فى حب النبى الغالى

عزة بدر
المدائح النبوية هى لون من التعبير عن العواطف الدينية ثم صارت مع الزمن عنصراً من عناصر الحياة الغنائية ولها أعمق الأثر فى الحياة الشعبية، وتنشد قصة المولد النبوى فى شهر ربيع الأول ثم تنشد فى كل وقت حين تأتى المناسبات كحفلات التهانى، وحفلات الأعراس، والمدائح النبوية فصل من الأدب الرفيع لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص كما يقول زكى مبارك.
وقد فسر عميد الأدب العربى طه حسين تلك الموالد وأثرها فى الحياة الشعبية ووصف ما ينشد فيها من مدائح فرآها تثير العاطفة وترضى الذوق ورأى فى قصص المنشدين عن المولد النبوى أحاديث حلوة عذبة، فمنها ما ينبئ بأن أمم الطير والوحش كانت تختصم بعد مولد النبى- صلى الله عليه وسلم- كلها يريد أن يكفله، ولكنها ردت عن هذا لأن القضاء سبق بأن رضاع النبى سيكون إلى حليمة السعدية، ومنها ما يصف السماء وقد دنت من الأرض حين مس الأرض جسمه الكريم.
وكلها قصص رآها طه حسين قصصاً بريئة فيها حظ من الخيال لا يخالف الدين.
الفن الإلهى
وقد اشتهر فى الثلاثينيات من القرن الماضى فى مصر الشيخ على محمود والشيخ إسماعيل سكر والشيخ حسن جابر، وهم من المنشدين الذين كان لهم سلطان عظيم فى الأوساط الشعبية، وكانت الإذاعة المصرية تهتم بدعوة الشيخ على محمود والشيخة منيرة عبده لتلاوة الموالد النبوية.
وقد نشر محمد فهمى عبداللطيف بعنوان «الفن الإلهى» كتابا أبرز فيه فضل الطرق الصوفية فى ابتداع عوالم نغمية تلعب دورا كبيرا فى الوصول بالإنسان إلى مرحلة الوجد.
الإنشاد الدينى
وقد ازدهر الإنشاد الدينى على أيدى طائفة من المشايخ الموهوبين مثل الشيخ طه الفشنى والشيخ الفران، والشيخ الفيومى، كما لمعت أسماء مثل الشيخ النقشبندى والشيخ نصر الدين طوبار.
وتتواصل رحلة الإنشاد الدينى لتبرز العديد من الأسماء المهمة الآن مثل الشيخ ياسين التهامى والشيخ بدر الأسوانى.
مداح النبى
وفى لقاء مع الشيخ بدر الدين فهمى طه الشهير ببدر الأسوانى سجلت مع هذا المبدع الشعبى أشعاره التى يكتبها ويغنيها فى مدح النبى الغالى، وبدر الأسوانى ولد فى قرية كرم الديب بأحد مراكز محافظة أسوان ويقول عن نفسه: أنا مداح النبى الغالى أنشد وأمدح الرسول- صلى الله عليه وسلم - ولقد نشأت فى بيئة دينية، عائلتى من فرعين: فرع الأنصار وفرع الجعافرة وأصولهم من الحجاز، العائلة كلها مداحون بالفطرة يحيون ليالى البلدة والمناسبات بالأناشيد الدينية والصوفية.
واشتهر الشيخ بدر الأسوانى بفضل الموالد التى تقام لآل البيت والأولياء، والتحق بفرقة النيل للآلات الشعبية بهيئة قصور الثقافة عضوا بفرقة الإنشاد الدينى.
يقول الأسوانى عن نفسه: «أنا شاعر موقف: أقول الشعر تلقائيا فى حب النبى - صلى الله عليه وسلم - تستمع إليه فيأخذ بوجدانك ويبحر بك صوته الواثق بين قرار وجواب وهو يغنى من مقام «الرأست» مما كتبه فى حب النبى فيقول:
أنا لا أضام وخير خلق الله لى سند جعلته عمدتى فى كل أحوالى
أم الحبيب النبى بتقول جبريل أهو جالى
ومعاه سلسبيله من الجنة وسقانى وقاللى: يا أم الحبيب النبى
قومى اشربى
ده الأمر ربانى
نازل مكحل العين
وفيه الكحل ربانى.
