الأحد 6 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

احـــذروا الأقـارب .. العقارب! فـى بيتنــا.. متحــرش!

احـــذروا الأقـارب .. العقارب! فـى بيتنــا..      متحــرش!
احـــذروا الأقـارب .. العقارب! فـى بيتنــا.. متحــرش!


«هانلعب مع بعض بس هايكون فيه بينا سر صغير».
 
هذه هى الجملة التى عادة ما يستخدمها المتحرشون بالأطفال، عندما يريدون الإيقاع بهم فى دائرة التحرش، لأنه سرعان ما يتحول الطفل المجنى عليه إلى متحرش جديد.
 
الغريب أن دائرة التحرش يمكن أن تبدأ فى سن قد لا يتخيلها أحد، ومن أقرب الناس إلى الطفل، فيصبح الطفل فريسة للتحرش فى سن العامين.
 
لكن كيف يمكن للأهل أن يكتشفوا أن ابنهم أو ابنتهم وقعا فريسة للتحرش، خاصة إذا عانى الطفل فى صمت، وما الذى عليهم أن يفعلوه مع هذا الابن.
 
وكيف يتصرفون إذا جاءتهم شكوى من الجيران بتحرش ابنهم بأطفال آخرين.
 
أسرار المتحرشين وتفاصيل ويوميات المسكوت عنه داخل بيوتنا وفى مدارسنا وفى دور الأيتام ومؤسسات رعاية الأطفال.. نكشف عنه فى السطور التالية.
«التحرش بأبنائنا أقرب إلينا مما نتخيل»، بنبرة تحذير شديدة قالتها د. هبة العيسوى أستاذة طب نفس الأطفال بجامعة عين شمس، وهى تقلب أوراق قصص الحالات التى تتردد على عيادة طب نفس الأطفال فى الجامعة.
 
«لاحظت الأم رغبة الجد المتكررة فى تبديل حفاضة الحفيد، الذى لم يتجاوز العامين، ومن بعيد اكتشفت الأم أن الجد يعبث بأعضاء الحفيد الحساسة خلال قيامه بتبديل الحفاضة».
 
هذه القصة هى إحدى الحالات التى وردت إلى عيادة د. هبة، التى تدلل بها على حدوث تحرش واعتداء على الأطفال الذكور، وليس الإناث فقط فى السن من 2-5 سنوات، أى وهو مازال فى حضن أسرته.
 
ما يميز هذا النوع من التحرش، كما تقول د. هبة، أنه يحدث من المقربين للطفل، كالسائقين أو الخدم أو أولاد العم أو الخال، أو خال فى عمر الشباب خلال مداعبته للطفل.
 
وقد يستخدم المتحرش طريقة تعريض الطفل للصور الفاضحة، أو الصور الجنسية أو العارية، أو أن يتعمد المتحرش بالطفل لمس أعضائهالتناسلية، أو حثه على لمس أعضاء شخص آخر، أو تعليمه عادات سيئة كالاستمناء، أو الاعتداء الجنسى المباشر أو الشاذ.
 
∎لذة الطفل تحوله لمتحرش
 
خطورة هذه التحرشات، كما تقول د. هبة، أنها تحدث إفاقة جنسية مبكرة لنشاط الطفل الجنسى، الذى يفترض أن يحدث فى سن البلوغ، ويتحول الطفل شيئا فشيئا إلى متحرش بسبب شعوره باللذة فى ممارسة التحرش، ولذلك تؤكد الدراسات أن 99٪ من المتحرشين تم التحرش بهم، أى أنها حلقة يجب أن نعمل على كسرها.
 
وعادة ما يستخدم المتحرشون عبارة «هانلعب ما بعض بس هايكون فيه سر صغير بيننا»، وقد يكون هذا السرمصحوبا بالتهديد، إذا أخبر الطفل أحدا عن هذا السر، أو بإغرائه بالهدايا حتى لا يخبر أحدا بالسر.
 
وتنصح د. هبة الأهل، بتتبع مصدر هذه الهدايا إذا وجدوها فى يد الطفل.
 
والهدايا ليست الدليل الوحيد على تعرض الطفل للتحرش أو الاعتداء، فهناك أيضا قضم الأظافر، والتبول اللاإرادى، وعدم التركيز، والشرود والانطواء، والتدهور المفاجئ فى المستوى الدراسى، واضطرابات فى النوم، والكوابيس واستيقاظ الطفل فزعا.
 
