الإثنين 11 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العنف ضد المرأة.. الجميلة! تغير منها النساء.. ويستغلها الرجال

 سألتَنى زميلة الورشة: هى لو «ايما واطسون» الممثلة الإنجليزية نسقت حملتها HeForShe فى مصر، لدعم مساندة الرجل للمرأة، مثلما ذكرت د.«دينا أبوزيد» فى محاضرتها عن وسائل التواصل الاجتماعى، بورشة المجلس القومى للمرأة.. تفتكرى ما الرسالة التى سيوجهها الرجل للمرأة المصرية؟ ضَحِكتُ وقلتُ: المثقف سيقول لها «دورك مهم.. استمرى»، ورجل الشارع سيقول لها: «الله يخرب بيتك، إنتِ اللى جايبانا لورا»، ضحِكتْ وقالتْ: آه والله.. ممكن! وثانية ما ألقتْ نظرة فاحصة على برنامج الورشة التى جمعتنا فى الإسكندرية بفندق توليپ، حول دور الإعلام وقضايا النوع الاجتماعى، والتى حرص المجلس على تنظيمها قبل إطلاق حملة الأيام الستة عشر الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء فى مصر مع حلول اليوم العالمى لمناهضة الهنف ضد المرأة فى 25 نوفمبر.



 تعريف القانون للعنف  اقتربتُ أثناء راحة الشاى والقهوة من مجموعة الصحفيات النشيطات: ريهام، وأنچيل، وسمر، وفاطمة، ويمنى، ومنة، وأمل.. ورحاب، وليلى التى روت كيف تعرَضت إلى تنمر أحد القراء الذى لم يعجبه رأيها فى زوج السيدة التى كتبت عنها وتقترح سجنه هو بدلا من زوجته التى حملت سفاحًا من صاحب العمل الذى أجبرها على العمل لديه! وانقسمت المجموعة بين مؤيد ومعارض للأسلوب الذى كتبت به ليلى قصة المرأة، حيث أظهرت تعاطفها معها نظرًا لصغر عمرها، وجمالها الذى كان يؤهلها للزواج من رجل أفضل.. فى ضوء محاضرة د.«لبنى خيرى» عن الخلل المعلوماتى الذى تصدره بعض وسائل الإعلام عن قضايا النساء، بما يبدد جهود تنمية وتمكين المرأة فى المجتمع! وكيف حاولت دكتورة «لينا الغضبان» تنشيطنا فى مجال الكتابة عن تلك القضايا بما يضمن المصداقية، ويعكس قيمة الدور الاجتماعى للمرأة ضمن قضايا النوع التى تعرضت لها د.«حنان جرجس» بالأرقام والبيانات. ثم تكلم د.«أحمد رفعت النجار» المسئول – بالمجلس أيضًا- عن شق حقوق الإنسان بملف العنف ضد المرأة، وأخبرنا أن القانون المصرى ليس لديه تعريف محدد للعنف ضد النساء، ولكنه يعاقب على الجرائم المتعلقة به!  لماذا تزوجت هذا الرجل وهى جميلة  وشغلنى تعليق إحدى الزميلات على قصة المرأة التى كتبتها ليلى، قائلة: وإيه اللى ضربها على إيديها للزواج من هذا الرجل، ما دامت جميلة؟ ظللتُ أردد سؤال الزميلة، فى محاولة لإيجاد الرابط بين جمال المرأة وضمان استقرار حياتها الزوجية، وقُدرتها على قراءة مستقبل زواجها، ثم شاركتُ زميلاتى فيما أفكر، متسائلة: ألا يتضمن سؤال زميلتنا عنفًا ضد المرأة؟ ففوجئتُ أن معظمنا لديه صورة ذهنية متشابهة عن نموذج النساء اللواتى يتعرضن للعنف، وغالبا نظن أنها إما المرأة الفقيرة والمنكسرة.. التى استباح المجتمع العنف ضدها كنتاج بيئة قاسية معتادة على العنف، أو الجريئة التى يعاقبها المجتمع لجرأتها ويطلق عليها صفات غريبة تدخل فى دائرة العنف، أو الغبية التى تستفز المتعاملين معها.. بما تبديه من جمود ومحدودية فى التفكير، أو الصغيرة التى بلا خبرة فى الحياة، أو الساذجة، أو العنيدة، والمتكبرة، والمتطلبة..  قصة ليلى  سألتهن عن العنف ضد المرأة الجميلة، فسخرتْ إحداهن، قائلة: اشمعنى؟ وببعض الجدية.. قالتْ: بالعكس.. الناس وخصوصا الرجالة بيكونوا «حونينين» مع المرأة الجميلة، لكن النساء اللاتى يعاملنها بعنف وغيرة، ويخشين اقترابها من الزوج أو الابن، فيصبح وجودها غير مرغوب فيه! أما الجميلة الغنية.. فكارثة، ونادرا ما تقع فى نوع محدد من الرجال! ضحكت الزميلات التى علقت إحداهن قائلة: البنت الجميلة غالبا مدللة، فتشعر بالعنف والمعاناة عندما لا تحصل على ما تريد! فأجابت أخرى: الجمال يفتح السكك للنساء، والعنف هو الفشل الذى لا تتوقعه المرأة الجميلة إذا لم تصل لهدفها، حتى إن بعضهن تبخس قيمة نفسها خوفا من العنوسة التى تجرح كبرياءها، فترضى برجال لا يليقون بها! تكررت نفس المعانى بأساليب مختلفة، ومعظمها متضارب ومتذبذب! فمن ناحية، تؤمن زميلاتى بأن الجمال هبة، وفى الوقت نفسه يلومن سلوك الجميلات المتسبب فى إثارة العنف ضدهن! وقد علقتْ فاطمة قائلة: هل تعلمين أن أول مظاهر العنف ضد المرأة الجميلة هو عدم تشجيعها على استخدام عقلها؟ بل ويسخر البعض منها إذا تكلمت بالحكمة والمنطق، كأنهم يقولون لها: ليس لهذا الدور خلقتِ! فعلقتْ أخرى: هذا كلام قديم جدا، بالعكس..المثقفون يكرهون المرأة الغبية حتى لو كانت جميلة!  قالت ليلى: سأحسم لكم الأمر، وروت لنا تفاصيل المقال الذى كتبه زميل صحفى بأحد الجرائد.. عن امرأتين أراد الاختيار بينهما، إحدهما جميلة.. يرتاح وهو يفرغ عقله بالحديث معها فى أى كلام فارغ، ويستمتع بمظاهر الإغراء النابع من غريزتها، فيبهره حضورها الأنثوي! وبين امرأة عادية الجمال، ولكنه يحب روحها المرحة، وعقلها، ويرى ذكاءها جميلا أكثر من وجهها وجسدها؛ فلما حانت لحظة القرار.. كان الاختيار لصاحبة الحسن والجمال، مبررًا ذلك بأن الجمال نعمة لا تقاوم، بينما يمكنه أن يجد العقل وجمال الروح فى أية امرأة أخرى!  انضم لنا بعض الزملاء، تساءل أحدهم: وما العنف فى ذلك؟ الرجل لم يخطئ، فالجمال مطلوب فى المرأة طبعا! والحقيقة إننى تمنيت استمرار الحديث مع الزميل الذى قال إن شباب هذه الأيام لا يتزوجون الجميلة فى نظر المجتمع، بل الجميلة التى ترضى بظروفهم وتعيش! لولا انطلاق الأصوات المعترضة من الزميلات، لتعليق زميله، الذى قال: اتكلم عن نفسك إنت! متسائلا: هل أتزوج «واحدة وحشة» لأنها تتحملني؟ ثم أبحث عن الجمال خارج البيت؟ وهنا أجابت إحداهن: «ليه يعنى الرجالة تشترط الحلاوة فى الستات من غير ما يشوفوا شكلهم هم إيه»؟ فضحكت الزميلات!  