أكتب لكى أفرح

د. عزة بدر
تعرفتُ على الحركة الأدبية فى دمياط عن قرب فقد عشت فى هذه المدينة الساحرة طفولتى وصباى، عرفناها «دمياط الشاعرة» كما سَمَّاها الشاعر الكبير طاهر أبو فاشا، وهو من أبرز شعرائها، تغنوا بها دائمًا، وكتبوا عنها أعذب الأشعار جيلاً بعد جيل، نتوارث هذه القصائد العذبة كالفرائد، كاللآلئ، ننشدها فى لحظات الشوق إليها، نتغنى بها على البُعد، ونعودُ إليها كالطير المسافر حين يعود للأحباب.
ومن شعرائها الرواد سليمان عياد (1845- 1925)، وعلى الغاياتى (1885 - 1956)، ومحمد البدرى محمدين (1891 - 1955)، ومحمد طاهر الجبلاوى (1898 - 1979)، وطاهر أبو فاشا (1908 - 1989). وتواصل عطاء أبنائها المبدعين فى جميع مجالات الفكر والفن والإبداع، ومن أبرز مبدعيها الرواد فى مجال الفلسفة د.زكى نجيب محمود، ود.عبدالرحمن بدوى وفى الأدب: د.لطيفة الزيات، ود.عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ»، ومن العلماء د.مصطفى مشرفة. ولاتزال دمياط تهدى لحياتنا الأدبية والثقافية العديد من المبدعين فى جميع المجالات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فى مجال الرواية: صبرى موسى، وصالح مرسى, ومصطفى الأسمر، ويوسف القط، ومحسن يونس، وصلاح عبدالسيد، وأحمد زغلول الشيطى، وفى مجال القصة: سمير الفيل، وحلمى ياسين وحسين البلتاجى ومحمد بركة، وفى مجال الشعر فاروق شوشة، ود.عيد صالح، ومصطفى العايدى، والسيد النماس، وأنيس البياع، وأحمد الشهاوى. وفى مجال الكتابة للسينما بشير الديك. وفى مجال المسرح: محمد أبو العلا السلامونى، وعبدالغنى داوود، ومحمد الشربينى وناصر العزبى. وفى مجال النقد د. شوقى ضيف، وأحمد عبدالرازق أبو العلا، والعديد من المبدعين الذين أثروا حياتنا الأدبية وفى هذا الحوار إطلالة على الحركة الأدبية والنشاط الثقافى فى دمياط مع واحد من أبرز مبدعيها وأكثرهم نشاطًا فى التوثيق للحركة الأدبية ورموزها خاصة فى دمياط. أصدر سمير الفيل العديد من المؤلفات الأدبية، منها فى الشعر: «الخيول»، وفى الرواية: «رجال وشظايا»، وفى القصة القصيرة «جبل النرجس»، و«صندل أحمر»، و«حذاء بنفسجى بشرائط ذهبية» و«خط أتوبيس 77»، وغيرها كما حصل على جائزة الدولة التشجيعية فى القصة القصيرة. جماعة رواد وعروس الشمال سألته عن بدايات الحركة الأدبية فى دمياط، وجهود جماعة رواد فى التأسيس لها، ودورها فى إثراء الحياة الثقافية المصرية. فقال سمير الفيل: «تأسست جماعة رواد عام 1961، وأسسها ثلاثة من الرواد هم الشاعر محمد النبوى سلامة، والروائى مصطفى الأسمر، والناقد كامل الدابى، وقرروا إشهارها فكانت أول جمعية أدبية خارج العاصمة، وأشهرت من خلال وزارة الشئون الاجتماعية عام 1967، وكان مقرها الاتحاد الاشتراكى العربى حينذاك، وأثبتت الجمعية وجودها فعقدت أول مؤتمر أدبى فى مايو عام 1966، وتوالت المؤتمرات الأدبية الناجحة فى مايو 1967، وأغسطس 1969، وقد حضر فى هذا المؤتمر الأبنودى، ومحمد الفيتورى، وأحمد عبدالمعطى حجازى ود.