الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مينا هاوس.. قصر.. فمنزل.. ففندق أثرى

مينا هاوس.. قصر.. فمنزل.. ففندق أثرى
مينا هاوس.. قصر.. فمنزل.. ففندق أثرى


 عند بداية الطريق الصاعد إلى الأهرامات، يقف المبنى الشهير فندق مينا هاوس، تحكى أحجاره وحوائطه وأثاثه، ما حدث فى مصر خلال 150 عامًا، قبيل افتتاح قناة السويس وحتى الآن، فرحة الخديو والمعماريين والسائحين وجنود الحرب العالمية وحكايات أخرى كثيرة.
نزل بالفندق عبر تاريخيه الطويل ملوك وسياسيون وفنانون، فى مقدمتهم الإمبراطورة أوجينى والخديوى إسماعيل، وتشرشل وروزفلت ونيكسون والأميرة ديانا أميرة ويلز وشارلى شابلن وأجاثا كريستى وفرانك سيناترا والمطربة أسمهان وأم كلثوم وغيرهم.
القصر الذى تحول لفندق بنى من أحجار الأهرامات، شهدت قاعاته مناقشة خطط الحرب العالمية الثانية بين تشرشل وروزفلت 1943 ومباحثات السلام بين الرئيس أنور السادات والأمريكى جيمى كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن 1977.
ممراته وسلالمه وغرفه من الداخل وتخطيطه، وأشياء كثيرة تغيرت الآن بالفندق، لكنها تظهر جليا عندما تتبع مشاهد الأفلام التى صورت داخله، مثل أنت اللى قتلت بابايا، صاحب الجلالة، حكاية حب، الفانوس السحرى» وغيرها.
مكان هذا الفندق، بنى الخديوى إسماعيل قصرًا صغيرًا عام 1869م  عند بداية الطريق الصاعد للأهرامات، وأنشأ شارع الأهرام حتى يتمكن ضيوف حفل افتتاح قناة السويس من الوصول إلى القصر، وليستقبل فيه الخديو الإمبراطورة أوجينى عند زيارتها لمصر قبيل الافتتاح.
 هو القصر رقم 17 الذى يشيده الخديو كما كتب الصحفى الإسكتلندى «الكسندار راسل «فى كتابه عن افتتاح قناة السويس والذى حضر الاحتفال وزار القصر، وكما كتب عنه فى الخطط التوفيقية «على مبارك» قائلا «إن الخديوى بنى سراى مزخرفة بجوار الأهرام».
وبعد حفل افتتاح قناة السويس بشهور قليلة، هدم الخديوى إسماعيل القصر، وشيد مكانه فندقا من طابق واحد، حتى يستقبل فيه أصدقاءه وضيوفه وكان من أشهرهم أمير ويلز، عرف الفندق فى الوثائق وعقود الملكية باسم «فندق الأهرام».
وبسبب ما أنفق على حفر قناة السويس وغيرها من المشروعات، تراكمت الديون على الخديوى إسماعيل، فانتقلت ملكية الفندق إلى الحكومة المصرية، بعد أن رهن الخديو الكثير من أملاكه وقصوره لسداد الديون التى اقترضها.
وهكذا آل الفندق  مع ما حوله من الأراضى للأملاك الأميرية «أملاك الميرى » كما يوضح لنا، الدكتور محمد حمودة عبدالعظيم المدرس بقسم الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا، أول أكاديمى متخصص بحث فى تاريخ وعمارة فندق ميناهاوس، وحصل من خلاله على الماجستير من كلية الآثار بجامعة القاهرة عام 2013 بعنوان «قصر الخديوى إسماعيل بالهرم المعروف بفندق مينا هاوس..دراسة أثرية فنية».
•منزل الملك مينا
وتكشف رسالة د.محمد حمودة، عن أن الذى اشترى الفندق من الحكومة المصرية بعقد بيع رسمى، مشهر بالشهر العقارى وباللغة الفرنسية،  كان الثرى الإنجليزى السيد« فريدريك هيد»  ليكون مسكنا خاصاً له ولزوجته.
كان فريدريك قد جاء إلى مصر عام 1883م لقضاء شهر العسل، وكان مريضا «بالسل» ونصحه الأطباء بأن يجرب هواء الصحراء، وبالفعل تحسنت حالته واستعاد قوته،  فقرر شراء مبنى فندق الأهرام والأرض المحيطة به، وبنى طابقا ثانيا للمبنى، واختار له اسما جديدا هو «مينا هاوس» أى منزل الفرعون مينا، نسبة للملك مينا موحد القطرين.
