بوسترات الشيخ الشعراوى

رئيس التحرير
منذ فترة ليست ببعيدة، انتشرت فى مصر ظاهرة غريبة. انتشرت بين البسطاء. كانت الظاهرة متمثلة فى بوسترات لصورة الشيخ محمد متولى الشعراوى «رحمه الله». الظاهرة كانت تنتشر فى خجل. وفى الأيام الأخيرة تبجحت الظاهرة وانتشرت بفجاجة وأصبح بوستر الشيخ الشعراوى من الملصقات المكررة على الميكروباصات وعربات النقل المتنوعة وعلى التكاتك المنتشرة فى البلاد.
ملصقات أصبحت تزاحم عبارات الأمثلة المصرية العميقة المكتوبة على جسد المركبة. بوسترات الشيخ لا تستخدم صورة واحدة له. بل عدة صور وكأنها لنجم سينمائى محبوب. صور من كل جانب وبأوجه مختلفة التعبير والتأثير. مرة وهو يضحك ومرة وهو يفسر ومرة وهو يبتسم ابتسامة القديس ومرة وهو غاضب ومرة وهو يرفع يديه بالدعاء. المركبات المختلفة لا تكتفى أحيانًا بلصق صورة واحدة بل عدة صور فى جميع الأماكن وتصل أحيانًا بلصقها بداخل المركبة. تُرى من وراء تلك الظاهرة؟ ومن الذى يقوم بتمويلها؟ وما المقصود منها؟ يبدو أن الممول معروف. فهى أموال النفط الوفيرة التى صرفت المليارات للقضاء على الهوية المصرية. لكن المخطط لا بد وأن يكون غربيًا ماهرًا يريد تقديس الرجل بدراسته المتعمقة لعلم الاجتماع المصرى. إنها دعوة عصرية تدخل ضمن ظواهر أخرى للدين الإسلامى مثل الأناشيد الدينية ودور الأزياء الإسلامية لتبتلع قيم الحداثة والليبرالية الرأسمالية. ظواهر تبتعد عن السياسة لطبقات كادحة تبحث عن قديس وزعيم ولا يوجد لديها وعى كافٍ لاستيعاب الغرض. تريد أن تعطى كثافة أكبر للقداسة. ليس قداسة الزعماء السياسيين كجمال عبدالناصر أو أنور السادات أو قداسة الفنانين لكنها قداسة بمعنى القيم الكبرى. بشكل أبسط من ذلك بالتذكير الدائم بدور الدين ورجاله فى حياة الغلابة. العولمة هى التى شجَّعت ظهور أنماط جديدة للأسلمة وأنماط جديدة لتقديس رجال الدين بالشرق. إسلام ينبثق عن نزع السياسة عن الرموز الرئيسية فى مسار إعادة الأسلمة. فقد انهار التيار الإسلامى المتشدد فى مصر وانكشفت عورته وأصبح منبوذًا وسقط القناع عن وجوه دعاته فتمت الاستعانة بشيخ شعبى استطاع تحت مظلة حماية أجهزة استخبارات نفطية وغربية أن يتم تكرار ظهوره وتأكيد دعوته وفرض هالة القدسية عليه لضمان الشعبية. بل استخدمت الدعاية السوداء فى خدمة الرجل وخدمة أهدافه. ومع التحوُّل الرهيب فى وسائل التأثير على عقول الجماهير تمت إعادة إنتاج الشيخ بعد موته ليكون أيقونة للبسطاء بعد أن أطلقوا عليه الإمامة بعد موته. ومن يدرى ربما بعد وقت قصير يتم تقديس مقبرته لتصبح مقامًا ومزارًا تُقدَّم عنده القرابين. قداسة جعلت الجهلاء يرفضون نقد الرجل أو الاقتراب من سيرته وهى ممتلئة بالأقاويل الكثيرة المخجلة. الأمة تدور حول نفسها فى وقت غياب كامل لعقولها وثقافتها. وتتلقى الضربات القاتلة لتبقى فى دائرة الخرافات باسم الدين.