فادى ..صانع الخبز المقدّس

ابتسام كامل
تحدَّث الكتاب المقدَّس كثيرًا - بعهديه القديم والجديد- عن الخبز والماء والزيت وعصير الكرمة، حتى يكاد يَندُر وجود سفر لا يتكرر فيه الحديث عن الخبز الذى نال مكانة واضحة فى أحداث الكتاب. منذ العهد القديم.. كواقع حى يظهر اهتمام الله باحتياجات الإنسان من مأكل ومشرب..
منذ هيأ له الزرع والحصاد، وكرمز دينى تم تحقيقه فى العهد الجديد عبر تفاصيل حياة السيد المسيح الذى ذكرت الأناجيل كيف سار الناس وراءه بعد معجزة إشباع الجموع التى تكررت مرتين متتاليتين. مرة.. حينما أشبع خمسة آلاف رجـل ماعدا النساء والأولاد من خمسة أرغفة وسمكتين، والثانية.. حينما أشبع أربعة آلاف رجل ما عـدا النساء والأولاد مـن سبعـة أرغفـة وبعض صغـار السمك. بينما اعتاد السيد المسيح مشاركة تلاميذه فى كسر الخبز، واصفًا نفسه بأنه خبز الحياة (يوحنا 35:6) فى إشارة لتقدمة ذاته بالعشاء الأخير (متى 26:26).. كخبز مقدس، حينما أخذ الخبز وباركه وأعطاه للتلاميذ قائلًا: هذا هو جسدى.. اصنعوا هذا لذكرى. فصار ذلك الخبز صلب العقيدة فى الديانة المسيحية. أنواع الخبز ومن يتابع التّطوُّر التاريخى بالكتاب المُقدَّس، سيكتشف كيف استخدم الله الخبز كرمز لسلوك البشر. منذ أول وليمة أقامها أبونا إبراهيم إكرامًا لضيوفه حينما قدم لهم خبز الملة (أى غير الناضج) (تكوين 18). وخبز الوجوه أو خبز الحضرة (لاويين 24) الذى كان يترك أمام الله لمدة 7 أيام.. فى إشارة لاستمرار المؤمنين فى تقديس الله. وهناك خبز الأتعاب.. إشارة لمن يعتمد على ذراعيه فى سعيه بالحياة (مزمور2:127)، وخبز الدموع.. إشارة للمشقات التى يعانيها الشعب إن تخلى الله عنه (مزمور 5:80)، وخبز الكذب.. إشارة لقوت الإنسان حينما يحصل عليه بالغش والخديعة، وخبز الشر.. الذى يتسبب فى الأذى للغير حينما يكون مسروقًا وحلو الطعم فى أوله (أمثال 17:4). وهناك رغيف الباكورة أو الترديد (لاويين 23) كدلالة لوجود مؤمنين غير اليهود، بالإضافة لأنواع مختلفة من الخبز مثل الأقراص والفطير، خصوصًا فطير الذبيحة الملتوتة بالزيت الذى يرمز إلى كمال المسيح المنتظر وتنزهه عن الخطيئة. ويصنع من دقيق معين، وبطريقة معينة .. مثل القربان (جمع قربانة). القربانة كلمة تحمل وصف الخبز ووظيفته فى آن واحد. فهى كلمة عربية جذورها عبرية «Qarab»، وتعنى الاقتراب من الله، وباليونانية تعنى الافخارستيا Eucharistia فى دلالة لسر التناول كأحد أسرار الكنيسة السبعة، أما وظيفتها فهى الشركة الروحية مع الله، وقد عرف مُعجم المعانى القربان عند المسيحيين بأنه ما يُقدِّسه الكاهن فى القداس من الخبز والخمر. سر تحويل الخبز سألت فادى عيسى قرابنى كنيسة العذراء والملاك ميخائيل بالخلفاوى فى شبرا القاهرة، عن سر حب المسيحيين للقربان، فقال: القربانة طعمها جميل لأنها رمز السيد المسيح، بالإضافة لحلاوة طعمها رغم أنها مجرد دقيق وخميرة ومياه.. وخاصة قربان الحمل بسبب التحوُّل الذى يحدث بسبب صلوات القداس ويحولها