لماذا حرم الله آكل الدم؟!

عبد الفتاح عناني وريشة جمال هلال
هل نعرف الحكمة الإلهية من تحريم أكل وشرب الدماء؟ عموما سواء وصل العلم البشرى إلى حكمة هذا التحريم أم لم يصل، فقد قرر العلم الإلهى أن أكل وشرب الدماء ضار جدا بصحة الإنسان وهذا وحده يكفى، فالله لا يحرم إلا الخبائث وما يؤذى حياة البشر سواء علم الناس بهذا الأذى أم جهلوه، لهذا لابد أن نسلم باختيار الله لأن من المؤكد أن فيه حكمة وفيه مصلحة لحياة الإنسان، وصدق الله إذ يقول «إنى أعلم ما لا تعلمون».
بسم الله الرحمن الرحيم: «حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق»...
لقد ارتبط الدم منذ الأزل بالحياة، وارتبطت إراقة الدماء بالموت، فالدم نسيج سائل يتحول ويدور بحرية فى جميع أعضاء الجسم يمدها بالغذاء والأكسجين، ويخلصها من النفايات والسموم الضارة مثل «البولينا وحمض البوليك» عن طريق الكليتين والغدد العرقية فى البول والعرق، كما يحمل ثانى أكسيد الكربون الضار إلى الرئتين للتخلص منه مع هواء الزفير، ولكن يتبقى جزء آخر من تلك السموم وهى مكونات ضارة جدا من «حمض البوليك» وهو مركب سمى خطير جدا على صحة الإنسان، وأيضا هناك نفايات سامة من الإفرازات الداخلية لخلايا الجسم والغدد الصماء وغيرها تشكل أعراضا سمية بالغة الخطورة على الصحة العامة، خاصة لو كانت بتركيزات عالية، كما ينقل الدم المتبقيات السامة والضارة إلى الكبد، مما قد يؤدى إلى ضعف كفاءة ووظائف الكبد لأن كلها مواد ضارة جدا بصحة الإنسان.
∎أمراض محبى «الأكلات» الدموية!
يحذر عالم الغذاء الكبير «د. فوزى عبدالقادر الفيشاوى» الأستاذ بقسم علوم وتكنولوجيا الأغذية بجامعة أسيوط، من خطورة الأطعمة الدموية على صحة الإنسان، ويقول: عندمايتناول الإنسان «الدم» كغذاء فإن جزءا كبيرا من هيموجلوبين الدم لا يهضم ويتحول فى الكلى إلى مركب «الهيموسدرين» الذى يتزايد فى الكلى شيئا فشيئا على نحو يضر بوظائفها وحيويتها لأنه يسد قنواتها، فلا تستطيع الكلى تخليص دم الإنسان من البولينا الزائدة، فيصاب بمرض «الهيموسدروسس» وهو مرض معروف على نطاق واسع فى البلاد الأوروبية التى يأكلون فيها الأطعمة الدموية بكميات وافرة مثل «سجق الدم بالأرز»، كما يؤدى ذلك إلي تضاعف «حمض البوليك» الضار جدا فى دماء محبى الأكلات الدموية.
ليس هذا فقط، بل أيضا من الخطورة البالغة عند أكل وشرب الدماء قد يصاب الإنسان «بالغيبوبة الكبدية»، لأن الدم به أنواع عديدة من «البروتينات» وهناك «الميكروبات» التى تسكن أمعاء الإنسان التى تهوى التعامل مع هذه البروتينـات على نحـو مثير، ويضيف د. فوزى الفيشاوى إن الضرر يكمن فى طبيعة التفاعل بين الميكروبات المعوية وبين بروتينات الدم، حيث يتخلف عن هذا التفاعل كمية وافرة من «الأمونيا» شديدة السمية التى تدخل إلى الدم حتى تصل إلى الكبد، وبسبب الكميات الهائلة من «الأمونيا السامة» تعجز الخلايا الكبدية فى التخلص منها، وبالتالى تصل مباشرة إلى الدورة الدموية ومنها إلى «المخ» وتؤثر فى خلاياه، فيصاب الإنسان بخمـــــول عقلى وينتابــــــه الذهـــــــول مـــــع رعشــــــــة بالأطراف، وضعف فى التركيز وهذيان، ومع تطور الحالة إلى الأسوأ يصاب بهياج شديد وعدوانيـــة ويصبـــح عنيفـــــا، وعندئـــــذ يصاب الإنســان بغيبوبـة كبـــديـة أو فشــل كبـــــــــدى يصل إلى الغيبوبة العميقة التى قد تؤدى إلى الوفاة.