ويقول أيضا فى مديح النبى الغالى:
أمدح المكمل أحمد الرسول
النبى المعظم سيد القبول
النبى حبيته فى المنام رأيته
لأروح له بيته وأسلم ع الرسول
القلب راقب من فيض الفراق
مين ركب البراق غير طه الرسول
يا رب السلامة من يوم القيامة
من ضمن اليتامى غير طه الرسول
ومن يسمع بدر الأسوانى وهو ينشد ما كتبه على أنغام الكمان الشعبى ذى السبعة أوتار، والربابة الشعبية ذات الوترين، و«القولة» وهى آلة شعبية شبيهة بالناى يصل بالموسيقى والغناء إلى مرحلة الوجد، ويصف بدر الأسوانى هذه المرحلة من الإحساس والغناء، فيقول إنها تصل إلى سويداء القلب، وتصل بالمنشد والمتلقى معا إلى حال الوجد فأنصت إليه حين ينشد:
يا زين البرايا
ويا خير البرية
مدحك يا تهامى يا غالى عليا
يا ساقى الحميا
عرج عليا
واسقنى هيا
كاس الوفية
نعم سقاها للصحب طه
شموا شذاها فخروا بكيا
قم يا موافى زال التجافى
فالخمر صاف نشرب سويا
ومما ينشده بدر الأسوانى - وقد كتبه أيضا - فى حب النبى:
أهلا وسهلا بالنبى
فى مكة لما ظهر
الدين به انتشر
صلوا على خير البشر
الهاشمى العربى
صلوا على من جاءنا
بالحق أظهر ديننا
وأزال داجية الخفا
وبه الوجود تزينا
لما حليمة حققت أنواره تجلت
وفرحت وعانقت
وفرحت وهى تقول لزوجها:
نلنا القبول
وجاءنا أحلى رسول
الهاشمى المرتضى
ومن الرباعيات التى كتبها وينشدها أيضا:
أنا بامدح نبى ما شفتش آباه
ورب العباد بالحب حباه
باسألك يا رب يا رباه
اللى يحب النبى كل القلوب حباه.
من المأثور الصوفى
والمدائح النبوية كما يقول بدر الأسوانى تنقسم إلى قصائد عامية بأوزان موسيقية أو بغير أوزان، وتقوم على مدح النبى صلى الله عليه وسلم ومدح آل البيت والأولياء.
وقصائد فصحى: فى الذات العلية «عن الله سبحانه وتعالى: وأخرى فى مديح النبى - صلى الله عليه وسلم - ومن المأثور الصوفى فى الذات العلية:
قصدت باب الرجا
والناس قد رقدوا
وبت أشكو إلى مولاى ما أجد
أشكو إليك أمور أنت تعلمها
ومن المدائح أيضا ما ينتمى إلى باب الغزل العفيف وهى مدائح تصف الوجد والزهد ومنها من أشعار ابن الفارض:
قالوا تسلى عن الحبوب
قالت كيف التسلى وفى الأحشاء نيران
فشارب الخمر يفيق من سكرته
وشارب الحب طول العمر سكران
وكلها أشعار وقصائد ترقى بالوجد الإنسانى، مما هو أرضى إلى ما هو سماوى.
قصائد الحكمة
ومن القصائد التى تنتمى للمدائح أيضا قصائد الحكمة، وهى ذات غايات دينية وأدبية تهدف إلى التقرب من الله بنشر محاسن الدين، ومن هذا المأثور الصوفى فى الإنشاد الدينى:
ناس لها بخت وناس ملهاش
ياما الهدوم مدارية ناس
وناس عايشة ولا لاقياش
بيت الظالم ما بيعلاش
وإن على ما بيستناش
غير الحق إحنا مقلناش
أصلى ماسك على دينى
قلبى سيبك من اللى مال
ومن الفتنة وقلنا وقال
اوعى تمشى مع البطال
ليقول عليك اللى ما يتقال
تضيع أنت ويضيع المال
أصلى ماسك على دينى
أصبر وصبرك بزيادة
ده الصبر ع البال وعبادة
اصبر بقى على حكم الله
وارضى بالمكتوب وقضاه
اوعى تيأس وتقول آه
خلى شكوتك لله
أنا أصلى ماسك على دينى:
وبهذه القصيدة الجميلة يمضى بنا المنشد والمداح بدر الأسوانى فى رحلة الوجدة فى حب النبى الغالى.