لجسد المسيح كما يؤمن المسيحيون، والخمر الذى يتحول إلى دمه.. وهذا ليس عجيبًا فقد رأى المصريون قوة الصلوات مع حادثة نقل جبل المقطم الشهيرة فى القرن العاشر. الخميرة ترمُز للخطيئة ولكى تخرج قربانة جميلة هكذا، قال فادى: تمر القربانة بـ 6 مراحل، أول مرحلة هى العجنة التى يتم فيها إضافة الماء للدقيق والخميرة؛ والمعروف أن الخميرة ترمز إلى الخطية، ولكن مثلما قيل عن المسيح أنه حمل الله الذى يحمل خطايا العالم، وإنه أمات الخطيّة بآلام الصليب.. فهكذا تموت بكتريا الخميرة حينما توضع القربانة فى الفرن. لا يوضع بالعجين ملح؛ لأن الملح يضاف لحفظ الشىء، بينما يجب ألا تمر 12 ساعة على خبيز القربان. ثم ما الحاجة للملح وقد قيل عن المسيح أنه ملح العالم؟ المرحلة الثانية هى مرحلة تقطيع العجينة بحسب الحجم المطلوب، على أن تكون القربانة مستديرة كالشمس فى إشارة للمسيح شمس البر، ولأن الدائرة تشير إلى الأبدية واللا نهاية. والمرحلة الثالثة حينما يتم دق الختم بحسب حجم القربانة بصليب كبير نسبيًا وحوله 12 صليبًا صغيرًا إشارة للمسيح وتلاميذه، وعلى حافة الختم توجد عبارة قدوس الله. أما المرحلة الرابعة فاسمها البختشة، حيث يتم ثقب القربان بـ 5 ثقوب إشارة للضربات الخمس التى وقعت على المسيح، وهى إكليل الشوك، والحربة، ومسمار القدم، ومسمارى اليدين. والمرحلة الخامسة هى مرحلة وضعه بالفرن لتسويته على نار هادئة. قربان لغير المسيحيين يرى بعض الآباء الكهنة، أن القربان خبز مقدَّس، ولا يجب التعامل معه كالخبز العادى الذى نستخدمه فى تناول الطعام، وإلا يفقد قيمة الرمز الذى يشير إليه وهو المسيح، ويفقد بركة الصلوات التى تصاحب صناعته. بينما يقول فادى إن أصدقاءه المسلمين يحبون القربان جدًا، خصوصًا حينما يكون ساخنًا، ويطلبون منه أن يأتيهم ببعضه، ولا مانع أن يشاركهم فى تناوله مع الشاى وأى طعام آخر! أسأله عن الصلوات التى يتلوها القرابنى أثناء خبزه للقربان، وما الفرق بين قربان الحمل وقربان التوزيع، الذى نشتريه بعد القداس؟ فيقول إن الصلوات هى مزامير داوود. وعلى القرابنى أن يكون طاهرًا ومغتسلاً قبل الخَبز، وكل الفرق بين القربانين إن القرابنى لا بد أن يتلو جميع المزامير أثناء خبز قربان الحمل بشرط أن يسلم الكنيسة عددًا فرديًا ويتراوح بين 3 و7 قربانات (3 تشير للثالوث القدوس، و5 تشير إلى ذبائح العهد القديم، و7 تشير إلى هذه التقدمات مضافًا إليها العصفورين الخاصين بتطهير الأبرص -لاويين 14 : 4) حيث سيتم اختيار قربانة واحدة ليصلى الكاهن عليها فى القداس باعتبارها المسيح الموجود بالمذبح؛ لذلك يجب أن تكون قربانة صحيحة وكاملة الاستدارة. بينما يقول فادى أنه يخبز 11 قربانة حمل فى أيام الصيام، حيث يكون إقبال الناس على الكنيسة كبيرًا، وكذلك فى مناسبات العزاء، بينما يخبز حوال 7 – 9 قربانات حمل فى أيام الآحاد العادية طبقا لإقبال الناس على الكنائس، أما قربان التوزيع فحبذا لو قرأ القرابنى جميع المزامير أيضا أثناء خبزه، مع نفس شروط الطهارة الجسدية والذهنية. ويكون عدد القربان الذى ينتجه تقديريًا بحسب عدد المصلين فى الكنيسة. لماذا لا توجد قرابنية (أى امرأة)؟ وقد قيل أن النساء كنّ يقمن منذ زمن بصنع القربان فى بعض بلاد المهجر؟ فقال متعجبًا: ربما كان هذا لانشغال الرجال فى تلك البلاد، ولكن هذا لم يعد موجودًا، حيث إنه حرام جدًا أن تدخل المرأة المتزوجة بيت القربان الذى يطلق عليه أيضًا بيت لحم على اسم البيت الذى ولد فيه المسيح، وهو مكان مخصص ومدشن بالكنيسة (أى مدهون بزيت مقدس مع تلاوة بعض الصلوات الخاصة بتقديس المكان)! مضيفًا: ولكن يجوز للفتاة وخاصة التى لم تبلغ أن تدخل بيت لحم أو تساعد فى صناعة القربان فى حدود ضيقة. معجزة القرابين الثلاثة فى عام 1974 قام المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث بتعديل وضع القرابنى فى الكنيسة، فما هى معاناتك كقرابنى؟ فأجاب: أنا الحمدلله ليست لدىَّ مشاكل لأننى أنا وشقيقاى بيشوى وصبرى ورثنا وظيفة القرابنى أبًا عن جد، رغم أننى حاصل على بكالوريوس نظم ومعلومات، وأعمل بعد الظهر مع شركة أوبر، كما أننى خادم فى الكنيسة.. كل المشكلة أن زيادة الأسعار تتسبب فى مضايقة الناس، بالإضافة لأن الدولة لا تعترف بوظيفة القرابنى، فتقوم الكنيسة بكتابة اسم مرتل فى أوراق التأمينات الاجتماعية بدلًا من قرابنى. نظير قربان الحمل الذى أقدمه لها. لماذا تبيع الكنائس القربان رغم وصف البابا شنودة له بأنه عمل محبة؟ كما أنها ليست أماكن للبيع أو الشراء، خاصة أن السيد المسيح طرد الباعة من الهيكل (يو2 : 16). وأنت وغيرك تبيعونه. كل كنيسة ومقدرتها المادية، مستطردًا: كما أن الكنيسة التى لا تبيع القربان غالبًا لا يكون لديها قرابنى، فتلجأ إلى «صنايعى» تجهز له خامات وإمكانات الخبيز، وتعطيه مكافأة نظير عمله ثم يمضى، بينما أنا موظف لدى الكنيسة. أقدم لها قربان الحمل، وفى الوقت نفسه أدفع لها مبلغًا يتراوح بين 300 – 500 جنيه ثمن السماح لى ببيع القربان طوال الأسبوع، ولا ينفى فادى أنها وظيفة مربحة، موضحًا: إن شوال الدقيق يعمل 3 أشولة ربح.. بعد خصم حساب التكلفة، قد يصل لـ 400 – 500 جنيه للشوال. ولكنه لا يسمح لأحد بالدخول معه فى صناعة القربان، حيث امتاز بسمعة هائلة هو وأسرته فى صناعة القربان مكنته من العمل فى حوالى 11 كنيسة بالقاهرة .. مؤكدًا إنه يمكن للقرابنية أن يميزوا قربان مختلف الكنائس، لأن كل قرابنى له سمة تميِّز شكل قربانه وطريقة تدويرها! روى لى فادى ما قال أنه معجزة تحدث معه منذ اعتاد أن يقوم بخبز ثلاث قربانات فى عيد السيدة العذراء وعيد الملاك ميخائيل، ويتركها على رخامة الخبيز، حتى يأتى الصباح، فلا يجدها فى المرتين! وكثيرًا ما حاول هو والأب روفائيل والأب بولس فهيم تصوير ما يحدث من خلال توجيه كاميرا مكبرة على الرخامة التى يترك عليها القربانات الثلاث.. ولكنهم فجأة لايجدون شيئًا! أسأله عن تفسير، فيقول: يقال أن الملائكة تأتى ليلاً وتأخذ القرابين كعلامة قبول التقدمة •