والبيدوفيلى أو المولع بالأطفال، لديه شعور بالفشل أو الخوف من الفشل مع المرأة، ويتخذ من الطفل رمزا ليحقق فيه ما يتعذر تحقيقه مع المرأة، ويشعر بسعادة فى استعراض أعضائه أمام الطفل، ليحقق تفوقه الجنسى، لكنه عنيف وجبان معا، لأنه يعانى من ضعف الذات لشعوره برفض المرأة له.
 
وقاية الطفل من التحرش تستند إلى شيئين، الأول الثقافة الجنسية حسب العمر، واكساب الطفل للثقة بالنفس.
 
والبداية تكون بأن نفهم الطفل أن احترام الكبار لا يعنى طاعتهم العمياء، و«كمان لازم نحترم جسد الطفل، فلا نضربه، فتصله رسالة بأن جسده غير محترم، ويمكن التحرش به، وكمان لازم الطفل يشعر بالأمان وبأن فيه حوار طول الوقت بينه وبين أهله وأن يروى لهم كل ما يحدث له، ونعلمه الفرق بيناللمسة الصح واللمسة الغلط» كما تؤكد د. هبة.
 
∎الطبيب المتحرش
 
فى طب الأزهر خصص د. هاشم بحرى رئيس قسم الطب النفسى بكلية الطب، عيادة للأطفال المعتدى عليهم، ممن تعرضوا للاعتداء أو التحرش.
 
بداية العلاج يجب أن تكون بأن نشجع الطفل على التحدث فيما حصل معه بالتفصيل مع الطبيب، «عشان بيكون عنده وقتها شعور بالذنب أو الخوف أو الغضب أو المتعة يحب يكررها، ولكل حالة حل فى الطب النفسى».
 
ويحذر د. هاشم بحرى من تجاهل ما حدث للطفل، لأن الخطوة الأولى فى تأهيله إنه يحكى اللى حصل، وبعدها نبدأ نزود ثقته فى نفسه، عشان يكون قوى.
 
يتوقف د. هاشم عند الكثير من الحالات التى تتردد على العيادة، ليدلل على أن الكثير من حالات التحرش بالأطفال تحدث من بعض المدرسين أو المشرفين فى دور الرعاية أو ضباط الشرطة، بل إنه رصد حالة لطبيب أطفال يستهويه الاعتداء على الأطفال أو التحرش بهم فى عيادته.
يبتسم د. هاشم وهو يقول: الكل يتحدث عن التحرش بالإناث وبالذكور الصغار، لكن هناك أيضا تحرشاً من الإناث ضد الذكور، ومن الإناث ببعضهن، وكل ما يزيد الغضب داخل المجتمع بيطلع فى صورة إدمان أو تحرش.
 
∎يحدث فى دور الأيتام
 
تعرض طفل فى الثامنة من عمره للتحرش خارج دار الأيتام التى يعيش فيها صرخ وجرى، وحكى للأم البديلة، فحررت محضرا بالواقعة فى قسم الشرطة، وقبض على المتحرش، وحرص الضابط على أن يرى الطفل المتحرش وهو مكبل بالكلابشات، وقال الضابط مش عايزك تبقى متضايق.
هذه الواقعة روتها ياسمين الحاجرى الاخصائية بجمعية وطنية لرعاية وتطوير دور الايتام، لتؤكد أن هذا الطفل تحدث عما حدث له بعد أن شاهد فيلم كرتون عن التحرش اسمه «فيلم مهم جدا» عرضته الجمعية على أطفال الدار الأيتام فى السن من 5 - 10 سنين.
 
بعد عرض الفيلم تحدث أخصائى الجمعية مع الأطفال عن اللمسة الحلوة واللمسة الوحشة، وشجعوا أصحابالدار على الإبلاغ عن هذه الوقائع «أصحاب دور الأيتام بيخافوا يبلغوا عن وقائع الاعتداءات أو التحرش، لأنهم بيخافوا على التبرعات» كما تقول ياسمين.
 
لكن ياسمين أقنعت مدير الدار بأن يحكى الطفل ما حدث له لباقى إخوته فى الدار، وكانت المفاجأة أن الأطفال كلهم حكوا عن وقائع مشابهة حدثت لهم.
 