 واكتمل بناء الطابق الثانى عام 1884 وأصبح الفندق وما حوله من أراضٍ وأطيان مساحتها 295 فدانا و12 قيراطا و16سهما، ملكا لفريدريك.
 وبعد وفاة فريدريك هيد باع أخوه ووريثه الوحيد سومر فيل هيد، المنزل فى عام 1887م،  إلى السيد «لوك كنج وزوجته اثيل» بمبلغ «15» ألف جنيه استيرلينى، وقررا تحويل (منزل مينا هاوس)، إلى فندق استغلالا لشهرته وذيوع صيته لما يحيط به من آثار هى قبلة العالم، بالإضافة إلى كونه كان أحد أملاك الخديو إسماعيل الأكثر شهرة عند الأوروبيين وقتها.
 •بناء من أحجار الأهرامات
ومنذ ذلك التاريخ قام «لوك كنج وزوجته» بتحويل المنزل لفندق  وتوسيعه وبناء أجزاء جديدة له، مستخدمين أحجارا من الأهرامات على يد المهندس المعمارى الإنجليزى هنرى فافرجر «1855 – 1922م» الذى قام لاحقا  بتصميم مبنى مدرسة فيكتوريا الشهيرة بالإسكندرية وفندق كتاركت بأسوان عام 1899م.
واحتفظ الزوجان باسم المنزل القديم وعرف باسم فندق مينا هاوس، ويقول دكتور حمودة، إن الوثائق التى عاد إليها أظهرت أن لوك كنج أنشأ طريقا لعربات تجرها جياد لخدمة السياح ونزلاء فندق مينا هاوس، من الجيزة حتى الأهرام ومنها إلى سقارة.
 •غرفة طعام مملوكية
عقب الانتهاء من بناء الأجزاء الجديدة للفندق عام 1892م نشر المهندس المعمارى هنرى فافرجر مقالا بعنوان« modern building in egypt» مبنى حديث فى مصر لمجلة - المعهد الملكى للمهندسين المعماريين البريطانيين، قدم فيه وصفا شاملا عن بنائه  لفندق مينا هاوس كمبنى حديث فى مصر،  ليتقدم به لعضوية المعهد الملكى المعمارى البريطانى، وبالفعل نال العضوية بسبب هذا العمل.
وأهم ما ميز أعمال فافرجر قاعة الطعام الرئيسية للفندق، التى شيدها على طراز العمارة  الإسلامى، الذى يشبه مسجد قايتباى بالقرافة، والمكون من صحن وإيوانين، فتعلو  قاعة الطعام قبة، بل إنه نزع شبابيك خشبية وأبواب من أحد الأسبلة المملوكية المتهدمة بشارع درب الجماميز، وأعاد تركيبها فى قاعة الطعام بالفندق!!! لتظهر كما لوبنيت فى عصر المماليك.
 وتفنن المعمارى فافرجر فى المزج بين الطرازين الإسلامى وعصر النهضة الإنجليزى فى قاعة الطعام، فأحاط الصحن الأوسط، بممر معقود أو بائكة على غرار مطعم هولبورن فى لندن.
وذكر  المعمارى «فافرجر» أنه بدأ العمل فى بناء الفندق قرب نهاية عام 1888م حين كلفته «إثيل لوك كنج »، بذلك العمل، فبنى مبانى مجمعة حول الفندق الصغير الذى أقامه إسماعيل باشا، لتشكل فندق مينا هاوس المعروف، وأول ما أضافه كان غرفة الطعام، التى تسع «250 شخصًا» وكانت حديث السياح من مارسيليا إلى بومباى».
وفى مايو من عام 1889م تم إضافة حوالى 50 غرفة نوم وغرف استقبال أخرى للفندق.
 ودمج المعمارى فى بناء هذه الأجزاء بين الطراز الإسلامى، كما فى قاعة الطعام والعقود والمشربيات والشرفات القديمة التى لم تعد موجودة والباب الرئيسى للفندق الذى لايزال موجودًًا - وبين عصرالنهضة الإنجليزى، فى مد أزرع حول المبنى الأصلى ليكون نواة تخرج منها «الأزرع» المكونة للمبنى الجديد، وأيضا البناء بنظام الأجنحة والبلكات كما يوجد فى واجهات الفندق.
