الإثنين 27 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التطبيل

التطبيل
التطبيل


فى أعقاب ما يسمى بالربيع العربى ظهرت مصطلحات ساخرة فى المجتمعات العربية وخاصة مصر، كان هدفها ممارسة نوع من أنواع الإرهاب الفكرى لكل من يسير ضد التيار الثورى.. وأحدثت تلك المصطلحات تغييرًا سلوكيًا فى المجتمع فخلقت نوعًا من أنواع التطرُّف فى التعبير عن الرأى وأحدثت تقسيمًا سياسيًا غير سوى وغير متوازن.. فأنت إما مع النظام فى المطلق أو ضد النظام فى المطلق وتراجع الرأى المتوازن لأنه لم يجد المساحة الكافية التى تمكنه من ضبط الأمور..
وفى ظل هذا التخبط ظهر أخيرًا مصطلح «تطبيل» لإرهاب كل من يؤيد خطوات القيادة السياسية وخططها.. وفى رأيى أن من أطلق هذا المصطلح لم يطلقه من باب السخرية فقط بل استخدم علم النفس ومنهجًا خبيثًا لتغيير وسائل الفكر المنطقى ودفعه للتطرف أو إيثار الصمت خوفًا من السخرية اللاذعة التى قد تطال كل من يحاول الإشادة بإنجاز يراه حقيقيًا.. والطبلة فى اللغة العربية هى آلة موسيقية فارغة من الداخل وجوفاء، أما مصطلح التطبيل فيعنى التملق والنفاق.. أما المطبلون فهو وصف مهين المقصود به (المنافقون والمهللون).. وقد انساق جزء من الإعلام فى استخدام هذا المصطلح نكاية فيمن أطلقوه وتعبيرًا عن تأيديهم للدولة.. فنجدهم يقولون «نعم نحن نطبل للدولة أو نطبل للرئيس» وكان الأجدر بهم تغيير هذا المصطلح المهين من وجهة نظرى بكلمة «إشادة» أو ما شابه لأن من أطلق مصطلح التطبيل نجح فى هدفه وهو ترسيخ صورة ذهنية ساخرة ومبتذلة عمن يستخدم هذا المصطلح مع فقدان الشخص لمصداقيته.. وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعى فى نشر هذه الصورة عن طريق الرسوم الكاريكاتورية والتغريدات ومقاطع اليوتيوب.. ومعنى أن يستخدم بعض من الإعلام والنخبة هذا المصطلح اعتقادًا منهم أنهم يكيدون المخالفين للرأى إنما يعبر عن ضعف أدواتهم وعدم امتلاكهم أى منطق قوى للرد على هذه التهمة المقيتة.. فواجب الإعلام تجاه المواطن هو طرح كل ما يدور فى ذهنه من تساؤلات حول ما تقوم به الدولة.. فالمتخصصون كفيلون بمد المواطن بإجابات منطقية ومقنعة فهذا ليس دور مقدم البرنامج على الإطلاق.. وليس عيبًا أو جرمًا لو انتقد البعض إذا كان النقد يصب فى مصلحة الدولة.. أما أن نبتعد عن المنطق ونسقط فى حرب المصطلحات فهذا هو الخطر الأكبر.. فالإعلام المعادى يستخدم كل المنطق فى ترويج أكاذيبه وتضليل الرأى العام ويجد من يصدقه لأنه «يبدو» محترفًا وبعض من إعلامنا يستخدم كل اللامنطق والمبالغة فى شرح الحقائق فلا يجد من يصدقه أو يقتنع بما يقدم..
إن الإعلام المهنى ليس تطبيلًا أو صراخًا أو نفاقًا.. الإعلام المهنى هو قياس نبض الشارع والإجابة على أسئلته وتهدئة مخاوفه.. الإعلام المهنى هو ما ينقل صورة الداخل والخارج للمواطن بدقة حتى لا يشعر أنه بمعزل عما يدور حوله فيجد نفسه قادرًا على تقييم الأمور بشكل صحيح دون تهويل أو تهوين.. والأهم هو ربط الشارع بالقيادة السياسية حتى لا يكون أى منهما بمعزل عن الآخر.