الفصول الفاضية.. عرض وطلب!
فى الحلقات الثلاث الماضية ظل تفسير من سألناهم من مسئولين ومعلمين عن سبب وجود فصول فاضية - تصل إلى حد مبان كاملة فى بعض المدارس الحكومية فى قلب القاهرة- يدور حول أن مناطق وسط البلد هى مناطق لم يعد يسكنها الشباب الذين يلحقون أطفالهم بالمدارس، وهى المناطق التى يطلق عليها «طاردة سكانيًا»، لكن مبادرات بعض المسئولين لجذب الطلاب لهذه الفصول، ركزت فى الغالب على تغيير «نوعية التعليم» من الحكومى العربى إلى الحكومى اللغات «التجريبى».
قال لى المسئول الذى فضّل عدم ذكر اسمه، «الفصول الفاضية معناها أن ولى الأمر لا يريد هذه النوعية من التعليم، يعنى عرض وطلب، وهنا المسئول لازم يغير المدرسة لنوعية أخرى، ليصبح عليها الطلب، مثل التجريبى مثلًا أو الفنى».
سر الفصول الملحقة
حتى إذا تحرك المسئول ليجذب الطلاب إلى مقاعد الفصول الفاضية -لا يوجد ما يجبره فى «السيستم العام» على أن يتحرك لتغيير الوضع - واختار تحويل نوعية التعليم من الحكومى العربى إلى الحكومى التجريبى بأنواعه، لا يكون الأمر سهلًا، فهناك شروط لمبانى التعليم التجريبى، كتوفير المعامل المتطورة فى العلوم والكمبيوتر وأدوات التعليم كالسبورات الذكية وأجهزة العرض وغيرها، فضلًا عن «نوعية المعلمين» التى يمكنها تدريس المواد العلمية باللغة الأجنبية.
بما يعنى أنه لا يمكن للمسئول عن الإدارة التعليمية تحويل نوعية التعليم فى أى مدرسة إلى نوعية أخرى، دون الرجوع إلى هيئة الأبنية التعليمية، لتجهيز المبنى حسب أولويات عملها، ثم الرجوع إلى مجلس الآباء والأمناء والمعلمين بالمدرسة، ليوافق على هذا التغيير، وقد لا يوافق، فيكون على المسئول ألا يلحق طلابًا جددًا بهذه المدرسة، لمدة ثلاثة أعوام حتى يخرج آخر طالب فيها، إذا كانت إعدادى أو ثانوى، ليغير نوعية التعليم بعد أن يكون أولياء الأمور قد انتهت علاقتهم بالمدرسة بعد تخرج أولادهم، وهو ما يحدث فى إحدى مدارس إدارة عابدين التعليمية.
أما إذا فكر المسئول فى استغلال الفصول الفاضية فى إحدى المدارس، لاستيعاب بعض الكثافات فى مدرسة تجريبية مجاورة، تحت اسم «فصول ملحقة» فعليه أيضًا أخذ موافقة مجلس أمناء المدرسة صاحبة الفصول الفاضية، وقد لا يوافق إذا كان طلاب الفصل الملحق القادم من مدرسة تجريبية مثلا، «مختلط.. بنات وبنين» وطلاب المدرسة الحكومية العادية بنات فقط.
وكان الحل فى مصر الجديدة مثلًا أن تلحق فصول المرحلة الابتدائية ورياض الأطفال بمدرسة السلحدار المتميزة، بمدرسة فاطمة الزهراء ذات التعليم العادى والتى بها فصول فاضية، تمهيدًا لأن تتحول فاطمة الزهراء إلى تجريبى «فيوتشر»، مع صعود طلاب الابتدائى إلى باقى المراحل، وبالتوازى يتم تجهيز المعامل وباقى الإنشاءات اللازمة.
حوار مجتمعى ودراسة اجتماعية سكانية
هنا تنطلق مجموعة من الأسئلة: لماذا تتركز ظاهرة الفصول الفاضية فى المدارس الحكومية «العربى» وليس الحكومية «اللغات»؟
هل عدم إقبال أولياء الأمور على هذه النوعية من التعليم ذات المصروفات الزهيدة، معناه أن طلاب هذه الأسر لم يعد يقنعهم هذا النوع من التعليم، أم أنهم لا يلتحقون بالمدارس أصلًا أو يتسربون منها؟.
هل تغيير نوعية التعليم للأفضل «من عربى للغات» دون مساس بالمصروفات سيجذب طلاب الأسر البسيطة «أصحاب المقاعد الأصليين» أملًا فى مستقبل أفضل، أم أنه سيبعدهم أكثر؟.
هل يمكن الاستعانة ببيانات الأسر المستحقة لمعاش «تكافل» ذات الأطفال الملتحقة بالمدارس، لنعرف هل هم متواجدون بهذه المناطق صاحبة الفصول الفاضية، أم أنهم بالفعل خارج هذه المناطق؟.. هل يمكن استغلال الفصول الفاضية فى عودة المتسربين من التعليم فى المراحل المختلفة أو من لم يلتحقوا أصلاً به، واستقبالهم بها كمرحلة انتقالية، تمهيدًا لإعادتهم إلى السلم التعليمى فى نفس هذه المدارس على غرار تجربة مدارس الفصل الواحد؟
الإجابة عن كل هذه الأسئلة تحتاج دراسة تشاركية لا تخص فقط وزارة التربية والتعليم، بل التضامن الاجتماعى ومركز البحوث الاجتماعية والجنائية والمجتمع المدنى والمجالس القومية المختصة بالطفولة والتعليم وحقوق الإنسان ونواب الشعب.