الجمعة 16 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

على من نبكى الأن

على من نبكى الأن
على من نبكى الأن


عام مضى على المجزرة.. عام أدمى قلوبنا وعيوننا التى أصبحت تذرف دما لا دموعا.. عام مر على أسود يوم فى مصر هو يوم 1 فبراير ذكرى مجزرة بورسعيد التى راح ضحيتها 74 من شباب الألتراس الأهلاوى الذين لم يكن هناك ذنب جنوه ليدفعوا حياتهم ثمنا لمشاهدة ومؤازرة فريقهم فى مباراة كرة قدم فى بورسعيد.

عام مضى دون أن يستطيع أحد أن يحل اللغز.. لغز المجزرة والفاعل الأصلى والمحرض على هذه المذبحة.. والتى حدثت وسط تقاعس شديد وتراخٍ وسلبية مقصودة تصل إلى حد الشك والريبة والخيانة من قوات الأمن والداخلية التى وقفت موقف المتفرج على قتل شباب الأهلى مع سبق الإصرار والترصد.. والحقيقة أن كل شهداء الثورة كوم.. وشهداء مجزرة بورسعيد كوم آخر، صحيح كلهم مصريون.. وكلهم دمهم غال جدا علينا.. لكن شهداء الثورة ذهبوا إلى الميادين وهم يحملون أكفانهم على أيديهم ضد الظلم والاستبداد واستكمالا لأهداف الثورة.. أما هؤلاء فسقطوا غدرا وخيانة.

عام عشناه وألتراس الأهلى يطالب بالقصاص.. وحق الشهداء، عام عشناه وبورسعيد من ناحية أخرى تعيش عيشة ضنكا تدفع ثمن ما فعله الجناة بخسة ونذالة.. وتتحمل سهام الاتهام بأنهم قتلوا إخوانهم المصريين ويؤكدون أن الجناة الحقيقيين طلقاء فى الخارج وأن المتهمين المحبوسين ليسوا هم الجناة وأنهم سيحاكمون على جريمة لم يرتكبوها.

عام كامل من المحاكمات.. نغمة الألتراس الأهلاوى تتصاعد وتستغل كقوة سياسية للضغط فى بعض المواقف.. ظهروا فعلا كقوة لا يستهان بها استغلت من بعض الأطراف.. أحيانا بقصد.. والأخرى بدون قصد، ولكنهم فى النهاية أكدوا وأثبتوا أنهم قوة فاعلة.. وبدلا من أن يكون الألتراس تنظيما رياضيا.. أصبحوا تنظيما سياسيا يوازى التنظيمات السياسية الأخرى.. حتى جاء القرار بتحديد 26 يناير موعدا للنطق بالحكم.. 26 يناير هو اليوم التالى للعيد الثانى للثورة.. كل الناس لم تكن تخشى ما سيحدث فى 25 يناير، لكنها كانت تخشى بشدة من 26 يناير.. الألتراس أرسل رسالة تحذير إلى النظام والدولة.. والاكتفاء يوم الأربعاء بتعطيل الحركة فى كل شوارع مصر.. الطرق.. الكبارى. المترو.. السكك الحديدية.. أصابوا البلد بشلل تام والتهديد بالتصعيد إذا جاء الحكم مغايرا للقصاص للشهداء.. والدم بالدم.. ومع ذلك لم يكن أن يتوقع أحد أن يكون الحكم بهذه القوة.


الحكم جاء كالصدمة القاتلة.. هو لم يكن حكما.. لكنه كان قرار إحالة 21 متهما إلى فضيلة المفتى.. الجناة المحولة أوراقهم كلهم فى عمر الزهور.. لم يتعدوا الـ 25 عاما.. الصدمة جاءت من أن الجريمة كانت على الشيوع فكيف يكون حال أحكام بالإعدام، الصدمة جاءت بأن قرار الإحالة لابد أن يكون قد استند على أدلة دامغة لأنه جاء بإجماع الآراء، فكيف حدث ذلك؟ القرار جاء كالصدمة لأنه خلا من أى إشارة للمتهمين من ضباط الداخلية الذين تقاعسوا عن أداء واجبهم.. وتركوا الشباب الأهلاوى يذبح على مسمع ومرأى منهم.. الحكم جاء كالقنبلة المدوية التى انفجرت فأحرقت الأخضر واليابس لتشتعل بورسعيد التى أصاب أهلها  كلها حالة هيستيرية على السجن الذى أودع فيه المتهمون يحاولون إخراجهم.. واشتبكوا مع الداخلية ودفعوا الثمن 32 قتيلا منهم.. واثنين من الداخلية.

