الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الشخصيات الجوكر فى حياتنا.. وما وراءها!

الشخصيات الجوكر فى  حياتنا.. وما وراءها!
الشخصيات الجوكر فى حياتنا.. وما وراءها!


لا تحتاج أكثر من قلم.. وقائمة بأسماء لجنة الخمسين لكتابة الدستور، وأخرى بأسماء أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، وثالثة بأسماء أعضاء المجلس الأعلى للصحافة، ورابعة بأسماء أعضاء المجلس القومى للمرأة الحالى «الذى ينتظر أن يتغير أعضاؤه»، ويمكنك أيضا أن تضيف قوائم أخرى، لتعرف من هى الشخصيات الجوكر.
 
«الشخصيات الجوكر» التى تقبل بالقيام بأكثر من دور فى وقت واحد، حتى إن كان كل دور من هذه الأدوار يحتاج لتفرغ شخص خبير تفرغا كاملا، لا تخجل أيضا فى أن تكون ضيفا دائما فى برامج الفضائيات ليلا، وكأنها لا تنام.
 
الصورة تبدو وكأن عددا محددا من الشخصيات هم من يحكمون مصر، يتحركون فى كل الجهات مثل قطع الشطرنج، وكأن هذا المجتمع قد نضب صفوته، وخبراؤه وعلماؤه.
 
هذه الظاهرة الموجودة من قبل ثورة يناير، واستمرت بعدها، دفعتنا إلى أن نبحثعن أسبابها، ومن وراءها، وكيف يمكن أن نخرج من هذه المتاهة التى لا تنتهى.. فى السطور التالية.
 
ظاهرة اختيار شخصيات بعينها فى تشكيلات المجالس الحكومية، مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى للمرأة، وحتى فى اختيار أعضاء لجنة الخمسين، هى كما يرى الأستاذ بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام د.نبيل عبدالفتاح، تعبير عن استمرارية نفس نظام المعايير الحكومية المستمرة منذ يوليو 1952 والتى استمرت مع الرئيس الراحل أنور السادات، والأسبق حسنى مبارك، وأعيد إنتاجها خلال حكم الإخوان، من خلال اختيار أشخاص ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وإلى تيار الإسلام السياسى والسلفية والسلفية الجهادية، وبعض من الشخصيات المستمرة من العهد السابق، ممن يتعاونون مع الأنظمة الحاكمة، مهما كانت انتماؤاتها السياسية.
 
هذه المعايير كمايوضح نبيل، تعكس نفس الثقافة التسلطية فى الحكم، التى تعتمد على اختيار من لديهم علاقات جيدة وأشكال من التعاون بالنخبة الحاكمة، وهم - فى استثناءات محدودة - موضع ثقة واطمئنان من قبل أجهزة الدولة الأمنية، وهو ما ظهر أيضا فى اختيار بعض الوزراء من دائرة معارف رئيس الوزراء.
 
ومن بين المعايير أيضا، اختيار شخصيات تربطها علاقات دولية بالولايات المتحدة الأمريكية، أو البلاد الأوروبية، أو بعض الدول العربية، فى محاولة لطمأنة هذه المراكز السياسية والدولية، باستمرار التحالفات المتعددة مع مصر.
 
وضمن معايير الاختيار أيضا العودة إلى اختيار بعض ممن ينتمون إلى البيروقراطية الحكومية، ممن ليس لديهم طموحات سياسية كبرى، لإدارة الدولة بعد أن أجهضت الانتفاضة الشعبية التى حدثت فى ثورة يناير، بتعبير د.نبيل.
 
ظاهرة الشخصيات الجوكر كما يرى نبيل، تدل على غياب لمعرفة دقيقة بخريطة الكفاءات والمواهب المصرية من جميع الأجيال والتخصصات، وعلى الفجوة بين أجهزة الدولة المختصة لمعرفة هذه الكفاءات.
 
كما تدل على العودة إلى المربع رقم صفر، مع الدفع بنفس هذه الشخصيات للجنة كتابة الدستور الخمسين، وطريقة اختيار لجنة العشرة من نفس دائرة معارف رئيس الجمهورية المؤقت.
 
وتدل على غياب لطلب اجتماعى وسياسى ومن الدولة نفسها على الكفاءات الرفيعة، لأن استدعاء هذه الكفاءات يشكل تهديدا للموجودين على قمة الدولة، وعلى الأجهزة الإعلامية والأحزاب السياسية، الدفع بهذه الكفاءات إلى المشهد السياسى والاجتماعى، ليتغير الحال.


∎تجربة شخصية
 
فى حوار سابق لها مع «صباح الخير» منذ نحو شهر تقريبا، قالت رئيسة المجلس القومى للمرأة، وعضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور، السفيرة مرفت تلاوى، إنها طالبت أكثر من مرة بإعادة تشكيل المجلس، لأن عشرة من أعضائه، يمثلون ثلث أعضاء المجلس، لم يكونوا يحضرون اجتماعات المجلس، لأنهم منشغلون بأكثر من عمل آخر، وطالبت بتغييرهم رغم تخصصاتهم المهمة، والكثير من هؤلاء العشرة تكررت أسماؤهم فى التشكيلات الجديدة بعد 30 يونيو.
 
