الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التلاعب بموظفى الجمعية!

«تعرضت  صديقتى التى تعمل فى واحدة من كبرى الجمعيات الأهلية للسرقة المالية والأدبية من قِبَل الإدارة التى تسيطر على الجمعية منذ أكثر من ٤٠ عامًا؛ أفقدتها القدرة على الإبداع والمنافسة، وحوّلتها إلى مكتب استثمار أموال، لا تمتلك سوى مهارة التلاعب بالمِنَح والتمويلات، ورواتب الموظفين، وتزوير التوقيعات والأوراق والمستندات، وتمريرها  من خلال الرشاوى التى تقدمها لفِرَق من صغار وكبار موظفى الدولة والشخصيات العامة، فقتلتْ قدرات الموظفين، وأفسدتْ ضمائرهم، وبددت روح الرسالة التى اجتهد المؤسسون الأصليون  لتحقيقها، فتحوَّل تاريخها من القمة للقاع».



لم أستطع النوم تلك الليلة، بعدما عرفتُ قيمة راتبها الذى لا يتناسب بأى شكل من الأشكال مع تاريخها الطويل فى العمل وخبراتها فى مجال الإعلام والعلاقات العامة، والتنمية، والتدريب، والتخطيط، وكتابة المشروعات و..و..! وقد اكتملت الصورة فى رأسى كاملة حول هذه الجمعية! فالمجتمع الذى لا تُقَدِر إدارته مؤهلات فريق العمل الخاص به، ويمنح المال والتقدير فقط لأهل الثقة دون أهل الخبرة، ممن يرضون الأهواء الشخصية للمديرين والمسئولين.. هو مجتمع فاسد، يبث السموم والضلال، فما بالنا لو كان جمعية أهلية؟ من المفترض أنها تعبر عن قيم المجتمع، وتتبع وزارة التضامن إداريًا وإشرافيًا! أخذنا الحوار لتفاصيل راتبها من برنامج الإصلاح، فأخبرتُها أننى لم أتقبل موافقتها على عرض الخواجة الذى قرر منحها خُمس قيمة الراتب المخصص بالبرنامج، والذى كانت الخبيرة الأجنبية ستحصل عليه كاملًا لو لم تقف هى فى وجهها، وفى وجه مجلس الإدارة الذى لم يساندها، وفى وجه الإدارة التى لا يهمها سوى نفسها! فابتسمتْ قائلة: كان إحساسى يقظًا فى تلك اللحظات التى أدركتُ فيها إن عرض الخواجة هو وسيلة ضغط جديدة على أعصابى.. فقلتُ لنفسى، تستطرد: إما أقبله.. وكأننى لم أفهم رغبته هو وهيئته وجمعيتى فى كسرى، أو أعترض.. فيدركون أننى فهمت مغزى الرسالة التى يخبروننى من خلالها أن هذا هو قيمة تقديرهم لى.. وهكذا أعطيهم فرصة جديدة لإهانتي! فوافقتُ، وأعتقد أنهم لم يتوقعوا منى ذلك! ضريبة الإخلاص وهكذا احتفظتُ بعملى، واستمرتْ الحرب، قالتْ موضحة: مع وعيى وفهمى لحرص الخواجة على إزاحتى بكل الطرق، لالتزامه أمام الممولين الأوروبيين بتعيين مساعد أو مساعدة لى، بعدما كتب هو وهيئته -بموافقة جمعيتي- فى تقريرهم التقييمى أن هذا المكان لا يوجد به قطاع إعلام ولا علاقات عامة، وإن الشخصية التى تتولى أنشطة القطاع غير مؤهلة لتولى دور مدير القطاع. قلتُ لها: وهذه الشخصية هى أنتِ طبعًا! استطرَدَتْ موضحة: تذكرى أن لا أحد من الجمعية قدمنى لهم، وهذا هو سر طمعهم فى الوظيفة - كما أوضحت لكِ سابقًا- أما أمر المساعد أوالمساعدة، فمجرد مقدمة للتلاعب بي! قاطعتها، متسائلة: أنا لا أفهم، هل المطلوب تعيين مساعد أم مدير؟ أم الاثنين؟ فقالت: المساعد يأتى كمقدمة للاستغناء عنى، خاصة أننى كنت فى حاجة لهذه الوظيفة! فإذا ما استطاعوا تعيين مساعد.. كنتُ أنا الذى سأقوم بتدريبه وتعليمه سير العمل، وكافة البيانات والمعلومات المطلوبة، ثم يقوم الخواجة والهيئة الأوروبية بالتعاون والتواصل معه بدلًا منى.. وهكذا يتم تجنيبى وإهمالى، فأضطر بإرادتى أو بغير إرادتى لترك الوظيفة، أو أقبل هزيمتى وتحولى لدور السكرتيرة للمساعد، حتى تأتى الخبيرة كمديرة! وكله بمعرفة ورضا المجلس والإدارة التنفيذية! ولكنكِ أدركتِ اللعبة، وأعلنتِ استغناءكِ عن مسألة تعيين مساعد للقطاع، مقابل مطلبكِ بتأهيل زملائك فى المحافظات واعتبارهم المساعدين الحقيقيين! ابتسمتْ وقالتْ: نعم، ومن هنا بدأت الحرب علانية بينى وبين برنامج الإصلاح، وبدأوا يعلنون رغبتهم صراحة فى تعيين المدير الجديد!! ابتسمتُ وأنا أخبرها أنها تدفع ثمن وعيها وإخلاصها، وأن هذه الجمعية لو كانت حقيقية لكافأت حرصها على وظيفتها التى - تقريبًا - لا تأخذ منها شيئًا! وكان رأيى أن تساميها عن المطالبة بحقها هو الذى منح إدارة جمعيتها الفرصة ليس فقط للاستهانة بها، بل ولسرقتها وحرمانها منه كله.. بضمير راضِ، بحجة أنها ليست فى حاجة للمال، حيث تعمل وتربح من تدريب الجمعيات الأخرى، وأن أسرتها تدللها وتدبر معها شئونها المالية! وقد أيدتُ رأيى باعتراضى على الصمت والاستسلام الذى قابلتْ به قرار وقف راتبها الشهرى من خزينة الجمعية بأمر المدير العام- كما أخبرها الصراف- رغم عدم وجود اتفاق شفهى ولا قرار مكتوب بينها وبين الإدارة للتخلى عن راتبها الشهري! صمتتْ قليلا، ثم أجابت: لم يعترض أحد من زملائى على هذه القرارات، فلماذا أعترض أنا؟ وببعض الحدة، أجبتُها: أنتِ لا تعلمين ماذا يدور بين زملائك وبين الإدارة والمجلس وبرنامج الإصلاح! سر التوافق قاطعتنى: معكِ حق! ولا أعتقد أن أحدًا من هذه الأطراف اهتم بوضع سياسة توحدنا كفريق واحد مسئول عن استمرار وتنمية وتطوير العمل، خاصة أعضاء المجلس الذين لا يتعبون أنفسهم فى البحث عن الحقيقة بمعرفتهم، مكتفين بما يسمعونه ويعلمونه من المدير، رغم ثقتهم أنه يكذب، وغير مؤهل للإدارة منذ سنوات! وضاحكة علَقَتْ: ولذلك، يقوم المدير باختيار أعضاء الجمعية العمومية الذين يأتى المجلس منهم، وغالبا ما يختارهم من أصدقائه، أو أقاربه، أو من الموظفين الموالين الذين يشترى أصواتهم مقابل رضائه المدفوع! بينما يغلق باب الاشتراك فى وجه أى شخص يريد الانضمام للجمعية العمومية، وخاصة أصحاب الأسماء والخبرات اللامعة فى العمل العام والتنموي! وإن كان هذا لا يمنع وجود بعض الأشخاص المؤمنين بخدمة المجتمع