السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قلـــة الأدب ثقافة الجيل الجديد!

قلـــة الأدب ثقافة الجيل الجديد!
قلـــة الأدب ثقافة الجيل الجديد!


كلمات خارجة وحوار غريب لم أصدق أذنى عندما سمعتها أثناء انتظارى لابنتى أمام مدرستها من شلة أولاد وبنات من باب «الهزار» والمفترض أنهم «ولاد ناس جدا» وتعليم أجنبى وأبناء لوسط راقٍ فهم أبناء لأساتذة بالجامعة أو أطباء أو مهندسين أو شخصيات محترمة .. لم تكن هذه المرة هى الوحيدة من نوعها فقد فوجئت بابنتى تسألنى عن معانى بعض الألفاظ البذيئة التى قد لا أعلم معنى بعضها وبعضها أعلم أنها من باب الشتيمة التى لا نسمعها إلا من شريحة معينة نصفها «بالسوقية».
 
نطلق على كلامهم «كلام الشوارع» كالذى نسمعه فى خناقة بين سائقى ميكروباص أو فى منطقة شعبية جدا، والغريب بل الخطير أن ابنتى قد سمعت هذه الكلمات فى المدرسة على ألسنة زملائها وبعض الألفاظ على لسان مدرسيها أو فى برنامج تليفزيونى ساخر كبرنامج باسم يوسف على لسانه أو على لسان من يطلق عليهم «شيوخ» فى قنواتهم التى هى من المفترض دينية أو قرأتها ابنتى على تويتر مكتوبة ضمن تويتات أصدقائها أو على الفيس بوك كتعليقات ساخرة أو نكت.. وهنا توقفت لأرى كم الإسفاف والبذاءة التى تحيط بنا ولم تسلم منها أى شريحة اجتماعية أو اقتصادية ولا تتوقف على مقدار الثقافة أو التدين والتى قد تكون صدمتنا أول الأمر ولكننا للأسف ما لبثنا أن تعودنا عليها فلم يعد هناك مكان لكلمة «عيب» أو يحرج شاب من أن يلفظ كلمة خادشة للحياء فى وجود بنت لأنه ببساطة الكلمات الآن تخرج من البنات أنفسهن.. هل هى التطور الطبيعى للانفتاح الذى نعيشه على العالم باختلاف ثقافاته وعاداته؟ أم هذا ما حمله لنا الواقع الافتراضى الذى دخل بيوتنا دون استئذان ودون سابق إنذار فمسح الحياء والعيب والغلط؟؟ أم هو جزء من حالة الانفلات اللانهائى على كل الأصعدة الأخلاقية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية؟ أم هى موضة جديدة وتطور للغة الحوار بين أجيال جديدة لم تعد تؤمن بالعيب والممنوع؟ هل هو نتيجة دراما العشوائيات وخناقات التوك شو والتى تحوى مشاهد غريبة كخلع الحذاء؟ أم كل هذا جزء لا يتجزأ من حالة انهيار الدولة ومؤسساتها والقانون والأخلاق والتقاليد وحضارة الماضى والطابع المتحفظ الوسطى الذى كان يميز المصريين؟
 
ثم يأتى السؤال الأهم هل نحن كأباء وأمهات من حقنا أن نقلق من هذا الانحدار على الجيل القادم ولو قلقنا فماذا بأيدينا أن نفعل لنتوازن وسط الانفتاح الذى نعيشه فكيف نرد على أولادنا عندما نسمع لفظ غير مناسب أمام أولادنا فى برنامج أو عندما ينطقونه هم هل نصبح كالنعامة التى تدفن رأسها فى الرمل من الحرج أم نضع أولادنا فى سجن وردى فلا يستطيعون التعايش مع من هم فى سنهم أم نتصرف وكأن شيئا لم يكن؟
 
؟ يفهم آه.. يقول لا
 
الانقسام كان واضحا بين أولياء الأمور ففريق يرى أن الأسرة والبيت هما المسئولان لان عن أى تراجع أخلاقى ومهما حدث «فالمتربى متربى» والفريق الآخر يرى أن هذا جزء من حلم رومانسى فالأهالى إن لم يتعايشوا مع الواقع «البذىء» فهم يضحكون على أنفسهم أو أن أولادهم هم من يضحكون عليهم.
 
