التحرك الإثيوبى مؤسسى 100 % فالدولة الإفريقية التى تعانى من تقلبات سياساتها الداخلية ستشهد انتخابات قريبة، والسد هو «الكارت الرابح» فى يد السلطة الحالية.

 

وبحسب مراقبين فإن السد لأسباب لوجستية لن يكون قادرًا على إنتاج الـ5.5 ميجا وات التى كانت تحلم بها أديس أبابا ناهيك عن تعذر الربط بالشبكات الإفريقية لأسباب اقتصادية، ومن ثم فالمشروع سياسى بالدرجة الأولى وما تم إنفاقه على البناء يفوق احتمال البلاد ومن ثم بدء التفكير فى تحقيق حلم النهضة الزراعية.

 

وكانت لجنة الانتخابات الإثيوبية ذكرت أنه من المتوقع إجراء الانتخابات البرلمانية العامة خلال أشهر قليلة، والتى ستكون -حال إجرائها- الأولى منذ تولى آبى أحمد رئاسة الوزراء فى أبريل 2018 وشروعه فى إصلاحات اقتصادية وسياسية.

 

 وكان وزير الدفاع الاثيوبى ليما ميغيرسا، الحليف الرئيسى لرئيس الوزراء آبى أحمد، وجه انتقادات لخطة دمج الائتلاف الحاكم فى حزب واحد، ما يؤشر إلى انقسامات متنامية قبل الانتخابات.

 

وليما هو رئيس سابق لولاية أورميا التى تعد الأكبر والأكثر سكانا فى إثيوبيا، وهو حاليا نائب رئيس الحزب الحاكم فى الولاية.

 

وأشار محللون إلى أن خروج الخلاف إلى العلن بين  ليما وآبى أحمد، اللذين يعدان الأقوى فى إثنية الأورومو، سيزيد من الغموض السياسى الذى يكتنف البلاد قبل الانتخابات.

 

كما أن مخطط «آبى» لتحويل الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية إلى حزب واحد رفضه أيضا حزب جبهة تحرير شعب تيغرايان، الذى كان الحزب المهيمن فى عهد الزعيم الراحل ميليس زيناوى.

 

خيارات الرد

 

لا يبقى أمام القاهرة سوى إجبار أديس أبابا على الجلوس على طاولة المفاوضات أو الذهاب للتحكيم الدولى والحل الأخير يتطلب موافقة الطرفين، ومن ثم قد يكون الطريق الوحيد أمام القاهرة هو اللجوء لمجلس الأمن باعتبار أن القضية تهدد الأمن الدولى لكن لا يمكن تجاهل وجود الصين التى تعد المستثمر الأكبر فى السد والتى قد تستخدم حق الفيتو ضد مصر.