الإخوان والسلفيون يسعـــون للسيطــرة على مساجد الأوقاف
ولاء الشنواني
يتعرض الشيخ أحمد التركى إمام مسجد مصطفى محمود لهجوم شرس من قبل الإخوان والسلفيين بسبب تفنيده لآرائهم التى تخلط بين الدين والسياسة، ذهبنا إلى الشيخ أحمد تركى لنحاوره وتحدث الرجل وفق رؤيته التى تنتصر للدين الإسلامى المعتدل بعيدا عن الآراء المتشددة وعلى رأسها الفتاوى الغريبة والدخيلة على مجتمعنا وتشدد السلفيين ومعهم شيوخ الإخوان، وكشف عن مخططهم للسيطرة على مساجد الأوقاف ودعا إلى عودة هذه المساجد إلى إشراف الأزهر مرة أخرى معللا بأن فى ذلك عودة لهيبة الأزهر ، وأكد الشيخ التركى أيضا على أنه ليس ضد تطبيق الشريعة الإسلامية ولكن ليس بالمعنى الذى يحاول أصحاب الآراء المتشددة فرضه علينا فتطبيق الشريعة يكون بالأخلاق والقانون أولا وإلى نص الحوار: سمعنا فى الآونة الأخيرة بعض الفتاوى الغريبة سواء على القنوات الفضائية أو بعض المساجد التى تأممها بعض السلفيين والإخوان، ما موقف الأزهر الشريف من هذا الزحف المتشدد؟
ـــ بالفعل ظهرت فتاوى عديدة أساءت إلى الإسلام لعدم صحتها كما أساءت لمصر والمسلمين، مما يؤدى ذلك إلى خطورة كبيرة على أبنائنا تربويا، فقد تلقيت سؤالا على الهواء منذ أيام، من سيدة تشكو أن ابنها قد سمع من أحد الشيوخ السلفيين على إحدى القنوات السلفية أن القرآن نفسه يسب ويشتم، وهذا تبرير للسباب الذى يقوم به ضد خصومه ويستدل بالخطأ بإحدى الآيات فى قوله تعالى «مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث»، وبالتالى ذهب الولد لأمه قائلا أنت تنهينا عن السب والشتائم والله أباح ذلك فى القرآن الكريم، فالمشكلة أصبحت كبيرة جدا لأن هناك خطابا متعجرفا ومتطرفا يسىء إلى الإسلام وهذا الخطاب لا يمثل إلا أصحابه فقط، فبالتالى لابد من وقفة كبيرة ليس فقط من أجل حماية مصر والدولة والأجيال القادمة، ولكن أيضا من أجل الحفاظ على الدين نفسه، وتلقيت رسالة أخرى من سيدة تقول إننا مشدد علينا من قبل السلفيين تشديدا كبيرا لعدم سماع أى فتوى من رجل أزهرى لمجرد انتمائه للأزهر، وهذا يعنى أن هناك دعوة موجهة ضد الأزهر الشريف ويسىء للإسلام وتوظيف الإسلام بهذا الشكل فى سوءه وخطيئته لم يحدث حتى فى العصر المملوكى، والموضوع تعدى مسألة حصار مسجد وسيطرة على المنابر فهو مستقبل دين، والحل هو أن نعود مرة أخرى نلتف حول الأزهر ورموز الأزهر الشريف المعتدلين والذين يتحدثون بوسطية، يمثلون السلف الصالح والقرآن والسنة، ونطالب بإنشاء قانون الفتوى أى أنه لا يفتى فى الدين إلا من هو مؤهل تأهيلا كبيرا للفتوى من الأزهر الشريف، حيث لا توجد مؤسسة حتى الآن تستطيع إعطاء الفتوى سوى الأزهر الشريف، وهذا القانون معمول به فى كثير من الدول العربية والدول الإسلامية، ولذلك هؤلاء الأشخاص مجهولو النسب العلمى لم يستطيعوا إقامة أى فتوى فى أى دولة عربية سوى مصر، لأنهم على علم أن هناك قانونا رادعا لا يسمح بهذا وأنا على يقين أن هذا القانون لا يطبق بمصر لأنه ليس فى مصلحة الكثيرين من مجهولى النسب العلمى.