عائشة عبدالرحمن، وطاهر أبو فاشا، وفاروق شوشة. وأصدرت الجمعية كتابين عن «مختارات من أدب الرواد». كما حرصت جماعة «رواد» على نشر «رسالة رواد» كنشرة يومية فى حربيّ 1967، و1973. وعندما صدر قرار وزير الشئون الاجتماعية عام 1970 بدمج جمعية رواد الأدبية المستقلة إلى جمعية قصر الثقافة، وتم تسليم الأصول إلى جمعية قصر وبيوت الثقافة، آثر الرواد العمل الثقافى بشكل مستقل كما بدأوا فكانوا يجتمعون فى معرض موبيليات مصطفى الأسمر، أو صالون حلاقة الخاص بالشاعر محمد النبوى سلامة. واقترح السيد النماس، والحسينى عبدالعال، وأنيس البياع الدعوة إلى تكوين اتحاد كتاب مستقل لكن هذه الدعوة لم تلق قبولاً من وزير الثقافة يوسف السباعى حينذاك، فتوقفت الفكرة لكن عندما حدث العدوان الإسرائيلى على لبنان عام 1982 عاد الأدباء إلى قصر الثقافة إحساسًا بمسئوليتهم الوطنية تجاه مقاومة ما يحدث من عدوان، وتم إصدار العدد الأول من «رواد» وأشرف عليه مصطفى الأسمر، وكان يمثل رد الفعل الوطنى من أدباء دمياط ضد الغزو الإسرائيلى لبيروت عام 1982. وبدأ التخطيط لإصدار مطبوعات ومؤلفات أدباء دمياط- بعد أن اقترح مدير قصر الثقافة حينذاك محمد عبدالمنعم إبراهيم شراء ماكينة ماستر وبالفعل تم ذلك، وصدر العدد الأول يحمل قصائد محمد النبوى سلامة وهو بعنوان «غنوة شقيانة»، وتبعه ديوان «الخيول» لسمير الفيل، وكتاب لمحمد الشربينى بعنوان «رؤية من منظار آخر». ثم ازدهرت الحركة الأدبية من خلال إصدارات عديدة فأصدرنا مجلة «رواد» ومجلة «عروس الشمال»، وسلسلة أعلام دمياط وكنا أول قصر ثقافة يقوم بمثل هذا النشاط فى النشر والتوثيق. حراك ثقافى فاعل ويستطرد سمير الفيل: «الصلات الأدبية توهجت فى هذه الفترة خاصة من خلال عقد مؤتمر أدباء فى الأقاليم لأول مرة فى المنيا فى فبراير 1984، وتم تمثيل نادى أدب دمياط فيه فشارك محمد النبوى سلامة، وسمير الفيل، وحلمى ياسين، ومحمد العتر، وعزة بدر. واستمرت المؤتمرات الأدبية، وازدهر النشاط الثقافى الذى تزامن مع وجود مبدعين أثروا الحركة الأدبية فى دمياط بإبداعهم مثل الشعراء: مصطفى العايدى، ومحمد علوش، ومجدى الجلاد، ود.عيد صالح، وحسام أبو صير فى شعر الفصحى. أما فى مجال شعر العامية فكانت كتابات محمد العتر، ومحروس الصياد، ومحمد الزكى، ومحمد غندور، والسيد جنيدى، وعبدالعزيز حبة، والسيد عامر، وضاحى عبدالسلام، والسيد الموجى، وصلاح عفيفى، وعلى ظلام، وأزجال السيد الغواب، وعبدالقادر سالوس. ومن كتاب القصة: طاهر السقا وهو فنان تشكيلى، وله مجموعة قصصية بعنوان «تنويعات على مقام الرصد» وكتب لها مقدمة الكاتب الأردنى غالب هلسا، وظهرت أجيال جديدة برز منها حلمى ياسين، وفكرى داوود، ومحمد شمخ، وفى الرواية، ازدهرت أسماء من جيل الرواد مثل مصطفى الأسمر، ثم تألق محسن يونس، وأحمد زغلول الشيطى. أما فى المسرح فكانت الكتابات المهمة لمحمد أبو العلا السلامونى، ويسرى الجندى، ومحمد الشربينى، وناصر