الدكتورة ليلى عبدالرحيم أم لثلاث بنات فى المرحلتين الإعدادية والثانوية كانت ممن تجاذبت معهم أطراف الحديث وأبدوا قلقهم فقالت: «التليفزيون والكمبيوتر والشارع وحتى المدرسة مليئة بالذاءة وكأنها أصبحت لغة مجتمع وفى رأيى الإعلام هو المسئول الأول لأنه يدخل كل بيت ويربى الأطفال ويتغنون أحيانا بأغانى مسلسلات وأفلام كلها كلمات وألفاظ سيئة فيتعود الأطفال على هذا الكلام ويتناقلونه فى المدرسة فماذا نستطيع نحن كآباء وأمهات أن نفعل نغلق التليفزيون؟ شىء غير واقعى لذا فأنا أحاول دائما لفت نظر بناتى إذا سمعت منهن كلمة غير مناسبة لن أقدر أن أفعل أكثر من ذلك فأين سأذهب بهن؟ 
 
سميرة فايد مهندسة لها ولد وبنت فى الخامسة عشرة والثالثة عشرة من أعمارهما فى التعليم البريطانى تقول: «ألاحظ فى النادى أسلوب الأولاد عامة وألفاظهم وأجد بالفعل كلمات لو كنا تفوهنا بها أمام والدينا لكنا «فى خبر كان» ولكن يجب أن نفهم أن العالم تغير والولاد لم يعودوا أطفالا انظروا للنكات على الفيسبوك وتويتر وفى الأفلام والمسلسلات ليس من الطبيعى عزلهم أنا بالطبع لا أشجعهم بل أذكرهم دائما أن هناك حدودا ولكن لا أتفاجا عندما أجد ابنتى تضحك على «إيفيه» معين معناه خارج أو أن ابنى يكتب تعليقا خارجا على الفيسبوك ولكن لا أظهر بالطبع أنى موافقة ولكن أنا مؤمنة باختلاف الأجيال وألا يفعلوا ذلك من وراء ظهرى لأن العالم مفتوح .
 
؟ نعالج المرض وليس العرض
 
الأستاذ الدكتور سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس له رأى ووجهة نظر فى هذه الظاهرة فيقول: «أنا لست منزعجاأبدا ولست متفاجئا فمن ينزعج هو من يظن أنه من بعده من أجيال سيعيش على ما عاش هو عليه طول عمره ولو أن هذا الكلام سوف يزعج العديد ويستفزهم خاصة من متخصصين فى الاجتماع، وقد انزعج آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا قبل ذلك منا نحن.. وجدى أنا شخصيا اعتبرنى قليل الأدب عندما لم أقبل يده لأن يومها كل «العيال بتوطى تبوس إيد جدها»، أما اليوم فلو فعل هذا أحد لضحك الناس عليه.. ثانيا يجب أن نعى أن وسائل الاتصال الجمعى من فضائيات وإنترنت تنقل ثقافة عالمية لم تعد تهتم بالمحرمات خاصة فيما يتعلق بالألفاظ والكلمات لأن دلالة الكلمات حاليا فى المزاح أو السباب لا تحمل نفس المعانى البذيئة التى كانت تحملها بالنسبة لنا فالنقطة هنا هى خادشة لمن؟ فقد كنت فى أمريكا فى فترة السبعينيات وكانت تعتبر ثقافتها محافظة فى هذا الوقت وحضرت اجتماعاً فى الجامعة هناك فوجود أساتذة ورئيس القسم ووقتها طلعت كلمة (....) ولها معنى خادش جدا فسألت كيف ذلك فأجاب رئيس القسم هذا ليس المراد به حرفيا وأسمع بنات فى قعدة مع ولاد وبنات يقلن عن ولد أنه «شاذ» ويرون أن ذلك وصف عادى وليس شتيمة فاللغة والأهم من كل شىء والذى يجب أن نركز عليه هو ما طرأ على هذا الجيل من إيجابية فاليوم الشاب الذى يشتم أو يتفوه بألفاظ جديدة علينا تجده أكثر وعيا بالسياسة ويعلم ما يدور حوله جيدا ويتحدث فى السياسة بطلاقة وهذا هو ما أركز عليه فحتى لو كنا لا نقبل هذه اللغة فليس من الواقعى أن نفرض رقابة الأن فمن يستطع أن يفرضها فليفرضها، ويرى الدكتور نعيم أن المشكلة أكبر من ذلك فيضيف..فى العالم العربى ونحن فى مصر خاصة هذه الأيام «أيام مرسى» التركيز أصبح على الشكل والكلمات أكثر من المضمون فكأن الناس لم يعد وراءها سوى «الإباحة وقلة الأدب» ،فالمدرسة التى يتكلم فيها الطلبة بهذا الأسلوب إذا اهتمت بالأنشطة التى اختفت اليوم من خطابة وفنون ستساهم فى ارتقاء السلوك وانشغال الأولاد بذلك بدلا من سياسة التلقين والدروس الخصوصية والفراغ الذى يقضونه فى السباب ، و أن تصبح الجامعات بها أنشطة الأسر التى تمتلئ بطاقات الشباب والآلاف التى تمتلىء بهم ساحة الجامعة لا يفعلون شيئا لا معامل ولا أنشطة فأنا أراهم يلعبون» «صلح» «ويشتمون بعضهم ولا أهمية للوقت والجهد فنعالج هذه المشكلة وليس العرض الناتج من هذا الخزى فى الجامعات».
 
ويرى الدكتور نعيم أن الخروج من أى انحدار يتم من خلال ثلاث جهات كمنظمات الضبط الاجتماعى ويقول: «أولا الأسرة ثانيا المدرسة ثالثا الشارع لأننا كلنا تربية شوارع بمعنى الكلمة فنتربى على سلوكيات الشارع من حولنا فنكتسب منه القبح أو الأدب أو احترام القانون الجمال العنف وهذه المؤسسات التى تركز على الجوهر وأهم من كل شىء نظام الحكم والحكومة وسلوكياتهم ، ففى الخارج لا يعانون هذهالمشكلة الأولاد يتكلمون كما يريدون المهم يبنون تكنولوجيا وعلما واقتصادا وفنا ولايركزون على الثانويات المتغيرة .
 
؟ أعمل إيه كام؟
 
وفى الموقف الذى أوضع فيه كام ما بين رغبتى فى أن يصبح أولادى «متربيين» وبين الواقع الذى يفرض نفسه من حولنا ومحاولات أولياء الأمر للوصول للتوازن لجأت لطبيبة الأمراض النفسية فاطمة الشناوى فهى خبيرة العلاقات الزوجية والأسرية وخبيرة التنمية البشرية لأسالها» نعمل إيه؟ فقالت: «التغيرات التى تحدث فى المجتمع عديدة وهذه هى إحداها فإذا رجعنا بالذاكرة فسنجد أن الدنيا قامت ولم تقعد عندما قالت فاتن حمامة فى فيلم «يا ابن ...» الآن أصبحت كلمة عادية فى كل المسلسلات فالأخلاقيات تغيرت والتليفزيون ساعد على ذلك كثيرا ويدخل كل بيت والآن الإنترنت أيضا فى كل بيت وفى يد كل شاب وطفل ومراهق وفى رأيى فإن لكل عصر مفرداته وهو ما لا نستطيع إنكاره وهنا يأتى دورالبيت فى كل وقت فتكون هناك رقابة غير، مباشرة للاطمئنان على الطفل ومصادقته، وأن تكون هناك قدوة فى البيت فلا يتلفظ الآباء والأمهات بهذه الألفاظ ويفهمون أولادهم أن هذه الكلمات ولو أحاطت بهم فهى لا تصح ونرشدهم ولا نمل من دورنا فى التوعية والإرشاد ونفهم جيدا أن التغيرات تحدث دائما والمستجدات لن تنتهى ولكن دورنا فى مساندة أولادنا وتفهمهم هو ما سيعبر بهم أى منعطفات».
 
وتضيف الدكتورة فاطمة أن ما يحدث الآن من تغيرات نتيجة طبيعية للفوضى التى تحدث بعد كل الثورات فكل الثورات فى العالم استمرت بها حالة عدم التوازن لسنوات عديدة فيكفى أن نتامل فى موقف كالذى حدث فى شبرا من طعن طالب لزميله لنفهم كم التغيرات والفوضى التى نعيشها والأمل والدعاء ألا تطول هذه الفترة من عدم التوازن لأن الاستقرار هو ما يضع كل شىء فى موضعه الصحيح.؟