•الفندق المدرج.. كمتاهة
بلغ عدد غرف الفندق 50 غرفة، على أربعة طوابق، وبرع المعماري، فى عمل الممرات والسلالم والتخطيط الداخلى للفندق الذى يصفه دكتور حمودة بأنه جاء على هيئة المتاهة لكى يتناسب مع الطبيعة الصخرية والمنحدرة لهضبة الهرم المبنى عليها بشكل مدرج.
يشرح د.حمودة: للفندق أربع واجهات كان يحيط بها ملعب تنس وحمام سباحة، كما أن أثاثه كان على الطراز الإنجليزى.
كما وجد بالفندق ولأول مرة فى مصر «مرحاض جينجز» الشهير المنسوب لجورج جينجز مهندس الصحة الإنجليزى الذى اخترعه، وكان يعلن عنه ضمن إعلانات الفندق، ويتميز بكونه أكثر راحة ونظافة، بالإضافة إلى احتواء الفندق على مصعد خشبى بدلفتين، جلب من شركة «استجلر» الشهيرة للمصاعد فى ذلك الوقت.
 كما  قدم الفندق أيضا أنشطة متعددة للنزلاء، كركوب الخيل وسباق الجمال والكلاب والسيارات ولعب التنس والكريكيت والبلياردو.
وفى حين كانت هذه الأعمال قيد الإنشاء، تم نصب الإسطبلات على الجانب الآخر من «شارع الأهرام» والتى يمكن أن تستوعب أكثر من 150 حيوانًا، وتم بناء حمام سباحة كبير فى الهواء الطلق ومغسلة بالبخار بالفندق.
ولكى يوفر المعمارى مصدرًا دائمًا للمياه بالفندق، حفر «فافرجر» بئرًا مستخدمًا عمالة محلية مع بعض آبار أخرى للمياه فى الصحراء.
•منتجع صحى
أشار دليل شركة الفنادق المصرية «ننجوفيتش»التى اشترت الفندق عام 1905 بمبلغ 95 ألف جنيه أستيرلينى، عن مصادر المياه المعدنية فى مينا هاوس قائلة: «جاء الاكتشاف المهم فى مينا هاوس قبل بضع سنوات عندما تم عمل مسوحات وأجرى الحفر على عمق 40 مترًا تحت الأرض الطينية وتم تحديد المصدر الأساسى، وجدنا أن التركيب الكيميائى لهذه المياه يحتوى على الأملاح المعدنية التى تستخدم بنجاح كبير فى حالات الروماتيزم والتهاب المفاصل وأمراض الكلى والجهاز الهضمى، ولها قيمة لا تقدر بثمن فى أمراض المعدة، ينصح بالبقاء فى ميناهاوس،  وخاصة لأولئك الذين يعانون من مرض عصبى والذين يحتاجون للنقاهة، حيث هواء الصحراء الجاف والمناخ الممتاز والطعام الجيد والخدمة والمتابعة الصحية وسوف تكون عوامل ممتازة لنشاطهم الكامل».
وتلفت رسالة د.حمودة إلى أن، المصادر الأجنبية المختلفة الطبية والعلاجية والمناخية المعاصرة،  أشارت إلى أن الفندق،  بكل وسائله الحديثة وموقعه ومساحاته الواسعة وملاعبه، يعتبر مصحة علاجية ومنتجعًا صحيّا لعلاج المرضى والعاجزين منذ تأسيسه فى عهد «لوك كنج» وحتى «عهد ننجوفيتش» ولذا كان الفندق يخصص حجرات للمرضى والمعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة.
بدأ الفندق بـ80 غرفة للنزلاء، ثم أضيف إليها 30 غرفة فى عهد ننجوفيتش عام 1920 م ليصبح مجموع الغرف حتى قبل تجديده عام 1973م 115غرفة للنزلاء.
 •حجارة خوفو وجرانيت منكاورع
استعمل هنرى فافرجر الركام والأحجار التى تتساقط من الأهرامات والمحيطة بأرضيتها،  بإذن من مصلحة الآثار، لكن الرحالة الذين عاصروا بناء الفندق شاهدوا العمال وهى تنزع أحجار الغلاف الخارجى لهرم خوفو وهى من الحجر الجيرى، وكذلك نزعوا الحجر الجرانيتى من الغلاف الخارجى لهرم منكاورع لبناء فندق مينا هاوس فى عام 1889م، فاستخدم الحجر كمادة أساسية للبناء، بينما الجرانيت للأرضيات، بحسب د.حمودة.