يتذكر وزير الثقافة الأسبق د.جابر عصفور، تجربته حين كان يجمع بين رئاسته للمجلس الأعلى للثقافة، وعضوية المجلس القومى للمرأة، مؤكدا أن لعبه لأكثر من دور فى وقت واحد، لم يكن يعوقه عن أداء عمله فى أى منهما على الوجه الذى يرضاه.
 
ويرى عصفور أن تكرار الأسماء فى المواقع المختلفة يأتى أحيانا بالصدفة، وأن المهم أن نسأل ما إذا كان الشخص الذى يتكرر اسمه، مفيد فى هذه المواقع أم لا، ضاربا المثل بتكرر اسم د.محمد نور فرحات الفقيه القانونى، فى أكثر من مجلس ولجنة، ولكن عصفور يطالب بأن تضم اللجان والمجالس الجديدة، أسماء وشخصيات جديدة، أخرى من الشباب، بما يوازى نصف عدد الأعضاء، ممن لم تستهلك أسماؤهم فى وسائل الإعلام أو فى أىمجلس أو لجنة من قبل، ليأخذوا حقهم فى التعبير عن آرائهم، ولتستفيد الجهات المختلفة من التنوع بين الأجيال والخبرات.
 
∎أهل الثقة والكفاءة
 
أما الشاعر الكبير سيد حجاب وعضو لجنة الخمسين، فيرى أنه لو تغلب عنصر الكفاءة على كل ما عاداه فى اختيار من يشغل مناصب فى اللجان أو المجالس المتخصصة، سيكون الاختيار موفقا، بإضافة النص على تجديد الكفاءات كل فترة محددة، لكنه يحذر من أن يكون التجديد فى الأسماء هدفا فى حد ذاته، لاختيار أعضاء التشكيلات الحكومية، لأنه قد يؤدى إلى نتائج سلبية، مثلما حدث فى اختيار أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان أيام حكم الإخوان.
 
من جهة أخرى يرى حجاب أن معيار اختيار بعض هذه الشخصيات التى تتكرر فى أكثر من تشكيل حكومى، لازال هو «أهل الثقة»، وليس أهل الكفاءة، واصفا ذلك بالمرض المتوارث، الذى يجب أن نشفى منه، كما يجب أن نشفى من معيار الأقدمية، ليحل محله معيار الكفاءة والانحياز للمستقبل، حتى إن كان صاحبه من أجيال الكبار.
 
أما عالمة الاجتماع السياسى بجامعة الزقازيق، د.هدى زكريا، فترى أن ظاهرة الشخصيات الجوكر، لا تخص المجتمع المصرى فقط، بل إنها تتكرر فى أغلب المجتمعات، لأسباب متعددة ومتشابكة، بعضها يعود إلى عدم بذل الجهد فى البحث عن كفاءات جديدة، والانتقاء من بين أشخاص معروفين سلفا، وهو ما يفسر الجهد الكبير الذى يبذله بعض الأشخاص، لتكون لهم أسماء تتكرر فى الإعلام ليكون تحت الأضواء، وتزيد فرصه فى الترشح للكثير من المناصب بناء على تكرار اسمه.
 
السبب الثانى لوجود الشخصيات الجوكر، بل عودتها بعد الثورات، التى يفترض أن تزيح كل هؤلاء، هو طريقة الإدارة المركزية لمؤسسات الدولة، وهو ما سماه عالم الاجتماع السياسى روبرت ميشيل القانون الحديدى فى دراسة أجراها عن الحزب الشيوعى الألمانى، أو «أو ليجاركية»، حيث يسيطر على أى تكويناجتماعى، سواء كان منظمة أو حزبا أو شركة أو غيره مجموعة من الشخصيات، التى تتكرر باستمرار، لأن لديها من الوقت والإمكانيات والمعرفة بالأحداث، ما يجعلها تظهر فى الصورة طوال الوقت، بينما ينصرف الآخرون إلى أرزاقهم.
 
وتتابع: فى مصر لدينا فريق يمتلك العلاقات والاتصالات وقادر على التعبير عن نفسه، وتثق فيه الجماهير، فيجد طريقه للشاشة والأضواء، والبعض منهم اختفى بعد ثورة يناير وعاد مرة أخرى، فيما يسمى فى علم السياسة بـ «دورة الصفوة»، لأنه عند اندلاع الثورات لا نجد عادة الأشخاص الجاهزين لتولى الأمور من بين من قاموا بها، لأنهم فى العادة لا يملكون خبرة الإدارة، وهو ما حدث عقب الثورة الفرنسية، وما حدث أيضا عقب ثورة1952 فى مصر، عندما استعان الثوار بأحمد ماهر كرئيس وزراء، لأنه يملك مفاتيح الإدارة، لكن على الثوار دائما أن يسعوا لمعرفة هذه المفاتيح.
 
تطمئن د.هدى أن الوجوه القديمة المتكررة لن تبقى طويلا، لأنها ترى روح الثورة تسرى فى الكيان الاجتماعى فى مصر، والناس أصبحوا أكثر جدية عن ذى قبل، وفى انتظار حركة تعيد إليهم حقوقهم، بعد أن رد الفريق السيسى كرامتهم.