بين البصلة وقشرتها

د.سميح شعلان
علاقة بسيطة لكنها دالة، وعميقة لأنها معبرة، وواضحة لأنها كاشفة عن طبيعة العلاقة والأدوار. تلتصق القشرة بغرض الحماية من حرارة شمس الأيام الحارقة وبرودة الحياة التى تدعو لتسلل الأمراض إلى القلب الأبيض.. إنها علاقة التكامل واكتمال الأدوار والمهام. حين تبتعد القشرة، يبدأ العفن فى التربص وفرض سلطان الأمراض، فتذهب النضارة وينتهى النفع والمنفعة، وتذهب البصلة وقشرتها المتحللة إلى موقع النفايات. إنه نظم المنظم العظيم، الذى خلق الكون وأبدع، ورتب الحياة وأرسل الآيات، ليتدبر الناس ويدركوا المعانى ويحددوا المفاهيم والتصورات. التقطت الجماعة الشعبية المعنى والمغزى والرسالة وأبدعت المثل الشعبى: «يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا صنتها». يقال البصلة صننت أى فسدت وخرجت منها رائحة العفونة والفساد. فيه ناس بتحب تدخل بين البصلة وقشرتها، يعنى «بين الناس الحلوة اللى لازقة فى بعض، اللى الواحد منهم جزء من التانى، ومن غيره يبقى مالوش لازمة، ولا يعرف يبقى بين الناس متغطى ولا مستور، يعنى لو واحدة ست ساترها جوزها وبيحاجى عليها، وهو غطاها اللى مغطيها من برد وشرد الوحدة ومرار الناس والأيام.. يبقى ما ينفعش تخش ما بينهم وإنت ماتعرفش إنك يمكن بتهد الود اللى مخليهم حاجة واحدة».. «يعنى لو عايز تصلح وترجع القشرة لمكانها، وتصحح كل معانى العشرة اللى ما بينهم، يبقى لازم تبقى حسيس، وما تخشش جوه فى التفاصيل لأن ساعتها العشرة بتهون، علشان اللى ما بينهم بقى مفضوح، والراجل يبقى مش قشرة، والست مش جوه القلب متغطية بدفاه. وما هينوبك يا ابن الناس وما ينوبهم وما ينوبنا وما ينوب الناس إلا رائحة فساد العلاقة، التى تتداولها الألسنة محملة بميكروبات الأمراض». لعل النظرة السطحية للأمثال الشعبية والتى تتوقف عند منطوق المثل دون تأمل السياق الذى يدور فيه، والمفاهيم التى يرتكن إليها، والمعانى التى ينطق بها، والخبرات المتراكمة التى تدعوه للتعبير عن أحوال وأفعال وأقوال الجماعة فيعبر عنها ويعبر لها، ويعبر بها إلى حيث الاتصال الناجح، ويصد أذى الانفصال الذى يؤدى إلى تشوه العلاقات، وتراجع مبررات التلاقى والاقتراب. ولسه فى بلدنا كلام منعرفهوش.. ولسه قلبنا طيب .. ولسه دمعنا قريب ... ومنحوشهوش.. ولسه الناس كما هى.. تغنى الخير فى أغنية.. تاريخها على الحجر منقوش.. يا بلد الحب يا بلادى.. أنا سايب لأولادى.. حكاوى كتير.. إنها حكاية البلد اللى حارسها شعبها بمنظومة القيم التى تربى عليها عبر السنين الطويلة التى عاشها والخبرات المتراكمة، التى تعلم منها كيف ييسر الحياة ويسيرها نحو الخير والحق والجمال. عاشت مصر وتحيا دائماً مستندة على عمقها الحضارى وفى رحاب أمتها العربية.