كيف نحمى مساجدنا من الزحف السلفى المتشدد؟
ـــ لابد أن نطالب بعودة المساجد مرة أخرى تحت إشراف وعباءة الأزهر الشريف وليس وزارة الأوقاف، فمن دور الأوقاف الإشراف على الوقف وليس المساجد، واستمرارها فى هذه الهيمنة تعنى أن كل رئيس سيتولى الرئاسة سيتبعه وزير أوقاف من نفس التوجه، وتصبح المساجد ألعوبة سياسية بينما الأزهر لا ينتمى لتيار معين أو رئيس، فلابد من تطبيق قانون الأزهر واستقلال الأزهر لأنه تابع لله ورسوله فقط.
وهل هذه القرارات والسبل كافية لتناسب أساليب العنف والبلطجة التى يستخدمها المتأسلمون كما حدث فى مسجد النور؟
ـــ بالطبع لا فما حدث فى مسجد النور منذ عامين لم يعد أحد يتحدث عنه، ولأننى تحدثت عن حق الدولة ودافعت عن أحد ممتلكاتها حوربت ونقلت من مسجد النور إلى مسجد مصطفى محمود بسبب آرائى التى لم تعجب أحدا، وتركت المسجد لأننى لم أجد من يقف بجانبى ويدعم موقفى، فكثير من الشهداء قدموا أنفسهم من أجل أفكارهم وآرائهم وأعتبر أن استبعادى يعد أمرا بسيطا وابتلاء من الله، ولكن كل أمور وقضايا الفصل بين حقوق الدولة وحقوق وزارة الأوقاف وغيره كلها أصبحت أمورا مسكوتا عنها الآن ولكن إلى متى، فلابد من فتح كل الملفات المعلقة الموجودة لدى النيابة مرة أخرى مما يتطلب ذلك عودة هيبة القضاء الذى يحمى النيابة من أجل تحقيق العدالة المطلوبة بالمجتمع، أما عن القضايا الخاصة بى فلى قضية ضد الشيخ حافظ سلامة أخذت بها حكما، وهناك حكم آخر سيعلن عنه فى شهر يناير ضد الدكتور عمر عبدالعزيز، وأنا أكتفى برد القضاء الذى أعطانى حقى ولكن لايزال حق الدولة معلقا، وأنا أتمنى حماية القضاء لكى تتحقق الحماية للدولة بمؤسساتها وقراراتها، وبالرغم من أن الموضوع غير شخصى إلا أننى واجهت العديد من التهديدات والسباب والقذف .
هل يعنى هذا أن هناك مخططا لتقييد دور الأزهر الشريف والسيطرة عليه من التيارات السلفية؟
ـــ بالفعل هناك العديد من المخططات للنيل من الأزهر الشريف منها خطة ظهرت على لسان الشيخ ياسر برهامى فى تقييد دور الأزهر ونحن نعلم من قديم الأزل أن السلفيين لديهم أجندة منذ وقت تحدثهم عن الرقائق وانتهاء بتحدثهم عن السياسة واستقدامهم لخوض معاركهم السياسية وهى تتضمن تقييد وحصار دور الأزهر وإنشاء كيانات منافسة له، وفى تصريحات ياسر برهامى الأخيرة التى لا تقتصر فقط على الحصار بل هدم ونسف الأزهر الشريف، ومقاصد السلفيين فى هدم الأزهر تقاطعت وتوافقت مع مقاصد الاستعمار منذ 005 سنة فى هدم الأزهر وهذا يعد شيئا غريبا جدا ومحيرا أيضا.