كل النساء جميلات  تركتهم يضحكون، وعدتُ لرفيقة قاعة الطعام، ودار الحوار بيننا حول نجاح مبادرات المجلس القومى للمرأة فى مناهضة العنف ضد النساء، فقالت: أقدر الحملات والأنشطة التى يقودها المجلس والجمعيات الأهلية لمناهضة العنف ضد المرأة، ولكن معيارى فى نجاح أي حملة هو مدى الفائدة الواقعية التى تستفاد منها المرأة العادية ورجل الشارع العادي؛ ثم سألتنى: هل تعلمين أن العنف ضد المرأة يزداد على مستوى العالم؟ وذهبت بعض الوقت للبحث على الإنترنت، ثم جاءتنى بهذه البيانات، قائلة: اسمعى يا ستى عن مصر، نحو 46 % من النساء المصريات بين سن 16 – 64 سنة تعرضن لعنف شريك الحياة، و26 % تزوجن قبل بلوغ 18 سنة، والأمية ازدادت وبلغت 30 % بين النساء، والمصيبة إن جهود الدولة والجمعيات الأهلية فى مقاومة الختان لم تؤدِ إلا لتناقص النسبة من 90 % امرأة تعرضت للختان إلى 78 %! ناهيكِ عن مأساة حالات العنف التى تتعرض لها النساء فى أماكن العمل، والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وخاصة العاملات غير النظاميات، والتحرش، والاغتصاب، وحقوقنا فى التعليم والصحة والتمكين الاقتصادى والسياسى والثقافى، والاجتماعى.. كما تقول تقارير المجلس القومى للمرأة. ثم تركت تليفونها الذى كانت تقرأ لى البيانات منه، وسألتنى بانزعاج: هل يعجبك أوضاع الصحفيات؟ عندك فكرة احنا بنقبض كام؟ وبعد كم سنة نحصل على عضوية النقابة؟ وما هى أشكال العنف الذى نتعرض له لمجرد ممارستنا الصحافة لو لم يكن معنا أوراق تثبت ذلك؟ ساخرة: تسألين عن العنف الذى تتعرض له المرأة الجميلة؟ يا عزيزتى.. كل النساء جميلات وجميعهن معنفات! ثم أعلنت لى أن سؤالى لا يعجبها، باعتباره تكريسا للتمييز ضد المرأة، لأنني- فى رأيها- قسمتُ النساء لجميلات وغير جميلات! فأعدتها للقصة التى ذكرتها ليلى، والتى ببساطة تقول إن معيار جمال المرأة فاق معيار الجمال والذكاء! واستطردتُ: حتى أقسى الطغاة يمارسون طغيانهم للحصول على الرضا عن النفس ليكافئوا أنفسهم بامرأة جميلة! ولهذا تبلغ ميزانيات البحث عن الجمال ملايين الجنيهات! ألم تلحظى كيف تعامل الأم ابنتها البيضاء بالمقارنة مع ابنتها السمراء؟ ألا تفتخر بالجميلة؟ ألا نربى البنات على أن جمالهن هو ثروتهن.. التى يجب عليها أن تراعيها؟ ألا يعنى هذا عنفا ضد الجميلات التى لا يرى الناس بهن سوى الجسد والملامح؟ ألا نهمل جميع صفاتهن الأخرى ولا نرى أنهن سوى مجرد لوحة علينا الحفاظ عليها؟ وكلما كانت صاحبة اللوحة صغيرة وجميلة كان سعرها أعلى وأكبر!  البحث عن فضيحة  قررتُ الدفاع عن سؤالى الذى يبدو بسيطا ولكنه كاشف لأمراض المجتمع، فأرسلتُ لزميلتى البحث المطول الذى وجدته حول العنف ضد النساء الجميلات، ويتضمن دراسة إنجليزية استنَتجَتْ إنه رغم ما تتمتع به المرأة الجميلة الجذابة من ذكاء عال، وقدرة على اتخاذ القرارات الناجحة، ولكنها صفات غير مطلوبة بالمجتمعات التى تعتبر ذكاء المرأة الجميلة نقمة، كما تقول الدراسة! وهكذا اعتادت الجميلات أن يخفين عقلهن حتى اعتدن عدم