∎أكل الدم قد ينقل «الإيدز»
لاشك أن الدم هو أسرع وسائل نقل العدوى للأمراض، حيث تتكاثر فيه الميكروبات، أو تستعمله كوسيلة للانتقال من عضو إلى آخر ومن خلية إلى أخرى، كما تنتقل عن طريقالدم إفرازات وسموم الميكروبات، ويكفى علميا أن نعرف أن تحليل عينة من الدم تكشف أمراض الدم، فهناك أعداد هائلة من الميكروبات تلوث الدم، سواء كان مسفوحا خارج الجسم أو داخله، فالدم بيئة خصبة ترتع فيها كل صنوف الميكروبات، ولهذا ليس غريبا أن علماء الميكروبيولوجى يستخدمون فى معاملهم «الدم» كبيئة خصبة تشجع على النمو الميكروبى لاستكثار الميكروبات للتعرف عليها وتشخيصها، فالدم هو أفضل مزرعة للميكروبات، والحقيقة العلمية التى قد لا تخطر على بال أى إنسان أن يعرف أن زراعة الميكروب الواحد فى الدم يتضاعف هندسيا كل نصف ساعة على نحو مذهل، فلو تخيلنا أن «جراما واحدا» من الدم المسفوح تلوث بألف خلية بكتيرية لوجدناها بعد نصف ساعة ألفى خلية، ولصارت بعد ساعتين ونصف الساعة 46 ألف خلية ميكروبية فى جرام واحد من الدم المسفوح، وهذه الأعداد الهائلة من الميكروبات تفرز السموم الفتاكة التى تدمر الصحة العامة.
المخيف فعلا أن علماء أمراض الدم يؤكدون أن الدم يحمل معه مخاطر عديدة، فهو ناقل لعدد لا يستهان به من الأمراض، لأنه يحتوى على ملايين الجراثيم والفيروسات التى قد يعتبر البعض منها مميتا كفيروس «الإيدز» مثلا، وصحيح أن معظم الأمراض الفيروسية الخطيرة لا تنتقل عن طريق الجهاز الهضمى، وإنما عن طريق مجرى الدم، لكن يجب ألا ننسى بأن الجراثيم والفيروسات هى مخلوقات مجهرية دقيقة جدا بإمكانها أن تجد سبيلا إلى مجرى الدم عند تناول الأطعمة والوجبات الدموية، وذلك عن طريق أصغر الجروح فى جدار اللثة والفم وبطانة المرىء والمعدة وجدار الجهاز الهضمى.. إلخ.
وصدق الله إذ يقول: «قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسق أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم».
∎السموم.. تلوث الدم
يستغيث الدم من كثرة التلوث، ولكن أحدا لا يهتم أو يعقل، فالدم معرض للتلوث بالسموم لا أقول كل لحظة، بل كل ثانية، وفى بحث علمى أكثر من رائع عن «ملوثات الدم» للعالمين القديرين هما «د. فوزى إسماعيل عيسى» الأستاذ بقسم البيئة بزراعة الأزهر والدكتور نور الهدى زيدان الأستاذة بقسم المبيدات بزراعة كفر الشيخ، اللذين يؤكدان أن هناك سموما وملوثات تؤثر على مكونات الدم وتجعله ساما وقاتلا، مثل التلوث «بالمبيدات» الذى يصيب بسرطان الدم وانخفاض فى كرات الدم الحمراء وغيرها من التأثيرات السامة، كما يتلوث الدم «بالمعادن الثقيلة» وأخطرها «الرصاص»، والتلوث «الإشعاعى» الذى يؤثر على مكونات الدم ويجعلها سامة وتسبب العديد من الأخطار السرطانية، كما يتسمم الدم بغاز «أول أكسيد الكربون» وهو من أكثر أنواع التسمم خطورة، وبأكسيد النيتروجين الضار جدا، كما يتلوث الدم بالنترات والنيتريت التى تستخدم كمواد مضافة فى الأغذية، وبالأدوية وغيرها من السموم الكيميائية مثل مركبات الزرنيخ والكلور مفينكول وغير ذلك، كما يتسمم الدم بملوثات البيئة، والتى لم تعد تقف عند حد معين فهى فى «الهواء» الذى نستنشقه، والغذاء الذى نأكله والكساء الذى نلبسه والنبات الذى نزرعه، وكلها ملوثات وسموم تؤثر تأثيرا خطيرا على مكونات الدم، بحيث تجعله ساما وخطيرا، والمرعب أن الملوثات والسموم معنا فى داخلنا ومن خارجنا وفى أجسادنا ومن حولنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
∎∎
وأخيرا.. إلى محبى تناول «شوربة الدم» و«سجق الدم بالأرز» و«الدم بالحليب» هذا قليل من كثير عن أمراض الدم القاتلة، وملوثات الدم السامة والخطيرة على الصحة العامة، وهو ما توصل إليه العلم فقط حتى هذه اللحظة، لهذا ستظل الحكمة والعلم الإلهى فى تحريم أكل الدم هى الصواب إلى يوم القيامة، وصدق الله إذ يقول: «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم».