الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كلهم لوسي ابن طنط فكيهة!

كانت آمال تعمل فى مجال الترجمة قبلما تهاجر إلى الولايات المتحدة عام 2010 مع أسرتها.  لم يحتمل أولادها طقس فلوريدا الاستوائى،  مثلما فوجئ  زوجها المحامى أنه  مضطر للعمل فى أى مجال لم يعتد عليه، وهوالذى كان فى قمة نجاحه ببلده! فعادت الأسرة فى نفس توقيت اشتعال ثورة 2011..  ووجدت المنزل منهوبًا ومفرغًا من أهم محتوياته! ما اضطرها للتنقل بين بيوت أفراد العائلة الذين كان استقبالهم لها محبطًا تمامًا، ولسان حالهم يقول لهم: إيه اللى جابكم؟ حد يسيب أمريكا ويرجع فى الأيام دى؟



بعد شهور، وقبل انتهاء الفترة المسموحة لعودتهم كمهاجرين، قرر الزوج العودة ثانية لأمريكا، بعدما درس وسأل واستقر به الرأى على الإقامة فى ولاية كاليفورنيا بطقسها الأقرب لطقس مصر، حتى لو كانت أغلى كثيرًا فى كل شيء، خاصة فى إيجار السكن! متقبلا عمله الجديد كحارس مرة، وعامل فى محطة بنزين مرة، مدخرًا كل سنت ليوفر الحياة الكريمة لأسرته. أما هى فعملت فى مطبعة .

ثقافة الشموع

تأملتُ منزلها، وأخبرتها أن ذوقها اختلف عن منزلها فى مصر، فقالت إن الثقافة تفرض نفسها على طريقة تأثيث البيوت والتى غالبًا ما يتم تأجيرها جاهزة للاستخدام، خاصة مكونات المطبخ الخشبية، والثلاجة، ودواليب ومخازن حفظ الملابس، ما يساهم فى عدم التكديس التى اعتدنا عليها فى البيوت المصرية! أما من يشترى بيتا فهو حر فى عدد غرفه، وتنسيق الحديقة، وخلفية البيت، وعدد المطابخ وموقعها و..و.. بما يتناسب - أيضا- مع التقاليد السائدة!

 وفى أمريكا، أضافت: تعلمنا ثقافة تزيين البيت بكل ما يمكن تزيينه به من لوحات، وصور شخصية، وشموع وسجاجيد، وورود، خاصة التواليتات، وبجدية تستطرد: يبدو أن الحكم على نظافة البيت من حمامه هى ثقافة إنسانية وليست مصرية فقط؛ حيث نهتم بشكل خاص بمعطرات الجو وأطقم استخدام الصابون السائل والكريمات المرطبة ومناشف اليد المزينة، والشموع، وكل بحسب اهتمامه بمستوى النظافة.

 انتبهت لمسألة الشموع فسألتها عن سبب انتشارها فى جميع البيوت التى زرتها، فضحكت قائلة: يقال أنها تقليد تم نقله من ثقافة المهاجرين الآسيويين خاصة الهنود، والكوريين، والڤيتناميين؛ حيث توضع الشموع فى البيوت وخاصة التواليتات.. لقدرتها على امتصاص الروائح، ونشر العطر الذى أضيف إليها مثل عطر جوز الهند، وعطر الڤانيليا، والكريز، والحلويات... وغيرها!

الأمريكان يعبدون الدولار

التحقت الابنة الكبرى بكلية إدارة الأعمال، واختار ابنها التوقف عن التعليم بعد التحاقه بالجامعة.. وصار سائقًا لشركة أوبر، مثلما التحقت الصغيرة بالمدرسة فى الصف الخامس. سألتها عن سبب ترك ابنها للدراسة الجامعية، فأجابتنى أنه  اكتقى بالثانوية العامة، لاعتقاده أن التعليم الجامعى غير مُجدٍ فى تلك البلاد التى لا يهمها التعليم بقدر اهتمامها بالمادة.. ودائمًا ما يردد أن الأمريكان يعبدون الدولار!