هل المادة الخاصة بالأزهر فى الدستور الجديد كافية لحمايته من أيادى المهيمنين؟
ـــ أنا أتحفظ على هذه المادة الخاصة بالأزهر فى الدستور لأنها تتحدث على استقلالية الأزهر دون استقلالية المساجد، بالرغم من أننا كأئمة وعلماء قمنا بمظاهرات عديدة بعد الثورة مباشرة من أجل توحيد المؤسسة الدينية بدلا من تقسيمها، وقد حان الأوان أن تعود مرة أخرى إلى مؤسسة واحدة بعد تفتيتها إلى ثلاث مؤسسات علما بأن هذا التفتيت كانت له أسباب تاريخية وسياسية، والغريب بعد انتخابات الرئاسة وبعد تصاعد الإخوان المسلمين، فوجئنا أنهم تراجعوا عن هذه الخطوة.
وكيف نستعيد هيبة الأزهر ونحميه من هذه الدائرة المظلمة؟
ـــ الحل هو الالتفاف حول الأزهر الشريف وانضمام المساجد إليه مرة أخرى، بالإضافه إلى دار الإفتاء التى تتبع إدارتها حتى الآن وزارة العدل، والخطاب الدينى والمجلس الأعلى للشئون الإنسانية ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة تبرع العلماء كل هذه المؤسسات لابد من استقلالها حتى نضمن استقلال الدين الإسلامى، فالأزهر حتى الآن يحافظ على المنهج الوسطى والفهم الصحيح، وعلى استنباط الفتاوى والأحكام الصحيحة والتى تصلح للمجتمع العربى بأكمله.
وكيف نستعيد دور المساجد مرة أخرى؟
- لابد من إحياء دور المسجد مرة أخرى حتى يقوم بدوره فى تعليم القرآن وتدريس علوم الشرع والمنهج الوسطى وجلسات فض المنازعات ومناقشة أمور الناس.
هل تقصد أن الدين لابد أن ينفصل عن السياسة؟
- لا ليس هذا معنى كلامى.. فالدين لا يجب انفصاله عن السياسة لأن الدين به سياسة والسياسة بها الدين، ولكن لابد أن نفهم من يخدم على من، فلابد من تقاطع ما بين الدين مع السياسة لصالح الدين والدولة معا وليس لصالح الحزب أو لصالح الحاكم، وتوظيف القرآن والسنة فى تبرير أخطاء اجتماعية وسياسية نرتكبها لتشويه الإسلام، والسياسة لابد أن تراعى آداب وحرمة الدين، ففى السياسة الشرعية لابن عقيل يقول فى هذا الموضوع أن الإمارة أو الحكم سياسة الدنيا فى صالح الدين، ولابد من اتخاذ جميع الإجراءات للحفاظ على الدين ولا نهتم بتثبيت الملك حتى ولو على حساب الدين كما يفعل البعض، وأرفض الدعوة من خلال المساجد لفرض محبة الرئيس مرسى والدعاء للحاكم ووصفه بأنه القائد والحاكم بأمر الله وحفيد عمر بن الخطاب، وتنشيط المساجد فترة الانتخابات للتصويت لحزب أو الاستفتاء على أمر بعينه فى الدستور جريمة فى حق الأمة كلها، وحظرنا استخدام هذه السياسة التى ستصبح خرابا على البلد، وتوالت بعدها أحداث حصار الشيخ المحلاوى بمحافظة الإسكندرية وبعدها حصار مسجد القائد إبراهيم وبدأت قدسية الإمام والمنبر تراجعت، لأن المسلمين انقسموا ما بين متحيز ومعارض وأصبحت مشكلة كبيرة، وأرى أن الحكومة ساهمت إسهاما كبيرا فى تشويه الإسلام، كما ساهم النظام فى تقليل قدسية المنبر وقدسية الإمام وقدسية الخطاب وبالتالى تشوه الإسلام.
ما حكم الشريعة الإسلامية فى التفكك الذى وصل إليه المجتمع المصرى الآن، وأصبحت الانتماءات للأحزاب وليس للوطن؟
- «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» سيدنا النبى عليه الصلاة والسلام عالج هذا الأمر بعد الهجرة مباشرة حيث كان بين المهاجرين والأنصار عداوة وشقاق وألف بين قلوبهم، وهذا يعنى المصالحة الوطنية أولا، وأن يتنازل البعض عن حقه ويعترف بخطأه فى سبيل تحقيق تلك المصالحة، «وألف بين قلوبهم لوفقت بين ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم»، والهدف لابد أن يكون وطنيا وليس سياسيا، وتحدث عن المصالحة الوطنية كثيرا شيخ الأزهر وشدد ألا تكون لصالح طرف أو جهة دون البلد.