استخدامه؛ لأن الرجل لا يفضل المرأة التى تظهر ذكاءها حتى لو كانت جميلة، بل ينحيها ويتجنبها مما يتسبب فى فشلها واهتزاز ثقتها فى نفسها! أما الطريف، فهو ما ذكرته الباحثة «ماهيتاب رضوان» عن دراسة بجامعة تكساس تشير للعنف النفسى الذى يقع على المرأة الجميلة بسبب وقوع النساء فى غرام زوجها، لأن زوج الجميلة دائما مرغوب! بالإضافة لدراسة جامعة فالنسيا الإسبانية التى نسبت صفة العنف للنساء الجميلات حينما تتسبب فى ارتفاع هرمون الإجهاد بالجسم عند الرجل الذى يصاب بأمراض الضغط والقلب.. لِما يحدث له عند النظر للمرأة الجميلة! وهو نفس تأثير الشك والغيرة، أو ضيق اليد والغضب الذى يصيب الرجل حينما يتعامل مع المرأة الجميلة، التى تصبح متهمة بالغرور والمتسببة فى زيغان عيون الرجل.. إن أهملت نفسها مكتفية بجمالها! بينما لم يتكلم أحد عن العنف الذى تواجهه تلك المرأة حينما تكتشف أن الرجل ارتبط بها لأنه يُقَدِر ذاته كثيرًا، معتقدًا أنه يستحق الفوز بالجميلة، ثم يهملها بعدما يصل لهدفه! وحينما يوافق المجتمع على أن يشتريها رجل بنقوده -باسم الزواج- حتى لو كان أكبر منها كثيرا، أو قبيح الهيئة، أو متزوج بأخرى.. أو.. أو.. أرسلتْ لى زميلتى وجها ضاحكا فى البريد الإليكترونى الذى ردتْ به على رسالتى قائلة: يحدث هذا فى المجتمعات المتقدمة، فما بالك بالرجل الشرقى الذى يعتبر ذكاء المرأة خطرا عليه وتهديدا له؟ وإن كان يرحب به.. طالما كان فى الظل، وهكذا اعتادت الجميلات أن يكن سلبيات وانتهازيات، وأنانيات! خاصة حينما يقوم البعض بتعيين هذه الفئة فى الوظائف التى تستغل ذكاءهن كواجهة جميلة لتيسيرالأمور! على أى حال، تستطرد فى سطورها: العالم كله يروج لجمال المرأة، حتى صارت فتيات الإعلانات هن نموذج الجمال! بينما -الحمدلله- الجمال نسبى، وإلا لما تزوجت النساء! مذيلة رسالتها بعبارة «هن رحمة لنا» الى كانت تتردد فى أحد المسسلات! وبخصوص الإعلام، لا أنسى فيلم «البحث عن فضيحة» الذى بُنيت حكايته على قصة الشاب الذى رأى فتاة جميلة الشكل والجسد، فأراد الزواج منها فورا، متجاهلا كل الأسباب الأخرى، ومضحيا بكل شيء حتى بكرامته.. للوصول إليها!  نادرا ما توجد امرأة جميلة وغبية بالفطرة، لكنها مجتمعاتنا التى تعاملها كآلة جنسية، ودمية غير مطلوب منها سوى الجمال والنضارة الدائمة! أما قمة العنف، فحينما تكون جميلة.. وذكية ومثقفة وجادة، ورغم هذا لا يلتفت أحد إلا لجمالها! ولا أنسى حينما دار النقاش بينى وبين بعض أصدقائى حول قضايا العنف ضد النساء، فذكرتُ مثلا ألمانيا، يقول: «الرجل الذكى يفضل المرأة الجميلة، التى تصلح لكل حجرات المنزل» فانطلق صوت أحدهم قائلا: إلا حجرة المكتبة! مستطردا: الرجل يبحث فى بيته عن الجمال والراحة والمتعة، وليس الفذلكة والنقاش فى السياسة وأخبار الجرائد والنظريات، فهذه أشياء يمارسها مع زميلاته فى العمل، وفى الحياة!  جميلة ومعنفة.. عادية ومعنفة.. مافيش فايدة!