المجلس القومى للطفولة والأمومة كان قد فجر فضيحة قبل أيام فى دار أيتام تابعة لمؤسسة خيرية شهيرة، عندما كشفت الأم الكفيلة لأحد الأطفال بالدار، عن تعرض الطفل ذى السبع سنوات للاغتصاب على يد مدرس بمدرسة الدار، وأكدت الواقعة بالكشف عليه بقسم الطب الشرعى بطب عين شمس.
 
وأحالت وحدة الإتجار فى البشر بالمجلس الواقعة إلى النيابة ومكتب النائب العام.
«اتصل الكثير من حالات التحرش بالأطفال إلى بلاغات خط نجدة الطفل المجانى 16000» لكن المشكلة أن الأسرة ترفض أن يصل الأمر إلى النيابة خوفا من الفضيحة، خاصة إذا كان المتحرش بها أنثى كما يقول د. نصر السيد الأمين العام للمجلس.
 
ومازال الأطفال الضحايا لا يدركون فى كثير من الأحيان ما يحدث لهم، ويعانون فى صمت أو خوفا من الجانى، ومازالت برامج التأهيل للضحايا غير متوافرة للكثيرين، و«علينا أن نتوصل لقرار جماعى بتعميم هذه الخدمات، وبنشر برامج الحماية لكل الأعمار بما يناسب كل فئة عمرية»، كما تقول سمية الألفى مدير إدارة تنمية الطفولة بالمجلس. 
 
نسبة بلاغات الاعتداء على الأطفال التى ترد إلى خط نجدة الطفل المجانى 16000 الذى بدأ عمله فى 2005 تعتبر قليلة بالنسبة لمجمل أشكال العنف الأخرى التى يتعرض لها الأطفال، «لكن حالة الإبلاغ الواحدة فى دار للأيتام مثلا، تكشف عن تعرض كل أطفال الدار تقريبا للاعتداء فى صمت، ولأكثر من مرة، غالبا من أحد المشرفين»، كما يؤكد أيمن عبدالرحمن مدير الخط.
 
هنا ترد عائشة عبدالرحمن وكيل وزارة الشئون الاجتماعية المسئولة عن مؤسسات الرعاية: اكتشفنا فى زيارتنا لأحد دور الأيتام حدوث اعتداءات بين البنين والبنات فى الدار، لأنهم كبروا معا دون أن يشعر المشرفون على الدار بأهمية فصل البنين عن البنات.
 
وكان هناك صعوبة فى فصلهم، لأن المسئولين فى الدار قالوا لنا: «دول ولادنا واحنا مربينهم من وهمه فى اللفة».
 
ترجع عائشة أحد أسباب هذه المشكلة إلى قلة راتب المشرف أو الأخصائى المكلف بالمبيت مع الأطفال ليلا فى الدار، مما يجعله ينام مغلقا الباب على نفسه، ليذهب إلى عمل آخر فى الصباح «عشان كده عملنا تدريبات للأخصائيين على اكتشاف حالات الاعتداء والتصرف فيها وزدنا مكافأة المكلف بالمبيت 300 جنيه شهريا».
 
∎وفى المدارس أيضا
 
وتتحدث د. إقبال السمالوطى رئيس جمعية حواء المستقبل عن تجربتها مع التحرش فى المدارس قائلة: «لما بنكشف اللى بيحصل فى بعض المدارس، ونشجع المعتدى عليه ونقوى شخصيته منخلال الأنشطة، الوزارة بتقفل باب المدرسة قدامنا، رغم أن كثيراً من الأخصائيين فى المدارس مش مدربين على مواجهة المشاكل دى بحرفية».
 
ويعترف د. محمد الإمام مستشار علم النفس والتربية النفسية بوزارة التربية والتعليم بأن المجتمع لم يستفد بعد من الأخصائيين النفسيين، الذين تم تعيينهم بالمدارس منذ 1994 لأن المجتمع لم يعط لهم أدوارهم، ويحتاجون للتدريب «عرض على بعض الأخصائيين فى إحدى محافظات الصعيد مشاكل فى المدارس، وشعرت بالحرج لأنه ليست لدى حلول للمشكلة، ولجأت إلى وكيل وزارة الأوقاف فى المحافظة التى حدثت بها وقائع فى أكثر من مدرسة، لنعالج الأمور برقة فى هذا المجتمع الخاص».