هل مازال هناك فساد بالمجتمع بعد ثورة قامت من أجل القضاء على الفساد؟
ـــ بالطبع الفساد زاد ودليل على ذلك الحالة الاقتصادية التى تتردى، بل أضف على الفساد القديم فسادا آخر، والإدارة فى المؤسسات المصرية لا تقوم على الكفاءات بل تقوم على المحسوبية والانتماء، وتصريح وزير الإعلام تصريح واقعى حينما قال أننى لو أملك قيادات من الإخوان فالرجل بعشرين رجلا وهو الأكفأ، فهو فكر سيطر على فكره وثقافته بأن الرجل الإخوانى هو الأكفأ أيًا كان هو، وهذه هى الثقافة المعمول بها الآن، ثقافة التمييز بين الإخوانى وغير الإخوانى.
ما رأيك فى تصاعد التيار الإسلامى بهذه الصورة؟ وما رأيك فى الآراء المعارضة؟
ــ أرفض كلمة تيار إسلامى ولكن نقول الإخوان والسلفيين، فكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم، لكن عندما أتحدث عن السلفين والإخوان أرى أنها كلمة خبيثة أتحفظ عليها لأنها كلمة استخدمت لتنسب الإسلام إلى الإخوان والسلفيين دون غيرهم، وأنهم ممثلون عن الله ورسوله، الشعب المصرى مسلم ولا يجوز لأحد أن يشكك فى إسلامه أو يكفره، والله وحده هو الأعلم بمن سيدخل الجنة ومن سيدخل النار، وأرفض فكرة الحصار والهجوم والتخريب لأنه يعود على الوطن قبل أى أحد والضحية هو الشعب المصرى، والقوى لا يستخدم القوة لأن الحق هو حجته ولا يحتاج لكل هذا فهو أقوى من التنكيل وتكميم الأفواه، على عكس الضعيف فقط هو من يغتال ويقتل ويخرب ويستخدم الأساليب الملتوية، فلابد أن نلتزم بكلمة الحق أيا كانت.
هل المجتمع المصرى الآن مؤهل لتطبيق الشريعة الإسلامية التى ينادى بها الإسلاميون؟
ـــ تطبيق الشريعة ليست حدودا فقط وكثير منهم يتحدث عن تطبيق الشريعة ويزعمون تقديم أنفسهم شهداء فى سبيل الدين وهم لا يهتمون بالأخلاق فالشريعة أخلاق ومعاملة ودفع بالتى هى أحسن ودعوة بالتى هى أحسن، الشريعة لا تقتصر على حدى السرقة والزنى فقط، بينما هو أشمل بكثير ولن نستطيع تطبيق جزء من الشريعة دون باقى الأجزاء، والأمر الذى ذكرته من قبل هل الرسول عليه الصلاة والسلام بنى الدولة ثم طبق الشريعة أم طبق الشريعة لبناء الدولة، فهو بنى الدولة أولا قبل تطبيق الشريعة، فبعد الهجرة بدأ بناء المسجد ثم قام بالمصالحة والأخوة بين المهاجرين والأنصار وإقامة الدستور أو وثيقة المدينة وتعليمهم الحقوق والواجبات وبعد عامين نزلت الأحكام الشرعية فى الصيام والصلاة والزكاة والجهاد فى سبيل الله .
هل هناك أمل فى إرجاع دولة القانون مرة أخرى؟
ـــ حسب سنة الله وقانونه فيقول الله تعالى «تلك الأيام نداولها بين الناس» فلابد من وجود الأمل والله حما مصر قبل ذلك وسيحميها ولابد من عودة دولة القانون ويجب أن يكون اختلافنا فيه أدب وخلق ولابد أن نتحلى بأخلاق الرسول، والدولة ستعود مع عودة الأخلاق والقانون.