العِزَبى وتألق فنانو المسرح رأفت سرحان، وفوزى سراج، وشوقى بكر. وقد أسس محمد أبو العلا السلامونى نادى المسرح فى دمياط عام 1980. وكانت هناك تجارب فنية طليعية فى المسرح فقدم محمود عثمان إخراجًا مسرحيًا لأشعار عبدالعزيز حبة. وتم مسرحة ديوانى «الخيول»، وقام بذلك شوقى بكر. وكتب أسامة الدليل «أقوال التاجر السعيد» وأخرجها فوزى سراج بعنوان «هموم دمياطية». موسيقى وغناء وفى مجال الموسيقى كانت هناك جهود مهمة للملحن وفيق بيصار الذى جمع الكثير من التراث الشعبى الغنائى مثل «الشاى على النار»، و«حسن على القلة»، وغنتها هيام هلال. وكتب النبوى سلامة أغنيات شهيرة منها «خد الجميل يا قصب» وغناها عبداللطيف التلبانى، وأغنية «صباح الخير صباح النور»، وقدمتها فرقة ثلاثى المرح. وتألق شعراء وكتاب قصة ورواية مثل أحمد الشهاوى، وعزة بدر، ومحمد بركة، وشريف صالح، وسمير الفيل، ونجوى شعبان، وعبدالله خيرت، وأحمد بلبولة، وعفت بركات، وفكرى داوود. الفن التشكيلي وفى مجال الفن التشكيلى، استطاع فنانو دمياط أن يصوروا فى لوحاتهم خصوصية دمياط، وطابعها الثقافى والاجتماعى، ومن فنانى دمياط محمد رزق، ويوسف صلى، وبدر الدين عوض بدر، وعبدالعزيز حبة، وسيد هويدى، وشادى النشوقاتى. ويضيف سمير الفيل أن أجيالاً جديدة من المبدعين مازالت تتألق فى «دمياط الشاعرة» من كتاب الشعر والقصة ومنهم تقى المرسى، وصلاح بدران، ومحمد صلاح الزهدانى، وأحمد عيوشة، ومحمد محيى الدين، وحسن المالح، وأحمد سعد، وأيمن عباس هاشم، وأحمد رامى عبدالله، وميادة حبيب، ونورة النيلى، وحسن طرابية، ويوسف عزب، وخالد البراوى، وصلاح مصباح، وسعد الأغا، وأحمد راضى اللاوندى، وأمل البرنبالى، وأشرف الخريبى، وعزيز فيالة، وهشام الخميسى، وأشرف ياسين، ومحمد مختار دحروج، ورشا عبادة، وناهد ضرغام، وهبة السويسى، ودعاء البطراوى، والعديد من المبدعين. عبدالقادر القط نشر لى 18 قصة ويضيف سمير الفيل أنه بدأ رحلته فى الكتابة مع «شعر العامية المصرية» ثم آثر التفرغ لفن القصة القصيرة، فقد نشر أكثر من ثمانية عشرة قصة فى مجلة «إبداع» وقد نشرها له د.عبدالقادر القط، وكان يرسل إليه قصصه عن طريق البريد، ويتحدث عن عالمه القصصى فيقول: «فى رأيى أن ليست هناك قصة طيبة أو ملساء، وإنما لابد أن تكون مركبة يكتشف المرء من خلالها قوانين الحياة، القصة تضيء العلاقات الحقيقية بين البشر. أتتبع إيقاعًا ما، الجملة تُسلم لجملة، أسير مع أبطالى وغالبًا ما يأخذوننى معهم، أنتصر دائمًا للجمال وللعدل الاجتماعى، والحرية، وكل شخصياتى على باب الله، ولهم قناعاتهم، وأصبح طرفًا فى الكتابة أتوحد مع شخصية أو أهاجمها أو أتلمس لها الأعذار، ولابد أن يشعر القارئ بالمتعة، وأنا أكتب لكى أفرح، وأفتح نافذة مشرعة على التفاؤل والضحك، فى مواجهة الوحشية والجهامة، وأهتم باللعب الفني: اختيار اللغة، ومحاولة رسم شخصيات فاعلة، وأحب كل نص حى يثير الأسئلة، أو يثير الدهشة أو يحقق المعرفة، والمتعة.