قلت لها: توقعت ردًا مختلفًا، كأن يقول أنه لا يمتلك موهبة التعلم، فلم يعد يهتم بالتعليم للحصول على رخصة البكالورويوس أو الليسانس من أجل الوجاهة الاجتماعية، مثلما يحدث فى مصر! أجابتنى بأن التعليم فى كل مكان له وجاهته، فلا يزال الطبيب والمهندس والمحامى من أعلى وأغنى الطبقات الاجتماعية، معلقة: الأمريكان متحفظون لحد ما بالمقارنة مع أوروبا، والكثير منهم لا يزال يحمل قيم الأجداد!

أما أغرب ما يتردد فى بعض الأوساط الثقافية ويلصقونه بالعرب- كما تقول آمال، فهو أن تأثير هجرة بعض الجنسيات العربية امتد للأسر الأمريكية فصارت ترضى بوجود علاقات خارج الزواج برضا الزوجين، دون وصفها المعتاد بأنها خيانة زوجية! بسبب قلة الزواج وانحساره فى المجتمع الأمريكى الذى بلغت نسبة العنوسة فيه حوالى 110.6 مليون شخص بين الجنسين البالغين، بالمقارنة بالستينيات التى كان 72 % من البالغين بالمجتمع متزوجين!

دار بيننا الحديث عن ازدياد معدل زواج المصريين من الأمريكان والجنسيات الأخرى، وهو ما سمعنا أنه كان نادر الحدوث! ثم سألتها عن مدى نجاح واستمرار هذا الزواج، فأجابت: الأمريكى يعبد الزوجة المصرية، ويعاملها كأنها نفرتيتى،  عكس الشاب المصرى الذى لا يفضل الزواج من الأمريكية، ويفضل النزول إلى مصر للزواج من بنت مصرية (بكرتونتها)! وهو النموذج الأكثر بين الشباب الذين شبعوا (صط وعك) مع البنات هنا، أو الشباب الذين لا يشعرون بقيمتهم إلا مع بنت مصرية يشتريها بماله ويتباهى أمامها إنه هياخدها أمريكا، أو الشاب الذى يرتاح مع زوجة مصرية تعيده لحنين البيت المصرى،  ويستمتع معها بذكرياتهما كمصريين لديهما تاريخ ثقافى وتراثى مشترك، أو حتى ليستمتع معها بتعبيره عن نفسه بلغته المصرية فى البيت، مكتفيًا بالإنجليزية فى العمل والتعامل مع المجتمع!   أنا شخصيًا، تستطرد: أفضل أن يتزوج الشباب المهاجرون من بعضهم هنا، لأنهم صاروا فى مركب واحد.. يفهمون ظروف بعضهم، ويدركون المخاطر والفرص المتاحة!  

الزواج من الجنسيات الأخرى

أوضحت آمال  أن معدل الطلاق فى كاليفورنيا صار ملحوظًا بشكل كبير بين الشباب المصرى؛  حيث لا تكاد تمر سنوات قليلة على الزواج، إلا وينفصل الزوجان ولو بعد صداقة طويلة، بسبب سوء الاختيار!

 مستطردة: بعدما صرنا نرى زواج المصريين من «الأمريكيين الأفارقة».. وهو ما لم نعتد عليه لأن المزاج المصرى - حسبما كنا نعرف- لا يميل لهذا الجمال! مثلما رأينا زواجهم من «الهابسبان» وهم المهاجرون لأمريكا من الدول الناطقة بالإسبانية بأمريكا اللاتينية، أو من جنوب شرق آسيا.. خاصة الفلبينيات!