بحق، الدنيا لسه بخير! فأجبتُها: بالتأكيد، ولكن النوايا الطيبة لا تصنع التغيير، فى ظل السلطة المطلقة للإدارة، مع عدم الإقرار بتواضع المعرفة من المجلس.. وعدم الرجوع لأصحاب المصلحة الحقيقيين الذين هم أنتم فريق العمل بالجمعية! روتْ لى عن التفاهم بين الخواجة وبعض أعضاء المجلس، فسألتُها عن طبيعة المصلحة المحتملة التى جعلت هؤلاء الأشخاص يتفقون مع الهيئة الأجنبية ضدها هى وزملائها، وضد المدير نفسه - أحيانًا- فى جرأة غير عادية؟ فقالتْ: أظهر أفراد الهيئة الأجنبية الثقة المطلقة فى قدرتهم على إحداث التغيير بالجمعية أمام المجلس، بما يمتلكونه من معلومات عن كم الفساد، ووقائع عدم صلاحية الإدارة للاستمرار فى العمل، مع التهديد الضمنى بربط التمويل بالتغيير! فى نفس الوقت الذى استطاعوا قراءة طريقة تفكير بعض هؤلاء الأعضاء، وأدركوا حدود خبراتهم فى مجال الجمعيات الأهلية، مثلما أدركوا مدى غطرستهم وعدم تفاعلهم مع فريق الجمعية، مما سمح لهم بالسيطرة عليهم تمامًا! المفاجأة ولكن، هل تعلمين؟ سألتنى وأجابتْ: بقدر تعاملى مع الخواجة، لم ينجح فى إقناعى بأسباب مساندة بعض أعضاء المجلس له ولزملائه فى أسلوب تناول خطط إصلاحنا، وخاصة العضو المنحاز لهم، ولا حتى حينما أخبرنى الخواجة أن الرجل اعترف بالخزى والندم لعدم قيامه بالإصلاح اللازم منذ سنوات، حينما أُتيحت له الفرصة، وهذا هو سر تعضيده لبرنامج الإصلاح الحالي! ورغم معقولية تبرير عضو المجلس – كما أخبرتها- لكنها أوضحتْ عدم اقتناعها، قائلة: لو كان يريد إصلاحًا حقيقيًا، لقرر إيقاف ومحاسبة الإدارة التى من الواضح جدًا غياب قدراتها - منذ سنوااااات- ولكنه هو وكل زملائه.. تركوا الإدارة ترتع فسادًا، وحاسبوا الموظفين، الذين انهارت قدراتهم أو تجمدت وتبددت فى ظل غياب التخطيط الصحيح، الذى لم يوفر القنوات السليمة لإبراز الإمكانيات وتضفيرها معًا لصالح العمل، خاصة وأن سلطة المجلس هى محاسبة المدير وليس فريق العمل! وأنتِ تعرفين رأيى «لا يوجد موظف فاشل بل مدير فاشل»! أخبرتنى أن إيقاع الخواجة ازداد عنفوانًا مؤخرًا، وبدت رسائله نحو ضرورة التغيير أقوى، مع حرصه فى كل اجتماع على إخبارها أن المجلس يقابل المرشحين لتولى وظيفتها، وهى تخبره: أنت تعرف ماذا سيكون رد فعلي! وأنا أقول فى قلبى «كم أنتِ طيبة يا صديقتى»! فى نهاية اليوم، اِتصلتْ بى بصوت غاضب ومختنق وقالتْ: مفاجأة.. اليوم أخبرتنى شخصيتان بالحسابات أننى الوحيدة من فريق برنامج الإصلاح التى لا أقبض راتبى من خزينة الجمعية، بينما كل زملائى يقبضون راتبين.. من الجمعية ومن البرنامج! ارتفعتْ نبضات قلبى مع الخبر، وأنا أحاول تهدئتها، ورغم هذا، وجدتُ نفسى أختم حوارى معها.. قائلة: أناس بهذا الفساد، ليس مستبعدًا منهم أى تصرف، فاستعدى.. لأنه ربما يكون القادم أسوأ!