ما كل هذا العنف؟ ما كل هذا الدم؟ لماذا أصبح الاعتراض بالفوضى والدم؟ ومتى نعود لنحترم القانون وأحكام القضاء مرة أخرى؟ 32 شهيدا يسقطون دفاعا عن 21 متهما أحيلت أوراقهم إلى المفتى لم يصبح حكم الإعدام بالنسبة لهم نهائيا.. والغريب أن هناك درجات أخرى للتقاضى بالنقض وفترة لا تقل عن ثلاث سنوات لدرجات التقاضى.. الأغرب أيضا أنه أثناء الجنازة يموت خمسة آخرون دون سبب واضح، ودون ذنب معروف، ولكن أطلق عليهم الرصاص من مجهول، ما هذه الفوضى واللامنطق الذى نعيشه الآن؟!

يومان بالكامل والأمور مشتعلة فى السويس وبورسعيد والإسماعيلية وكذلك القاهرة التى سقط منها شهيد أمس عند كوبرى قصر النيل ولا يخرج أى مسئول ليشرح للناس ماذا يحدث.. وكيف يمكن الخروج من الأزمة، ولم يتحرك رئيس الجمهورية إلا فى مساء اليوم الثانى الأحد ليعلن حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال فى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، وأيضا الدعوة إلى حوار وطنى مع كل القوى السياسية المعارضة!

الرئيس فى كلمته أدان النظام - الجماعة والحزب والرئاسة - قبل أن يدين أى شخص أو أى فصيل آخر عندما طالب الجميع باحترام أحكام القضاء وعدم الاعتراض عليها.. ونسى أن جماعته وحزبه هما أول من اعترضوا على أحكام القضاء ونددوا بها عندما قامت الدستورية العليا بحل مجلس الشعب.. وكالوا الاتهامات للدستورية واتهموها بأنها تلعب سياسة لصالح فصائل معينة.. نسى الرئيس أن جماعته وحزبه هما أول من دعوا إلى مليونيات للاحتشاد ضد الأحكام الصادرة ضد مبارك والعادلى وستة من المساعدين ورفضوها وطالبوا بعزل النائب العام.. الرئيس نسى أنه أول من اعترض على أحكام القضاء عندما ألغى قرار الدستورية العليا وأعاد مجلس الشعب المنحل للانعقاد مرة أخرى رغما عن حكم المحكمة.. الرئيس نسى أنه أول رئيس جمهورية يقوم بعزل النائب العام مرتين.. الأولى باستخدام سلطاته والثانية بإعلان دستورى محصن.. الرئيس نسى أنه بالدستور عدل تشكيل الدستورية العليا ليطيح بأسماء معينة من تشكيل هيئة المحكمة.. الرئيس نسى أنه أصدر إعلانا دستويا حصن فيه قراراته من الطعن عليها أمام القضاء.. وغيرها.. وغيرها، وإذا كان الرئيس وجماعته يفعلون ذلك بالقضاء فماذا ينتظر من الشعب وعامة الناس.. وكيف نطالبهم باحترام القانون وأحكام القضاء إذا كان رأس الدولة لا يفعل ذلك؟! ألم نحذر من البداية من أن أى مساس بهيبة القضاء هو تقويض لدولة القانون وأن القضاء والجيش كانا الحصن الباقى للشعب بعد سقوط كل المؤسسات بعد ثورة يناير، لكن للأسف لا أحد يسمع، ولا أحد يعقل.

ثم من ناحية أخرى ماذا ستفيد دعوة الحوار الوطنى الآن؟ ولماذا لم تكن هناك دعوة إيجابية خالصة النية للوفاق الوطنى، لماذا لم يسمع الإخوان والحزب والرئيس أن التوافق هو الحل وأصروا على ما هم فيه من تعنت وتسلط وانفراد بالسلطة، لماذا لم يستجب الرئيس لمطالبات القوى الوطنية فيما يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية.. ولماذا لم يستجب الرئيس وحزبه وجماعته لمطالبات تعديل بنود الدستور.. ولماذا لم يستجب الرئيس من قبل لتعديل قانون الانتخابات وقانون مباشرة الحقوق السياسية الذى أقره مجلس الشورى رغم وجود وثيقة ملزمة بما انتهى إليه الحوار الوطنى ما بين مؤسسة الرئاسة وبعض الأحزاب بشأن قانون الانتخابات، وضرب مجلس الشورى بهذا الاتفاق عرض الحائط وكأنه لم يكن، ثم بعد كل هذا يدعو مرة أخرى إلى حوار وطنى!