حكمة الفراشة وجناحيها مع الشرنقة

يحكى أن رجلًا كان مارًا بحقل، كانت الزهور جميلة للغاية، والفراشات رائعة الجمال أيضًا، وحدها كانت فراشة تحاول الخروج من شرنقتها، تكافح كى تخرج لكن قوتها لا تسمح لها بذلك، أراد الرجل المساعدة ولم يتردد فى الهرولة إليها، كان يحمل آلةً حادة ضمن أدواته، فقام بقص الشرنقة، وخرجت الفراشة، فرح الرجل وابتهج لأنه ساعد هذا المخلوق الضعيف على الخروج للحياة والتمتع بالحرية بعيدًا عن الشرنقة الضيقة، حتى أنه تساءل ماذا كان ينتظر الفراشة المسكينة لو أنه لم يمر فى تلك اللحظة لينقذها من ضعفها؟
اعتاد الرجل أن يمر بالحقل يوميًا فى طريقه للعمل، وكان يحب الاطمئنان على حال فراشته التى أطلق عنان أجنحتها للحياة، لكن ما وجده لم يكن ذلك الذى توقعه، حتى أنه أنكر ما رأته عيناه فى البداية، لكن يومًا بعد الآخر لم يستطع إنكار الواقع، فقد كانت الفراشة ضعيفةً للغاية، لا تستطيع الطيران واللهو والعمل مثل رفيقاتها، ولم يغير مرور الأيام من هذا الأمر، فالأجنحة الضعيفة جعلت الفراشة غير قادرة على مسايرة رفيقاتها، فكان أن انزوت وحيدةً وبائسة.
أدرك الرجل أنه بمساعدته للفراشة قد أذاها، فقد دفعها لمواجهة الحياة مبكرًا، فيما أجنحتها غير مؤهلة لذلك، فوحده العمل لأجل التخلص من الشرنقة، هو ما كان سيقوى أجنحتها، وحدها «المعافرة» اللازمة للخروج من «الشرنقة» هى ما تمنح «الأجنحة» القدرة اللازمة للطيران، وهكذا هى الحياة أيضًا، وحدها «المعافرة» فى أى طريق، هى ما تمنحك القدرة / الاستطاعة على الوصول، وإلا ما كانت الطبيعة لتجعل لكل مخلوق فترة حضانة قبل خروجه للحياة، وفترةً لتعلم المشى أو الطيران قبل أن تتخلى عنه أمه ويواجه العالم وحده.
يحدث فى هذه الحياة أن هناك من يرغب بنية مخلصة فى أن يساعدك فيؤذيك، يتدخل فى الوقت الخطأ ليصطنع قدرة لست مؤهلًا لها، فيسلبك فرصتك فى المحاولة، ومعها حقك فى التعلم من أخطائك وأيضًا حقك فى المحاولة، لا شىء مُقَدَرًا له أن يكتمل قبل أوانه، ولا قدرة على الاستمرار لمن حاول تخطى المراحل اللازمة للنضج، ولمن حاول أن يسرق من الحياة فرصةً لا يستحقها، قد يستطيع أن يفرد جناحيه بمساعدة الآخرين لكن فى النهاية لا بد أن يسقط فى اختبار الطيران كل من ادعى ما ليس فيه.
جناحا الفراشة ليسا مهاراتك البدنية ولا العملية فحسب؛ بل أيضًا نضجك، خبرتك، مستوى تفكيرك، قدرتك على تخطى العقبات، هى سنة الكون منذ بدء الخليقة، والقانون القديم الذى لا يتغير: البقاء للأقوى، ليست القوة هى قوة البدن فحسب، ربما أن ذلك كان فى عصورٍ سحيقة، لكن وحده ذكاء الإنسان هو ما ساعده على النجاة لملايين السنين، ومنحه التميز عن بقية المخلوقات، فلا تغتر أبدًا بقدرتك على الوصول مبكرًا فقط لأن هناك من اختصر لك المسافات، ولا تحاول أنت اختصارها لمن يهمك أمرهم، فناموس الكون لا يسمح لك بمخالفته، قد تستطيع الوصول مبكرًا، أو الحصول على ما لا تستحق أو ما لست مؤهلًا له بعد، وقد تستطيع بقدرات خاصة أن تستمر؛ لكن المؤكد أنك لابد ستخسر فى نهاية الطريق، حتى لو كانت خسارتك معنوية، فالسعادة يشعر بها وحده من يحقق إنجازًا حقيقيًا، ناموس الكون لا يمكن خداعه، ففى لحظةٍ مؤكدة ستنطفئ الأضواء وتنفض الجموع، وتبقى أنت وحدك فى مواجهة نفسك، وما أصعبها من مواجهة، لن يمكنك وقتها ادعاء الفرح، ولن تمتلك القدرة على الاحتفاء بالنصر الذى تعرف فى أعماقك أنه مزيف وأنك لا تستحقه.
فى التعب متعة حقيقية، تجعل للفوز طعمًا، وللراحة مذاق حقيقى، ولا تستقيم المسارات إذا كانت بداياتها «معوجة»، ويبدو هذا قصاصًا عادلًا من الحياة، تختار وحدها موعد تنفيذه، ويكون قاسيًا لدرجة لا تنفع معها الرأفة، فآلام الروح وعذاب القلب، هو خذلان حقيقى لا علاج ملموس له.
للحياة قوانين يجب أن نحترمها، وهى تطمئننا أيضًا، وتحمينا من أنفسنا فى أوقات الفتن، وحدهم من يمن الله عليهم بنعمة الفهم يدركونها؛ فيحصلون على السكينة.
وتذكر دومًا..
أنه ليس مقدرًا للفراشة أن تفرد أجنحتها لتطير قبل أن تستطيع الخروج وحدها من الشرنقة.