وتؤكد الوثائق العربية والفرنسية والمصادر الأجنبية والخرائط والتخطيطات، التى حصل عليها  د.حمودة بعد جهد كبير، أن الفندق استخدم المساحات الشاسعة من الأراضى التى كان يمتلكها من عهد إسماعيل إلى فريدريك هيد ثم لوك كنج وننجوفيتش،  فى توفير مخيمات فى الصحراء للراغبين من النزلاء المقيمين فى الفندق وكانت هذه الخيام تضم أثاثا كاملا لخدمة النزلاء.
الفندق أيضًا يضم غرفًا للمعيشة والقراءة ومكتبة، وطاولات بلياردو إنجليزية بالحجم الكامل، وغرفة الجليد أوالثلج أو الغرفة الباردة، وستوديو للفنانين، وغرف للتدخين، كما يضم مزرعة كبيرة، وحديقة نباتية، ومحطة توليد كهرباء، ومكتب بريد وتلغراف.
  كما يحجز مينا هاوس عددًا من المفاجآت لضيوفه من الخيول الممتازة للركوب فى الصحراء، حمام سباحة، ملعب جولف، وتنس، وركوب الجمال، وعربات الرمال، ويمكن تنظيم رحلات عديدة ومثيرة للاهتمام من بينها رحلات لسقارة ومنفيس وأهرامات أبو رواش، وتقوم إدارة الفندق بتقديم التجهيزات اللازمة للخيام والتخييم فى الصحراء، والتوجه مساء فى حفل صالونات مينا، حيث يحضر صفوة المجتمع وكثير من سياح القاهرة مع السماع لفرقة موسيقى الجاز«jazz band» الرائدة.
•مستشفى للجنود فى الحرب العالمية
وظل الفندق فى حوزة أثيل لوك كنج وزوجها حتى عام 1905م عندما اشتراه نابليون الفنادق «جورج ننجوفيتش» الذى يمتلك عددًا كبيرًا من الفنادق داخل وخارج مصر، وصاحب شركة فنادق مصر الكبرى، ثم استخدم  كمعسكر ومستشفى للجنود الأستراليين فى الحرب العالمية الأولى.
 وبعد الحرب بعامين أى فى عام 1920م جددت شركة ننجوفيتش الفندق وأضافت له غرفًا وإضافات عديدة.
 وظل الفندق فى حوزة شركة ننجوفيتش حتى عام 1961م عندما تم تأميمه لصالح الحكومة المصرية وانتقلت ملكيته،  للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق إيجوث مع بداية السبعينيات، التى قامت بترميمه وتجديده على يد المهندس عمرو الألفى فى عام 1973م  كما يؤكد د.حمودة، وأسندت إدارته لشركة أوبروى الهندية  ثم شركة ماريوت العالمية حتى  الآن.
•أنت اللى قتلت بابايا.
من الغريب واللافت فى دراسة د.حمودة أنه لجأ إلى الأفلام التى صورت بالفندق، من أجل معرفة حقيقة التغيرات المعمارية التى طرأت على الفندق عبر تاريخيه الطويل وأعمال الإنشاءات والهدم التى جرت له.
 تلك الأفلام الأجنبية والعربية التى صورت داخل الفندق، كان يظهر فيها شكل ممرات وطرقات وسلالم وشرفات الفندق،
من بين هذه الأفلام «أنت اللى قتلت بابايا، صاحب الجلالة، حكاية حب، الفانوس السحرى» إلى جانب مجموعة كبيرة من الوثائق والكتب الأجنبية.
وفى عام 2008م تم ضم الفندق لهيئة الآثار المصرية باعتباره أثرًا ذا قيمة تاريخية ومعمارية وفنية، ومازالت كثير من العناصر المعمارية والزخرفية الأصلية للفندق موجودة حتى الآن، كقاعة الطعام والبارالقديم والباب الرئيسى للفندق والبهو.
كما تتبع مقتنيات القصر التاريخية وزارة الآثار، منها مجموعة أثاث وشمعدانات وسجاجيد وبيانو قديم فى قاعة البار، وآخر فى قاعة الطعام وأدوات إضاءة ولوحة بعنوان نساء فى الشرق، وكلها قد تم حصرها وتوثيقها فى كتالوجات بوزارة الآثار.