 سألتها عن السر فى وجهة نظرها، فقالت: لأكثر من سبب، أولها أن الشباب المصرى لديهم تحفظ طبيعى،  وحينما يريدون كسره للاندماج فى المجتمع المفتوح الذى يدعوهم بشدة للتغيير وخلع رداء ثقافتهم المصرى.. فإنهم يختارون صحبة أصدقاء وصديقات أمريكيين أو من جنسيات أخرى، لن يتهمهم أحد منها بأي تهمة ولن يدينوهم ولن يحكموا عليهم، مثلما يحدث من الأصحاب المصريين!  أما السبب الثانى،  فربما يعود لعدم استيعاب الوالدين لاختلاف المجتمع الأمريكى عن المصرى،  وبدلًا من محاولة تكيُّفهم مع المجتمع نجدهم يستمرون فى فرض القيود على الأبناء، ومهاجمة سلوكهم وتربصهم بأي تغييرات تحدث لهم، وهذا التضييق هو الذى يجعل الأولاد يتمردون ويقعون فى الإدمان، أو الانحراف الأخلاقي! كما يجعل البنت عرضة للوقوع فى حب وزواج أى شخص يظهر لها الحنان والاهتمام!

وقد يعود السبب - أيضا- لعدم وجود فرص حقيقية بين الشباب المصرى من الجنسين، ربما لانشغالهم فى الدراسة؛ حيث ثبت بالفعل أن المصريين يحبون التعلم! أو ربما لاندماجهم فى الكنيسة أو الجامع.. ليس فقط باعتبارها أماكن عبادة، بل باعتبارها أماكن تستوعبهم اجتماعيًا وثقافيًا، وهكذا ينغلقون فى دوائر الحكم على بعضهم بنفس معاييرهم التى جاءوا بها من مصر!  ويصبح الارتباط العاطفى والزواج محكومين بنفس أساليب ومعايير المجتمع المصرى.. بسلبياته وإيجابياته!

 مثل اختيار البنت بناء على شكلها، وعمرها، ومالها، وعائلتها! ولذلك نجد الكثير من المبالغة فى اهتمام بعض البنات المصريات بالملابس والمكياچ، والمظهريات بشكل كبير. والطبيعى حينئذ أن تصبح مشكلة الطلاق عند المسيحيين مضاعفة.. تستطرد آمال موضحة: وذلك بسسب صعوبة الحصول على الطلاق الكنسي؛ لأن الكنيسة هنا لا تختلف عن الكنيسة المصرية التى لا تعترف بالطلاق المدني!  وحتى فى حال حدوث الطلاق.. لا تنتهى أسئلة الناس عن السبب بشكل تطفلي!  وفى كل الأحوال، يظل زواج المطلق المسيحى فى كاليفورنيا وكل الولايات الأخرى مسألة صعبة، ما يؤدى لمزيد من المشاكل؛ لأننا رأينا وسمعنا عن السلوكيات الصعبة للأشخاص الذين فقدوا الأمل فى الزواج الثانى.. وسلكوا سلوكيات غير لائقة، قد تؤثر فى مسيرة حياتهم كلها! قلتُ لها أن الكنيسة خففت حدة تلك المشاكل من قبل، فقالت: ياريت!

عاد بنا الحديث عن ابنها، وسألتها إن كان مرتبطًا عاطفيًا ليجد حافزًا على العودة للتعليم؟ فقالت إنها لا تعرف، ثم استطردت: كل خوفى أن يقع فى أي بنت، أو يصبح أبًا لطفل يجيء للحياة نتيجة لنزوة مع فتاة مستهترة، يضطر للزواج منها ثم ينفصلان!

 وماذا ستفعلين حينئذ؟

 أجابتنى: سأستسلم للواقع طبعًا..  ربنا لا يسمح! وماذا عن ابنتك؟ باستنكار، أجابت: لا يوجد! فمعظم الشباب المصريين الأمريكان الذين يعيشون هنا منذ سنوات ليسوا أكثر من «لوسى ابن طنط فكيهة» فى فيلم إشاعة حب!